6 سنوات من الإصلاحات الهيكيلية تؤتي ثمارها..
الأنشطة النفطية تحقق ارتفاعًا بنسبة %10.8 وهو أعلى نمو ربعي منذ عام 2012م
الأنشطة غير النفطية تحقق ارتفاعًا لافتًا بمقدار %5.0 في الربع الأخير لعام 2021م
الناتج المحلي الإجمالي ينمو بنسبة %3.3 في عام 2021م مقارنة بعام 2020م الذي انخفض بمقدار %4.1-
الإنتاج الصناعي يسجل ارتفاعًا لمعدلات رقمه القياسي لكميات إنتاجه بنسبة %11.2
يعد “النمو الاقتصادي” أحد أهم المؤشرات الاقتصادية، إذ يقيس معدلات التغيير الإيجابي في إنتاج السلع والخدمات في فترة زمنية معينة، ولذلك يعني النمو الاقتصادي -بشكل عام- زيادة مدخلات الدول بما ينعكس على زيادة أرباح الشركات بارتفاع قيمة أسهمها ويُترجم في زيادة الاستثمارات والطلب على الأيدي العاملة ورفع معدلات الدخول للأفراد وبالتالي تحسين مستوى معيشتهم وارتفاع الطلب على السلع والخدمات؛ ما يقود النمو إلى مستويات مرتفعة.
والمتتبع لمعدلات النمو الاقتصادي في المملكة يرى مدى ديمومته على الارتفاع منذ سبعينيات القرن الماضي مرورًا بفترة الثمانينيات والتسعينيات وحتى بداية الألفية الجديدة، حيث سجل في عام 2003م ما نسبته %11.2 وفي عام 2011م ما نسبته %10، وخلال العقود الخمسة الماضية وصولاً لعام 2020م تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بالأسعار الثابتة بنحو 5.2 مرة.
قاعدة اقتصادية صلبة
وبشكل عام شهد اقتصاد المملكة خلال عصره الحديث نموًا على مستوى عدد كبير من القطاعات، مستغلاً بذلك الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي والحضاري للمملكة بين قارات العالم الثلاث، ما أنتج قاعدة اقتصادية صلبة مكنت المملكة من لعب دورًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط العالمية مدعومًا بما لديها من نظام مالي راسخ وقطاعات إنتاجية ومالية فعالة.
وأمام ما عاصرته المملكة في السنوات الست الماضية من إصلاحات هيكلية اقتصادية ومالية ضمن مستهدفات رؤية 2030م، تعزَّزت معدلات النمو الاقتصادي مصحوبة بالاستمرار في الحفاظ على الاستقرار والاستدامة المالية، ما أسهم في تعزيز قدرة اقتصاد المملكة على تجاوز جائحة كوفيد19- في عام 2020م بثبات، ورغم التوقعات التي سادت الأوساط الاقتصادية العالمية بأن النمو الاقتصادي في المملكة ربما لا يستمر في الحفاظ على معدلات ارتفاعه إلا أن عام 2021م حقق ارتفاعًا فاق التوقعات وأعطى ملمحًا ببداية عصر جديد من النمو والازدهار على أُسس وقواعد التنويع التي أقرتها رؤية 2030م.
ارتفاعًا في الربع الرابع
فقد حقق إجمالي الناتج المحلي الحقيقي ارتفاعًا في الربع الرابع من عام 2021م بحسب بيانات حديثة أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء بما نسبته %6.8 مقارنة بذات الفترة من العام 2020م، إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المعدل موسميًا ارتفاعًا قدره %1.6 في الربع الرابع من عام 2021م، مقارنةً بالربع الثالث من نفس العام 2021م، ومصحوبًا بالنمو الإيجابي الكبير الذي حققته الأنشطة النفطية بنسبة %10.8 وهو أعلى نمو ربعي منذ عام 2012م أي منذ عقد من الزمن، ومقارنة بانكماش %6.7 لعام 2020م، وكذلك الارتفاع الذي حققته الأنشطة غير النفطية بمقدار %5.0 وأنشطة الخدمات الحكومية بنسبة %2.4.
وفيما يتعلق بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2021م، أظهرت البيانات أنه نما بنسبة %3.3 مقارنة بعام 2020م الذي انخفض بمقدار %4.1-، وعزت الهيئة من جانبها ذلك الارتفاع إلى تعافي الاقتصاد الوطني من أزمة الجائحة وكذلك من خلال النمو الذي شهدته الأنشطة غير النفطية بمعدل %6.6 وكذلك أنشطة الخدمات الحكومية بمعدل نمو قدره %1.5، فيما حققت الأنشطة النفطية نموًا بمقدار %0.2.
السياسات الاستباقية
ويبدو أن ما سجله القطاع النفطي من ارتفاع خلال الربع الرابع من عام 2021م، جاء بسبب ارتفاع إنتاج السعودية من النفط لمواجهة الطلب المتزايد على الخام عالميًا، وهو ما عزز نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة %6.8 مقابل %3.3 عن الفترة المماثلة من العام السابق، وأن ما سجلته الأنشطة غير النفطية من ارتفاعات وكذلك الخدمات الحكومية يعزى للسياسات الاستباقية التي إتبعتها الحكومة في فترة انتشار الجائحة وذلك من خلال الحزم المالية الاقتصادية من جانب وحملات التطعيم باللقاحات المضادة للفيروس من جانب آخر، ما أدى إلى استقرار الوضع الصحي في المملكة، فضلاً عن الآثار الإيجابية لخطة التعافي الاقتصادي والتوازن المالي التي دعمت فرص النمو وعززت من القدرة التنافسية للاقتصاد على المدى الطويل.
أعلى من التقديرات المحلية والعالمية
وقد جاء هذا النمو الربعي، أعلى من التقديرات المحلية الحكومية التي توقَّعت نمو الاقتصاد بنسبة %2.9 في عام 2021م و%7.5 في عام 2022م، وكذلك الصندوق النقد الدولي، الذي توقَّع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة %2.4 في 2021م، على أن يتضاعف النمو إلى %4.8 في عام 2022م وكذلك تقديرات وكالة ستاندر آند بورز بأن يبلغ متوسط نمو الاقتصاد السعودي %2.4 خلال الفترة بين 2021 إلى عام 2024م، في حين توقع بنك جولدمان ساكس بأن ينمو الناتج المحلي الإجمالي خلال عام2021م بما نسبته %4.5 مقارنة بتوقعات سابقة له قدرها بـ%2.5.
الأسرع للمملكة في 6 سنوات
وبشكل عام، يعتبر النمو الذي حققه الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021م، هو الأسرع للمملكة في 6 سنوات، ما يعطي ملمحًا إيجابيًا كونه فاق في نموه كافة التوقعات، ويشير إلى قدرة الاقتصاد الوطني على التعافي من آثار الجائحة التي لا تزال كثير من دول العالم تعاني من تداعياتها وتجد صعوبة في تخطيها، إلا أن المملكة بدأت تعاود نشاطها ووتيرة نموها الاقتصادي، الذي ربما يصل إلى أرقام قياسية خلال العام الجاري 2022م.
نجاح خطط وسياسات الدولة
ومما لا شك فيه أن النمو الذي حققه النفط حيث ارتفعت أسعاره لتتجاوز الـ90 دولارًا وربما تصل إلى ما فوق المائة دولار الفترات المقبلة بسبب ارتفاع معدلات الطلب العالمي، لعب دورًا هامًا في تحسن النمو الاقتصادي، ولكن هناك تصاعدًا ملموسًا في نمو الأنشطة غير النفطية والتي تحقق تصاعدًا عامًا بعد الآخر حتى باتت إيراداتها تستحوذ على أكثر من %40 من العائدات الإجمالية؛ وسجل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في النصف الأول من عام 2021م نموًا قدره %5.4 مدعومًا بنمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص الذي سجل نموًا قدره %7.5، وهو ما يعكس نجاح خطط وسياسات الدولة نحو تحقيق التحول الاقتصادي وفق مستهدفات رؤية 2030م الرامية إلى تنويع قاعد الاقتصاد الوطني وزيادة مساهمة القطاع الخاص فيه.
مسح الرقم القياسي
وفي نفس السياق، أظهر مسح الرقم القياسي للإنتاج الصناعي خلال ديسمبر العام الماضي ارتفاعًا لمعدلات رقمه القياسي لكميات إنتاجه بنسبة %11.2، وهو يعد ثاني أعلى معدل نمو سنوي في الثلاثة أعوام الماضية، كما شهدت اتجاهات الرقم القياسي للإنتاج الصناعي في الأنشطة الفرعية الثلاثة وهي التعدين واستغلال المحاجر والصناعة التحويلية، إضافةً إلى إمدادات الكهرباء والغاز، نموًا إيجابيًا تصاعديًا متواليًا خلال عام 2021م، وذلك بعد سلسلة من الأشهر التي شهدت معدلات نمو سلبية في 2020م متأثرة بشكل رئيسي بآثار الوباء العالمي.
رحلة جديدة من النمو المتواصل
وأمام مؤشرات النمو الحاصلة، ومن واقع الأرقام أعلاه وتلك التي أظهرتها ميزانية المملكة التقديرية سابقًا، وبعد أن خالف الاقتصاد الوطني توقعات المؤسسات الدولية في عام 2021م ونجح في التصدي لتداعيات الجائحة بالاعتماد على حزمة من المبادرات والبرامج الحمائية التي حصنت الاقتصاد الوطني، وأمام التحسن الملحوظ في أسعار النفط وكذلك التحسن المتوقع في الناتج المحلي غير النفطي، ما يشير إلى أن الاقتصاد الوطني قد يصل لمستهدفاته مبكرًا، ويبدأ رحلة جديدة من النمو والتنمية المتوازنة التي بلا شك سوف تنعكس أثارها على زيادة فرص التوظيف واستمرار رفع مستوى المعيشة وجودة الحياة، إذ أن الأرقام الإيجابية المتحققة في نمو الاقتصاد الوطني، تأتي ترجمة لرؤية فاعلة تسير بخطى ثابتة في الاستغلال الأمثل لكافة موارد المملكة البشرية منها والطبيعية.