تحليل

هل يستطيع الفيدرالي هزيمة التضخم؟

الفيدرالي الأمريكي يحاول جاهدًا التصدي للتضخم مع الأدوات التقليدية بداية ودون اللجوء إلى التطرف الكبير، خوفًا على ضرب الاقتصاد ضربة واحدة.

 

طبعًا من أهم الأسلحة المتوفرة هو رفع الفائدة والتي تعتبر العدو الأول للأسواق المالية، ولذلك نجد في كل مرة رئيس الفيدرالي “جيروم باول” يكون حذرًا في انتقاء كلماته وعباراته عند التطرق إلى حالة الاقتصاد، لكي يخفف من وطأة “رفعات” الفائدة المتتالية على الأسهم.

 

ومنذ بداية مسلسل مكافحة التضخم بجدية من قبل الفيدرالي دخلت الأسواق في موجة تصحيحية، وشهدت تقلبات عنيفة على جميع الجبهات، وخصوصًا بالنسبة لأسهم التكنولوجيا والتي هي المتضرر الأكبر من هذه الخطوة، وشاهدنا تقلبات وتراجعات عنيفة لمؤشر ناسداك في عدة محطات والذي عادة ما يقود الأسواق في التراجعات، وفي الارتفاعات أيضًا.

 

التضخم عند حدود %10 يعتبر رقمًا مزعجًا جدًا للفيدرالي الذي طالما كان يحدد هدفًا للتضخم عند %2 والآن الرقم بعيد جدًا، لذلك أصبح على الفيدرالي أن يتحرّك بسرعة كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، ولكن هذه الارتفاعات المتتالية للفائدة سيكون لها تأثير مباشر على: البطاقات الائتمانية، وقروض الطلاب، والقروض الشخصية، والتمويل العقاري.

وبما أن الاستهلاك يلعب الدور الرئيسي في الاقتصاد الأمريكي إذ يُشكل %70 من حجم الاقتصاد، وبالتالي سيتأثر الإنفاق مع ارتفاع الفوائد على البطاقات، وعلى القروض الشخصية الاستهلاكية أيضًا.

 

بالنسبة لقروض السيارات، معروف دائمًا أن مبيعات السيارات الجديدة تٌعطي صورة عن وضع الاقتصاد والنمو المتسارع في بلد ما، وعادة ما يلجأ إليه الاقتصاديون لكي يأخذوا فكرة عن هذا النمو، ولكن الوضع الجديد مع ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بسبب تداعيات انفجار الطلب وقلة المعروض في الفترة الماضية، هذا الوضع أدى إلى نوع من الفوضى في هذا القطاع خصوصًا مع موضوع ارتفاع الفائدة.

 

ونصل الآن إلى قروض الطلاب والتي دائمًا ما نقرأ بأنها أشبه بقنبلة موقوتة بعد التزايد الكبير لهذه الديون، إذ هناك 44 مليون أمريكي لديهم التزامات بحدود 1.7 تريليون دولار، وهذا الرقم مرشح بأن يصبح 3 تريليونات دولار في عام 2035م. هذا الرقم يتزايد بقوة إذا يدخل ملايين من الطلاب سنويًا إلى هذا النظام، في المقابل يجد عدد كبير من الطلاب القدامى صعوبة كبيرة في الخروج وتسديد ما عليهم خلال 10 سنوات، بل في المعدل أصبحت المدة عند حدود الـ 17 سنة.

 

وكذلك التمويل العقاري والذي سيتأثر كغيره مع ارتفاع الفائدة، خصوصًا أن قطاع العقار شهد ارتفاعات قوية في السنوات الأخيرة، وتزامن أيضًا مع تشكيل فقاعات عقارية في بعض مدن أميركا الشمالية وأوروبا.

 

في موضوع رفع الفائدة، نٌلاحظ دائمًا أن قطاع السياحة ينشط بقوة، خصوصًا أننا في قمة موسم سياحي كبير، يأتي ذلك رغم موجة التضخم التي تجتاح العالم، إذ أن أعداد السياح عادت في بعض الأماكن إلى مستواها ما قبل جائحة كورونا. وثمة دول مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها تعتبر السياحة من أهم القطاعات التي توظف آلاف الأشخاص، وبالتالي تخفف من وطأة البطالة بسب حالة التراجع للاقتصاد العالمي، ولكن الاعتماد على هذا القطاع ليس كافيًا في إنقاذ الاقتصاد رغم العودة الكبيرة الذي سجلها القطاع في الفترة الأخيرة. إذ يواجه هذا القطاع كغيره مشاكل في تغطية الوظائف التي فقدها بسبب كورونا، ولكنه استطاع النهوض مع العودة الكبيرة التي سجلها، ولكن يبقى النقص في الوظائف موجودًا مع مستوى الخدمات. وقد لاحظنا تألق هذا القطاع بشكل كبير وهناك دول مثلما ذكرنا يشكل القطاع أكثر من %15 من الناتج المحلي الإجمالي لها. مشاكل القطاع الرئيسية تأتي من قطاع الطيران الذي يتأثر من فقدان الوظائف منذ فترة كورونا والذي لم يستطع استعادتها حتى الآن.

 

نترك قطاع السياحة ونذهب إلى قطاع التكنولوجيا والذي سيكون تحت الأنظار في المرحلة المقبلة لمراقبة أداء شركاته وتأثير تراجع أرباح شركاته الكبرى بسبب تراجع نمو الاقتصاد خصوصًا بعدما بات هذا القطاع يشكل الوزن الأكبر بين كل القطاعات مع دخول شركات عديدة منه في نادي التريليون دولار.

 

طبعًا التعامل مع الفائدة والتراجع الحاصل في الاقتصاد العالمي واحتمال حصول الركود سيكون أبرز التحديات التي ستواجه هذه النوعية من الشركات التي تألقت أثناء الإغلاق الاقتصادي في فترة كورونا وسجلت مبيعات قوية وانفجرت أسعار أسهمها، ولكن الذي يحصل الآن مع تراجع إيراداتها وارتفاع الفائدة في نفس الوقت وتعاظم تأثيرها على القطاعات الأُخرى هو الذي يشكل القلق الأكبر بين الشركات الأخرى. قطاع التكنولوجيا بلا شك ــ بعد تجاوز التراجع الحاصل في الاقتصاد وهدوء الفائدة وغياب الفوضى في سلاسل التوريد ــ سيعود لقيادة القطاعات كافة رغم انكفائه بعض الشيء في الفترة الماضية.

 

وأخيرًا سنراقب في المرحلة المقبلة كيف سيكون التعامل مع أي بيانات تعطي إشارات تهدئة بالنسبة لمعدلات التضخم، ودائمًا ما نسمع: “هل وصل السوق إلى القاع؟”، أو “هل وصل إلى قمته؟”. لكن كل القصة الآن هي متى سيسجل التضخم قمته؟ من هنا تستطيع قراءة الأسواق والاقتصاد.