نافذة

العمق الاستراتيجي لرؤية 2030م… صناعة حضارة إنسانية جديدة

من زاوية تشغيلية تبدو رؤية المملكة 2030م للمتابعين غير المتخصصين، وكأنها خطة تحول استراتيجي لإصلاح الأجهزة الحكومية، واستغلال الفرص الاقتصادية غير المستغلة، وإتاحة الفرص للشباب ولقطاعات الأعمال مع التركيز على خدمة المواطن وحل الإشكاليات والتحديات التي تواجه المواطن في مختلف مراحل حياته فحسب، وكل ذلك صحيح، وقد خطت الأجهزة الحكومية بإشراف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية خطوات واسعة في كل هذه المجالات وحققت إنجازات بارزة حظيت باحترام وتقدير على كافة الأصعدة الدولية والمحلية.

ولكن هذا ليس كل شيء عن رؤية المملكة 2030م وليس كل شيء عن الرؤية البعيدة لسمو سيّدي ولي العهد والعمق الاستراتيجي الأخاذ لها، فمع الإعلانات المتوالية لمشاريع وبرامج رؤية المملكة 2030م، والحديث عما بعدها من رؤية المملكة 2040م والالتزام العالمي للمملكة في مجال الوصول إلى الكربون الصفري في 2060م بدأت ثلاثية “الإنسان، والمكان، والزمان” تبدأ للظهور للعلن بشكل تدريجي معلنة عن رؤية حضارية جديدة للإنسان والمكان والازدهار الاقتصادي المستدام.

وبدأ واضحًا وجليًا أن رؤية المملكة 2030م إنما تشكل حجر الزاوية لبناء الحضارة الإنسانية السعودية الجديدة المتناغمة مع البيئة، ومع تمكين الإنسان، ومع الاستدامة الاقتصادية. هذه الحضارة الجديدة ولأول مرة في تاريخ البشرية تسعى لتعالج كل أخطاء البشر في معادلات التعامل بين البيئة والإنسان والاقتصاد، فلا إنسان ولا اقتصاد يضر البيئة، ولا بيئة تضر الإنسان، بل تناغم فريد يدفع الإنسان لأقصى حدود الابتكار والإبداع.

المساهمة في بناء هذه الحضارة يحتاج منا جميعًا إلى التفاؤل الإيجابي بالمستقبل، والعمل بجد واجتهاد وعبر الأجيال لتقديم هذا النموذج الحضاري الإنساني المبني على قيمنا وأصالتنا، من المملكة العربية السعودية إلى العالم أجمع، وإلى الاجيال القادمة من أبنائنا وبناتنا، فكما عمل الأجداد والآباء بكل جد واجتهاد لننعم بما نحن فيه اليوم من نعم لا تحصى، فإن واجبنا مواصلة المسير والبناء بكل شجاعة، وإقدام، ودون تأخر، وتردّد.

نحن حضارة ضاربة في أعماق التاريخ، حضارة أضاءت للعالم مشاعل النور والإيمان وقدّمت نموذج الإنسان المتكامل، نعم تراجعنا مع بدء الثورة الصناعية، ولكن ها هي المملكة العربية السعودية تعود بخطة أخاذة وبقيادة جريئة وبروح شابة لا لتطور وطنها فحسب، ولا محيطها الإقليمي فحسب، بل العالم أجمع، نعرف أن طريقنا لن يكون مفروشًا بالورد ولن يمر بدون تحديات، أو مشككين، أو حاقدين، أو حاسدين، ولكنّها المملكة العربية السعودية كل ما تحتاجه سواعد أبنائها وهمهم وانطلاقتهم للمستقبل.

قدر المملكة العربية السعودية أن تكون بلدًا عظيما والسعي والمساهمة في ذلك من مختلف المواطنين والمقيمين والمحبين في كل مكان وقطاعات الأعمال والجهات الحكومية شرف لا يضاهيه شرف، بالعمل والجهد والكلمة الجميلة والمساهمة في خلق بيئة إيجابية عن هذا التحوّل الاستراتيجي القادم للعالم ولا عزاء للحاقدين وأهلاً وسهلاً بالأصدقاء والحلفاء والمحبين من كل مكان في العالم.