وداعًا اقتصاد الظل ..
بانتهاء التصحيح الاستعانة بـ 20 جهة رقابية وبتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والمعلومات لرصد حالات التستر وضبط المخالفين وإيقاع العقوبات النظامية عليهم
التستر التجاري هو شكل من أشكال اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي أو الموازي، الذي لا يتم إحصاؤه بشكل رسمي ولا تعرف الدولة قيمته الفعلية ولا يدخل في حسابات الدخل الوطني ولا يخضع للنظام الضريبي، ويشّوّه المؤشرات اللازمة لوضع السياسات الاقتصادية كمؤشرات الأسعار والبطالة والنمو الاقتصادي.
توحيد الجهود
وقد عانت غالبية دول مجلس التعاون الخليجي من ظاهرة التستر التجاري وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، التي وضعت العديد من التشريعات والإجراءات اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة ذات الأثار السلبية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وكان آخرها بتوحيد جهودها تحت مظلة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وهو برنامج أطلقته وزارة التجارة، بهدف معالجة التستر التجاري في كافة القطاعات وتطوير الأنظمة والتشريعات المتعلقة به، وتحفيز التجارة الإلكترونية واستخدام الحلول التقنية، ومواصلة العمل على تنظيم التعاملات المالية للحد من خروج الأموال وتعزيز النمو في القطاع الخاص وإيجاد بيئة تنافسية جاذبة للسعوديين وتشجيعهم للاستثمار وإيجاد حلول لمشكلة تملك الأجانب بشكل غير نظامي في القطاع الخاص.
وفي أغسطس عام2020م، وجه خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتشكيل لجنة وزارية تتولى الإشراف على البرنامج الوطني لمكافحة التستر، تشترك فيها 10 جهات حكومية مع الوزارة في تطبيق البرنامج من بينهم وزارة الداخلية.
محاور متعددة
وانتهجت اللجنة منذ تشكيلها استراتيجية متعددة المحاور، فمن جانب اتجهت إلى تفعيل الأدوات الرقابية فيما يتعلق بمصادر الأموال من خلال الحسابات البنكية للمنشأة التجارية، ومن جانب آخر فرضت التعامل بالفواتير، بإلزام جميع منافذ البيع بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني، وتقليل الحوالات التجارية، ورصد كافة المعلومات عن الممارسات التجارية المخالفة، ومنحت مخالفي نظام مكافحة التستر التجاري مهلة تصحيحية بدأت في 28 فبراير2021، وتم تمديدها لمدة 6 أشهر إضافية في أغسطس 2021، حتى انتهت في 16 فبراير الماضي، لتبدأ مرحلة جديدة في مسارات مكافحة التستر، تعتمد بحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة، عبدالرحمن الحسين، على استعانة 20 جهة رقابية بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والمعلومات لرصد حالات التستر وضبط المخالفين وإيقاع العقوبات النظامية عليهم.
الأسواق إلى الطريق الصحيح، وعلى الراغبين في الدخول إلى النشاط التجاري الالتزام بتشريعات الأسواق
تطوّر جديد
ويمثل ذلك تطوّرًا جديدًا في الآليات الرقابية عن تلك التي كانت سابقًا كالجولات الرقابية ومباشرة البلاغات، فأصبحت تنتهج أساليب مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وضبط المخالفين، بجانب تطبيق العقوبات الرادعة بحق هؤلاء المخالفين والتي تصل إلى السجن 5 سنوات أو غرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ريال أو بهما معًا، ومصادرة الأصول والأموال غير المشروعة لمرتكبي جريمة التستر، فضلاً عن عدد من العقوبات التبعية الأخرى المتمثلة في شطب السجلات وتصفية النشاط وإلغاء التراخيص والمنع من مزاولة النشاط التجاري، واستيفاء الزكاة والرسوم والضرائب، وإبعاد المتستر عليهم عن المملكة وعدم السماح لهم بالعودة إليها للعمل.
وتوقع، رئيس غرفة الشرقية بدر بن سليمان الرزيزاء، ببدء الاقتصاد الوطني لمرحلة جديدة تتجه فيه دفة الأسواق إلى طريقها الصحيح وينتفي خلالها اقتصاد الظل بما يتضمنه من ظواهر سلبية عديدة لاسيما مع هذه الآليات الرقابية الجديدة، المعتمدة من قبل البرنامج الوطني لمكافحة التستر، والنجاح الذي تحقق طوال الفترة التصحيحية.
اقتناص الفرص
وحث الرزيزاء على اقتناص الفرص التي هيأتها المهلة ودعا الراغبين في الدخول إلى النشاط التجاري بالاستفادة من الأوضاع الجديدة والالتزام بكافة معايير وقواعد وتنظيمات وتشريعات الأسواق، مؤكدًا أن نظام مكافحة التستر، الذي أقرّته الدولة بتوجيه من مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، كان له أثر إيجابي كبير في تقديم علاج متكامل للظاهرة الأكثـر ضررًا على الاقتصاد الوطني، وأسهم في تجفيف منابعها، وذلك عبـر التصدي للمراحل التي تسبقها وتغليظ العقوبات على مرتكبيها بالحجز ومصادرة الأموال من خلال الاستعانة بالتقنيات الحديثة.
وثمَّن رئيس الغرفة، الجهود التي بذلتها وزارة التجارة من خلال برنامج مكافحة التستر طوال الفترة الماضية، لأجل مواجهة هذه الظاهرة من خلال سعيها جاهدة إلى توعية المواطن بأضرارها على الوطن اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا، فضلاً عن اقترابهم من آراء أصحاب الأعمال ومتطلباتهم واحتياجاتهم لترجمتها في قرارات وإجراءات على أرض الواقع.
وأشار الرزيزاء، إلى أن غرفة الشرقية لعبت دورًا ملموسًا في مشاركة جهود الدولة للقضاء على ظاهرة التستر التجاري، بأن أنشأت لجنة لمكافحة التستر، التي حظيت بعضوية مجموعة من كبار رجال أعمال المنطقة، وفتحت كذلك مكتبًا في مقرها الرئيس لاستقبال طلبات تصحيح أوضاع مخالفي نظام مكافحة التستر في المنطقة طوال مهلة التصحيح، وأقامت العديد من الفعاليات والبرامج لمواكبة جهود الدولة في القضاء على التستر.
الالتزام بقواعد السوق يحمي المنشآت ويبعدها عن الاشتباه بالتستر، ويعزز فرص نموها وتوسعها
المعايير النظامية
وقد دعا مسؤولون واقتصاديون عدة إلى الالتزام بالمعايير النظامية في ممارسة الأنشطة الاقتصادية، لافتين إلى أنه بانتهاء الفترة التصحيحية بدأت مرحلة جديدة لا تهاون فيها مع هؤلاء الذين لم يغتنموا فرصة التصحيح؛ إذ دعا رئيس الغرفة التجارية في جازان، خالد صايغ، المتسترين لإغلاق منشآتهم ومحلاتهم، وأشار إلى أن البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري شدّد على أنه سيتم تطبيق العقوبات النظامية بحق كل مخالف يتم ضبطه، وبالتالي فإن المخالفين لنظام مكافحة التستر سيتعرضون للعقوبات بحسب ما ورد في النظام، وأن الجزاءات والعقوبات تلاحقهم، وأعلن في تصريحات لقناة «الإخبارية»، عن إغلاق الكثير من المحال التجارية في المنطقة بعد انتهاء المهلة التصحيحية لمخالفي نظام مكافحة التستر التجاري، مشيرًا إلى أن أغلب هذه المحال صغيرة جدًا، الأمر الذي جعل هذه المحال لا تقدم على تصحيح أوضاعها خلال الفترة التصحيحية.
لا عذر اليوم
وقال الاقتصادي، سليمان عطا الله البلوي، في تصريحات صحفية، إنه لا عذر بعد اليوم أمام أي مخالف لنظام مكافحة التستر يتم ضبطه فالدولة، منحت فرصة استفاد منها من حكّم عقله وقرّر العودة والتراجع عن خطئه تجاه وطنه ومجتمعه، مؤكدًا بأن التستر التجاري جريمة كُبرى يقدّر البعض الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها بما يزيد عن 750 مليار ريال سنويًا، ناهيك عن آثاره السلبية الكثيرة كخروج الأموال زيادة معدلات البطالة بين المواطنين، وزيادة أعداد العمالة الوافدة دون حاجة لها، ومزاحمة المواطن والمستثمر النظامي في أعمالهم بطرق لا يجيزها النظام، واحتكار المتستر لبعض الأنشطة وتفشي الغش التجاري والبضائع المقلدة.
قواعد السوق
كما دعت غرفة مكة المكرمة، جميع المنشآت بضرورة الالتزام بالمعايير الـ 10 للسوق السعودي؛ إذ قال نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة، رئيس لجنة التستر التجاري، نايف مشعل الزايدي، إن البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وضع 10 معايير واضحة تحدد التزام المنشأة بقواعد السوق ومنع التستر، تبدأ بوجود سجل تجاري سارٍ ومحدث بكافة البيانات والتراخيص اللازمة لمزاولة النشاط، وفتح حساب بنكي للمنشأة، وعدم استخدام الحسابات الشخصية في التعاملات، وتجديد رخصة مزاولة النشاط، وتحديث عناوين المنشأة، وتسجيلها في برنامج «حماية الأجور»، وكذلك توثيق كافة عقود العمالة إلكترونيًا، مع الالتزام بعدم تشغيل العمالة غير النظامية، وتوثيق كافة التعاملات المالية، وعدم منح غير السعودي أدوات تؤدي إلى التصرف على نحو مطلق، مع توفير وسائل الدفع الإلكتروني، والعمل على إصدار وحفظ الفواتير إلكترونيا، وأن يكون تمويل المنشأة وأنشطتها عبر الطرق النظامية، مع توثيق كافة تلك العمليات، وأشار إلى أن الالتزام بقواعد السوق يحمي المنشآت ويبعدها عن الاشتباه بالتستر، ويعزز فرص نموها وتوسعها.
الامتثال للقانون
ومن جانبها، نصحت المحامية رباب المعبي بضرورة الامتثال للقانون، والابتعاد عن كل ما يتسبب بالأذى، “فالأمر يتعلق باقتصاد الدولة ولا مجال للتهاون”، مضيفةً بأن “الاستفادة من الفرص فائدة ستعم على كافة الأطراف دون أضرار أو عقوبات”، لافتةً إلى أن المملكة وضعت كافة الحلول أمام المتسترين لتصحيح أوضاعهم، ولا مجال اليوم بعد انتهاء مهلة التصحيح سوى الالتزام بالقانون ومتطلباته.
وحذَّرت المعبي، من ظاهرة التستر التجاري، وتصفه بأنه وفقًا لأحكام المادة الأولى من نظام مكافحة التستر بأنه “تمكــين الوافــد مــن اســتثمار أو ممارســة نشــاط تجــاري لحســابه، أو بالاشــتراك مــع غــيره محظـور عليـه ممارسـته، أو لا يسـمح لـه نظـام اسـتثمار رأس المـال الأجنبـي أو غـيره مـن الأنظمــة والتعليمــات ممارســته، ويعتبر المــواطن متســترًا في حالــة تمكــين الوافــد مــن استخدام اسمه أو ترخيصه أو السجل التجاري لممارسة النشاط التجاري”، مضيفةً بأنه يعتبر متسترًا كل أجنبي حاصـل علـى تـرخيص اسـتثمار أجنبـي وقـام بـتمكين وافـد آخـر من العمل لحسابه خلافًا لنظام استثمار رأس المـال الأجنبـي، حيـث يـؤدي التسـتر إلى تهـرب الوافـد مـن الرسـوم التـي يطلبها نظـام الاستثمار الأجنبي.
تصحيح الأسواق
وأبانت المعبي، الأنظمة التي أقرتها اللجنة الوزارية التي تشكلت تحت مظلة برنامج مكافحة التستر، لعبت دورًا كبيرًا في مكافحة التستر التجاري وبدء تصحيح الأسواق، مشيرة إلى ما للتستر من أضرار اقتصادية وأمنية واجتماعية كونه يسـهمُ في زيادة البطالـة لاقتصـار التوظيـف علـى المتستر عليهم، واحتكارهم لبعضِ الأنشطةِ التجاريةِ، مع زيادة حالاتِ الغش التجاريِ، ومزاولتِهم للتجارةِ غـير المشـروعة فتكثر جرائم المتاجرة في المخدّرات، وتصنيع الخمور وبيعِهَا، والمتاجرة بالتأشيرات وتزوير العملة والسّرقةِ والتغرير بالجهات الحكومية، وكثرة وجود العمالة المخالفة لنظام الإقامة تكون وسطًا ملائمًا لانتشار التجارة غير المشروعة، وملاذًا آمِنًَا للعمالة الهاربة من كفلائِها، وانتشارِ العمالةِ السائبةِ.
وأوضحت، أن التستر التجاري يترك العديد من الأضرار سواء للمواطن أو المقيم المخالف والنظامي على حدٍ سواء، كما يلحق بهما أذى في نشاطِهم وعملِهم، والضرر الناتج عن التستر أكبر من المنفعة التي تجلبها وحيث العقوبات التي فرضها نظام التستر تتناسب مع خطورة الفعل وآثاره السلبية على المجتمع، مؤكده انه من واجب المواطن والمقيم أن يلتزم بالنظام والسلامة من تطبيق العقوبات المقررة نظامًا.