عام جديد يحل ضيفًا لعله يكون “خفيفًا” على البشرية جمعاء، فما كان أثقل العام المنصرم وقد حل علينا بمعية جائحة “كورونا” التي خلفت فوضى عالمية غير مسبوقة، ولازالت بعض الدول حول العالم تعاني من تلك الآثار المدمرة.
لقد أنتجت “كورونا” كما أصفها “فرزًا” اقتصاديًا وأخلاقيًا وثقافيًا ومعرفيًا بطول الكرة الأرضية وعلى امتداد عرضها، ذلك الفرز لا اقصد به التقليل من أمة على حساب أخرى، بل ترك للمراقب فرصة التعرف على الجهوزية والفاعلية التي تتمتع بها الأنظمة والإدارات الحاكمة ومقدار التفاعل والمرونة والتكيف والإبداع في مواجهة الازمات.
إذ فجأة وبدون مقدمات.. تحولت مناهج ومحاضرات إدارة الازمات لتكون أمام تحدي الواقع المرير، فبات أن تلك العبارات الفلسفية الرنانة والأمثولات الإفلاطونية والمكارثية لم تكن سوى حبرٍ على ورق أو شعارات حرص المنظرون لها “بغض النظر عن وجاهتها” على الترويج لها كحلول فضلى ونهائية.
ولعل الدروس التي تعلمها البشرية في مواجهة هذا الوباء هي هبة من السماء وإن كانت الخسائر فادحة، فلربما احتاج العالم لدرس قاس أو صفعة مؤلمة تبقيه متيقظًا ومستعدًا لمواجهة الأسوأ والأكثر قسوة وظلامًا لا قدر الله في قادم الأيام، وبالطبع فإن مشيئة الخالق عز وجل وحكمته وإرادته فوق كل إعتبار.
وفي منطقتنا الشرق أوسطية بدا أن المملكة تغرّد خارج السرب، وبات واضحًا وأمام العالم أجمع مدى الكفاءة العالية والاستجابة الفاعلة والمتمكنة للقيادة السعودية في مواجهة الجائحة، وأظهرت أرقام الموازنة التقديرية للدولة للعام الحالي 2022م مدى القدرة والكفاءة التي أصبحت عليها المؤسسات والأجهزة الحكومية والجهاز المنوط به إدارة الموازنة والنفقات وهذا يفسر تحقيق أول فائض في الموازنة منذ 6 سنوات رغم ظروف الجائحة.
وفي واقع الحال فإن ما تحقق لهذه البلاد وما يتوقع أن يتحقق يكشف جليًا أن الإصلاحات التي بدأتها الدولة منذ أبريل 2016م حين تم الإعلان رسميًا عن رؤية المملكة الطموحة 2030م للتحول إلى اقتصاد ما بعد النفط. هي جديرة بالاحترام والدعم والمؤازرة وإن كانت بدايات التصحيح كما هو معتاد في أي مشروع نهضوي هي بدايات صعبة ومؤلمة بعض الشيء إلا أنها وبطبيعة الحال ومع خواتيم هذه الرؤية المباركة ستحل “بردًا وسلامًا” على المواطن والمقيم في هذه البلاد التي حباها الله بالعديد من الثروات والمزايا غير المستغلة قبل انطلاق قطار الرؤية.
وكما هو الحال في أي مشروع إصلاحي نهضوي فإن الحاجة للتقويم المستمر والمتابعة الفاعلة مطلب ملح وضرورة ناجزة، نأمل أنها ستحد ولا شك من أي أثر قد ينتج عن تطوير أي من منظومات الاقتصاد والتشريع والإدارة.