50 هدفًا وتفويضًا وحافزًا مطبقة اليوم تدعم استخدامات الهيدروجين بشكل مباشر
أقل من %0.1 من إنتاج الهيدروجين العالمي تأتي من التحليل الكهربائي للمياه
المملكة تُخطط لأن تصبح أكبر مورد للهيدروجين بإنتاج نحو أربعة ملايين طن بحلول 2030م
المملكة خفضت الانبعاثات الكربونية بنحو %4.4 أي ما يعادل 26 مليون طن في 2018م
وقود عالمي خفيف عالي التفاعل، خفت عن ذاكرة العالم طويلاً، إنه “الهيدروجين الأخضر” مصدر الطاقة النظيفة “الأمثل” الذي دخل مؤخرًا كعضو جديد ضمن أسرة الطاقة المتجددة بخلو عملية إنتاجه بأكملها من الكربون وانبعاثاته، بعكس “الهيدروجين الرمادي” الذي يتطلب إنتاجه استخدام الغاز الطبيعي.
ويتزايد اليوم عدد البلدان التي تملك خططًا وسياسات تدعم الاستثمار في تقنيات الهيدروجين بشكل مباشر، إلى جانب عدد القطاعات التي تستهدفها، فاليوم يوجد حوالي 50 هدفًا وتفويضًا يضاف إلى الحوافز السياسية المطبقة التي تدعم استخدامات الهيدروجين بشكل مباشر، مع تركيز الغالبية على النقل، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية ارتفع الإنفاق العالمي على أبحاث الطاقة الهيدروجينية والتطوير والبيان العملي من قبل الحكومات الوطنية، على الرغم من أنه لا يزال أقل من الذروة في عام 2008م.
أكبر مورد للهيدروجين
ومع أن إنتاج الهيدروجين الأخضر ما يزال يخطو خطواته الأولى، بدأت دولٌ عدةٌ حول العالم تضخ استثماراتها في هذه التكنولوجيا الجديدة، لا سيما تلك الدول التي تتوافر لديها طاقة متجددة قليلة التكلفة، كأستراليا، التي تسعى إلى تصدير الهيدروجين عبر استغلال ما يتوافر لديها من طاقة شمسية وطاقة الرياح، والصين التي تعتزم إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030م، وأيضًا كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية التي تُخطط بما تمتلكه من ميزة تنافسية في ضوء الشمس الدائم والرياح والمساحات الشاسعة من الأراضي وموقعها الأمثل ذو المعامل عالية السعة لمصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، ما يؤهلها لأن تصبح أكبر مورّد للهيدروجين الأخضر إذ يقول معالي وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن لدى المملكة خططًا لتصدير نحو أربعة ملايين طن من الهيدروجين بحلول 2030م.
تضاعف إنتاجه ست مرات
ومن العوامل التي دفعت حكومات العالم إلى الاتجاه نحو الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، بجانب ميزاته البيئية المتعددة ما أقرته الدول الصناعية الكُبرى من تعهدات بخفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050م في إطار اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، وأيضًا ما رصدته المؤسسات الاقتصادية حول مستقبله، كـ “جولدن مان ساكس” التي توقعت أن يلبي الهيدروجين نحو ربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام 2050م، وأن يجذب استثمارات تقدر بـ 11.7 تريليون دولار، وهي توقعات تتماشى مع دراسة سابقة لـ “بنك أوف أميركا” التي رجحت ضخ نحو 11 تريليون دولار خلال الفترة ما بين أعوام 2020م إلى 2050م، وأن يولد الهيدروجين عائدات مباشرة بقيمة 2.5 تريليون دولار، و11 تريليون دولار في البنية التحتية المرتبطة به بحلول عام 2050م لاسيما مع توقع تضاعف إنتاجه ست مرات.
استراتيجيات وطنية للهيدروجين
وبالتالي فإنه من المتوقع للهيدروجين الأخضر أن يوفر ما يصل إلى %25 من احتياجات الطاقة في العالم بحلول عام 2050م وأن يصبح سوقًا يمكن التعامل معه بقيمة 10 تريليونات دولار، ووفقًا لمؤسسة جولدمان ساكس Goldman Sachs، فقد قام عدد من البلدان مؤخرًا بنشر استراتيجيات وطنية للهيدروجين، بما في ذلك أستراليا وتشيلي وألمانيا والاتحاد الأوروبي واليابان ونيوزيلندا والبرتغال وإسبانيا وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية.
تكلفة الإنتاج التحدي الأكبر
بيد أن تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر تعد أكبر التحديات التي تواجه نموه؛ ففي الوقت الحاضر يُكلف إنتاجه ثلاثة أضعاف تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي، وإنتاجه أكثر تكلفة من الهيدروجين الرمادي بطبيعة الحال بسبب عملية التحليل الكهربائي المطلوبة لتصنيعه، وتشير التقارير إلى أن أقل من %0.1 من إنتاج الهيدروجين العالمي تأتي من التحليل الكهربائي للمياه، ومع ذلك، وبحسب تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” أنه يمكن للهيدروجين الذي يتم إنتاجه بالكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة أن ينافس مصادر الطاقة التقليدية من حيث تكلفة الإنتاج بحلول عام 2030م فصاعدًا، خاصة مع انخفاض تكاليف الكهرباء المتجددة من الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح.
تحسين الأداء التشغيلي والإنتاجي
وكان قد استند تقرير “آيرينا” في ذلك إلى الانخفاض المستمر لمجموعة تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر، مثل إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى تحسين الأداء التشغيلي والإنتاجي بشكل عام، فضلاً عن التوسع في إنتاج أجهزة التحليل الكهربائي الذي ينعكس إيجابًا مع الوقت على خفض تكاليفها بنسبة %40 على المدى القصير، وحتى %80 على المدى البعيد.
أقل من دولارين لكل كيلو جرام
وجاءت كذلك توقعات “بيرنشتاين الاستثمارية” متوافقة إلى حد كبير مع “آيرينا” بشأن انخفاض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر مستقبلاً، بقولها: يعتمد مستقبل الهيدروجين الأخضر على مستقبل الطاقة المتجددة، وأنه يمكن أن تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى أقل من دولارين لكل كيلو جرام بحلول عام 2030م مقابل دولار لكل جالون من البنزين، ورجحت كذلك أن تنخفض تكاليف خلايا الوقود %80 خلال الفترة نفسها، إلى حوالي 30 دولارًا لكل كيلوواط.
مقوّمات الإنتاج
وأمام هذه التوقعات بشأن مستقبل الهيدروجين كمصدر للطاقة والمساعي العالمية لتنويع مصادر الطاقة، وما تمتلكه المملكة من كامل مقومات إنتاجه؛ وخطة طموحه يقودها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لريادة المملكة في إنتاجه، جاءت استراتيجيتها لأن تكون على رأس الدول المنتجة للهيدروجين الذي سيبلغ حجم سوقه بحلول 2050م نحو 700 مليار دولار؛ إذ تطمح إلى إنتاج أربعة ملايين طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر والأزرق، وبناء أكبر مجمع لاحتجاز واستخدام وتخزين الكربون بطاقة تصل إلى 44 مليون طن سنويًا.
أكبر مشروع هيدروجين في العالم
فأعلنت المملكة في أغسطس 2020م بالتعاون مع شركة أكوا باور، وهي شركة مطورة للطاقة ومقرها الرياض، وشركة إير برودكتس أند كيميكالز، وهي شركة تبلغ قيمتها 58 مليار دولار ومقرها ألينتاون بولاية بنسلفانيا الأمريكية، عن إنشاء مصنع للهيدروجين الأخضر “هيليوس” في منطقة “نيوم” بقيمة خمسة مليارات دولار، يعمل بسعة أربعة ميغاواط من الطاقة المتجددة، على أن يصبح جاهزًا بحلول 2025م ويهدف إلى إنتاج 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر يوميًا و1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا وتصديره للأسواق العالمية، ليكون أكبر مشروع هيدروجين في العالم.
الشحنة الأولى من نوعها
وكذلك شركة أرامكو السعودية التي أعلنت بعد قرابة الشهر من إعلان عن إنشاء مصنع الهيدروجين الأخضر وتحديدًا في سبتمبر 2020م عن تصديرها لليابان أربعين طنًا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة والمخصصة لاستخدامها في توليد الطاقة منعدمة الانبعاثات الكربونية، وهي الشحنة الأولى من نوعها في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن توقيع وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، والوزير الاتحادي للشؤون الاقتصادية والطاقة في ألمانيا، بيتر ألتماير، لمذكرة تفاهم مع ألمانيا للتعاون في مجال إنتاج الهيدروجين وتصديره خلال السنوات القادمة، لاسيما وأن ألمانيا كانت قد أعلنت حاجتها إلى كميات ضخمة من الهيدروجين الأخضر وترى المملكة موردًا محتملاً لها.
خفض الانبعاثات الكربونية
ويبدو أن المملكة منذ إعلان رؤيتها 2030م وما تستهدفه من تحقيق نهضة اقتصادية وصناعية واسعة المدى وفي جميع القطاعات، وخطتها بضخ استثمارات صديقة للبيئة بقيمة تفوق 10 مليارات دولار، ستمول المملكة %15 منها، بهدف خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030م وفقًا لما أعلنه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، خلال قمة الشرق الأوسط الأخضر التي انعقدت مؤخرًا برئاسته في العاصمة الرياض، سوف يدفع كثيرًا ببلوغ المملكة لمستهدفاتها من تصدير الهيدروجين الأخضر إلى الأسواق العالمية مبكرًا عما هو محدد من أوقات سابقة .
حلول الوقود النظيف
وما يدعم أن المملكة سوف تقترب مبكرًا من أهدافها الهيدروجينية، إطلاق كل من مبادرة صندوق الاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، ومبادرة الإسهام في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء، لأكثر من 750 مليون شخص بالعالم، إذ قدَّر ولي العهد أن إجمالي الاستثمار في هاتين المبادرتين، يبلغ نحو 39 مليار ريال (10.3 مليار دولار)، ستساهم المملكة في تمويل %15 منها، وستعمل المملكة مع الدول وصناديق التنمية الإقليمية والدولية لبحث سبل تمويل وتنفيذ هذه المبادرات.
تحويل الصحراء إلى أرض خضراء
وتهدف المملكة إلى خفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030م وفقًا لما أعلنه ولي العهد، مضيفًا أن المرحلة الأولى من مبادرة التشجير بدأت عبر زراعة أكثر من 450 مليون شجرة.
وقد سبق أن أطلقت المملكة مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف لزراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة لتحويل الصحراء إلى أرض خضراء وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي خلال العقود القادمة، حيث يشار إلى أن التشجير يسهم في تحسين جودة الهواء، وتقليل العواصف الرملية، ومكافحة التصحر، وتخفيض درجات الحرارة.
تحسين كثافة الطاقة
وكان تحليل لمركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية “كابسارك” قد أظهر نجاح المملكة في خفض الانبعاثات الكربونية بنحو %4.4 أي ما يعادل 26 مليون طن في عام 2018م حيث وصلت إلى 553 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في 2018م مقارنة بـ579 مليون طن في 2017م، وذلك بحسب مؤشرات “انرداتا”، حيث كانت التقديرات السابقة تشير إلى تراجع بنسبة %2.4، أي ما يعادل 15 مليون طن فقط، وأشار إلى تقدم المملكة من المركز الرابع إلى المركز الثالث كأسرع دول مجموعة العشرين خفضًا للانبعاثات من استهلاك الوقود، حيث جاءت بعد البرازيل وفرنسا وتقدمت على ألمانيا واليابان، التي تصدرت قائمة الدول الخمس في خفض الانبعاثات الكربونية، ولفت تحليل “كابسارك” إلى أن معدل تحسين كثافة الطاقة في اقتصاد المملكة كان %5.5 في عام 2018م بينما كان المعدل العالمي %1.2 فقط.
إصلاح أسعار الطاقة
وبحسب الدكتور أليساندروا لانزا، الباحث في “كابسارك”، فإن هذا الانخفاض في كثافة الطاقة كان مسؤولاً عن %81 من الحد من الانبعاثات الكربونية؛ إذ تظهر البيانات الحديثة التأثير الكبير لبرامج كفاءة الطاقة وإصلاح أسعار الطاقة في خفض استخدام الطاقة، بعد أن كانت الانبعاثات الكربونية تشهد نموًا سنويًا بما يعادل %5.
أكثر من عشرة ملايين طن
وتشير البيانات الصادرة إلى انخفاض في الانبعاثات الكربونية من قطاع النقل بأكثر من عشرة ملايين طن، بسبب تراجع الانبعاثات الخاصة باستهلاك الديزل %43 أو ما يعادل 19 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ووصلت إلى 24.5 مليون طن في عام 2018م بعد أن كانت 43.5 في عام2017م.
وليست المملكة أول دولة كبرى مصدرة للنفط في الخليج العربي تطلق خططًا لخفض الانبعاثات إلى الصفر، فقد أعلنت الإمارات في وقت سابق من شهر أكتوبر أنها تخطط للوصول إلى هذا الهدف بحلول عام 2050م، ويعد الجدول الزمني الأخير 2060م الذي حددته المملكة، هو الجدول الزمني نفسه الذي تتبعه روسيا والصين.
تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة
ويبقى أن الأهمية البالغة للهيدروجين الأخضر في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة وفق اتفاقية باريس للمناخ، بنحو عشرة مليارات طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا والناتجة عن بعض القطاعات الصناعية، سوف يفتح بابًا متسعًا للاستثمار؛ إذ يكون بمقدرة الدول التي تتوفر لديها القدرة على إنتاج الطاقة المتجدِّدة بتكلفة قليلة نسبيًا، استغلالها لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره للدول الأخرى التي تفتقر لمصادر الطاقة المتجدِّدة.
استخدام الهيدروجين في صناعة الصلب
وتسعى الصين حاليًا تسيير مليون مركبة تعمل على خلايا الوقود الهيدروجينية بحلول عام 2030م، وفي الولايات المتحدة ستكون جميع السيارات الجديدة وشاحنات الركاب المبيعة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية مركبات عديمة الانبعاثات بحلول عام 2035م وتخطط اليابان لاستخدام غاز الهيدروجين في صناعة الصلب وغيرها من الصناعات الثقيلة في البلاد، وتتوقع مؤسسة “غولدمان ساكس” أن قيمة الاستثمارات السوقية في إنتاج الهيدروجين الأخضر ستبلغ 12 تريليون دولار في 2050م.
بناء مدن مستقبلية ذكية
وكانت المملكة قد أعلنت في شهر أبريل 2016م عن رؤيتها المستقبلية 2030م، التي استدعت تنفيذ مشروعات متنوِّعة وعملاقة، ومن بينها مشروع “نيوم”، في الطرف الشمالي الغربي للبلاد، وهو الأضخم من نوعه على مستوى العالم، ويهدف من بين أهداف أُخرى، إلى بناء مدن مستقبلية ذكية، ومجمع ضخم للطاقة الشمسية، وكانت شركة “نيوم” قد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة “هايزون موتورز” بهدف تطوير مصنع لتجميع المركبات التي تعمل بطاقة الهيدروجين وحلول خلايا الوقود، في المدينة المستحدثة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أميركي، وستركز الشركة المدمجة على توريد المركبات التجارية ذات الانبعاثات الصفرية للمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، ومن المنتظر أن ينتج المصنع نحو 10,000 مركبة مطابقة للمواصفات.