مشاريع

“داون تاون”… ليست مجرد شركة

12 إشعاعًا حضاريًا على أرض المملكة

تزهو المدن بإعادة استكشافها وتقديم صياغات عصرية جديدة تتناسب مع خصوصيتها ومميزاتها الحضارية، فلا توجد مدينة حول العالم تحوّلت إلى مركز إشعاع حضاري وعمراني تنهل منه الإنسانية بأكملها، إلا وكان وراءها إرادة سياسية تعي جيدًا مكونات الأرض وقيمتها الحضارية النوعية. فالقيروان والإسكندرية ودمشق والكوفة والفسطاط وقرطاج وغيرها، وحتى المدن التي كانت قائمة قبل الميلاد، وفي أوروبا والأمريكيتين اليوم، باتت مراكز حضارية يقصدها البشر من مختلف بقاع الأرض، دعمت نهضتها وانطلاقتها العمرانية والحضارية، قيادة امتلكت الإرادة والرؤية للانتقال بمدن بلادها إلى مفهوم المدن الحضارية العالمية.

10 ملايين متر مربع

بالأمس القريب، كان قد أعلن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، إطلاق شركة “داون تاون السعودية”، التي تتلخص مهمتها في إنشاء وتطوير مراكز حضرية بـ 12 مدينة من مدن المملكة وهي: (تبوك، دومة الجندل، المدينة المنورة، الخُبر، الأحساء، بريدة، نجران، جيزان، حائل، الباحة، الطائف)، والتي تعادل مساحتها مجتمعة نحو 10 ملايين متر مربع، وذلك بالعمل على إعادة تصميم مراكزها الحضارية وفقًا للطابع الحديث النابع عن روح وثقافة كل مدينة على حدة، والمعبَّر في الوقت نفسه عن نسيجها المحلي الخاص بها.

خط “التابلاين”

ويلحظ اختيار هذه المدن الـ 12 لما لها من أهمية تاريخية وتراثية ضاربة في عمق التاريخ، ومميزات جغرافية واستراتيجية يصعب حصرها، يؤكد تلك النظرة بعيدة المدى لمردودات الاستغلال الأمثل لمميزات المناطق الطر فية، ويؤكد أيضًا تلك الأبعاد الحضارية والعمرانية للمشروعات الاقتصادية، فكما مثَّل قديمًا خط “التابلاين” من الخليج العربي حتى البحر المتوسط، الذي أمر بإنشائه المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) عصرًا جديدًا ونقلة حضارية للمناطق الشرقية والشمالية، تُمثل اليوم انطلاق شركة “داون تاون السعودية” نقلة حضارية جديدة يُعاد بأعمالها المخططة، استكشاف الميزات التنافسية لـ 12 مدينة سعودية تدعم تحويلها إلى مراكز إشعاع حضاري، فهي لست مجرد شركة ذات أهداف اقتصادية فحسب وإنما منظومة متكاملة تستهدف الحضارة والعمران بمفهومهما الشامل.

عوامل الوطنية الفعالة

إذ تهدف “داون تاون السعودية”، إلى تطوير المجتمعات وإعادة هيكلتها، بزيادة المستوى المهني وذلك لجميع العاملين التابعين لها، وجعل مجموعة متنوعة من الأنشطة متكاملة من خلال اتباع طريقة علمية ومنهجية، فضلاً عن تطوير العلاقات بين بعض الجهات داخل وخارج البلاد، وتعزيز الصورة الذهنية لدى المواطنين تجاهها باعتبارها من عوامل الوطنية الفعالة، وكذلك ترسخ لعمليات تبادل الخبرات في جميع المجالات، وتوفير بيئة عمل ملائمة ومتميزة تلبي احتياجات رواد الأعمال وكذلك الشركات، وتحسين حركة التجارة والاستثمار في شتى المدن السعودية، وتنمية التأثيرات الإيجابية وانعكاسها على اقتصاد المملكة، والتقديم لشركات القطاع الخاص الفرص الجديدة، وهو ما سيؤدي إلى استحداث المزيد من فرص العمل للمواطنين.

برنامج جودة الحياة

ويتبين من هذه المستهدفات مدى انسجامها مع برنامج تحسين جودة الحياة الذي انطلق في عام 2018م، لتحسين جودة حياة سكان وزوّار المملكة، وذلك عبر بناء وتطوير البيئة اللازمة لاستحداث خيارات أكثر حيوية تعزّز من أنماط الحياة الإيجابية، وتزيد تفاعل المواطنين والمقيمين مع المجتمع، وقد تمكن البرنامج من فتح آفاق جديدة سواء لقطاعات جودة الحياة، والتي تمس المواطنين بشكل مباشر، مثل الرياضة والثقافة والتراث والفنون والترفيه والترويح ونحوها، أو للمناطق نفسها التي شملها البرنامج من رفع مستويات جاذبيتها وتحسين مستويات جودة الحياة فيها.

نقل الخبرات والمعرفة

ووفقًا لصندوق الاستثمارات العامة، ستسهم شركة “داون تاون” في تطوير البنية التحتية للمدن، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص والمستثمرين، وذلك عبر تقديم العديد من الفرص الاستثمارية الجديدة في قطاعات الأعمال والتسوق والسياحة والترفيه والإسكان، وهو ما يُسهم  في تعزيز الحركة التجارية والاستثمارية في المدن المختلفة حول المملكة، مما يزيد من جاذبيتها، ويعزز الأثر الإيجابي على الاقتصاد المحلي لها، وكذلك توفير فرص جديدة لشركات القطاع الخاص، واستحداث فرص العمل لأبناء المناطق، إلى جانب إتاحة الاستفادة من نقل الخبرات والمعرفة في عدة مجالات، حيث ستوفر المشاريع بيئة عمل متميزة تتناسب مع متطلبات الشركات ورواد الأعمال لتسهم في توسعة نطاق أعمالهم إلى مدن ومناطق أخرى في المملكة.

الاقتصاد الحضري

وهو ما أكده رئيس غرفة الشرقية، بدر بن سليمان الرزيزاء، بأن شركة “داون تاون السعودية”، تُجسد البُعد الحضاري في الاقتصاد الوطني، وتأتي امتدادًا لجهود تطوير المناطق بما ينسجم مع ما تتمتع به كل منطقة من ميز نسبية وتنافسية، وذلك إيمانًا منه بالدور الفعال الذي تقوم به اقتصاديات المُدن في دعم وتعزيز الاقتصاد الوطني، وإنها بمثابة قيمة مُضافة للاقتصاد الحضري، وهو قطاع واعد في المملكة أخذ يلعب دورًا موسعًا في دعم مستهدفات الرؤية ومنطلقاتها بالاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وصولاً إلى تنويع مُدخلات الاقتصاد الوطني وزيادة نمو الناتج المحلي غير النفطي.

وأشار  إلى أن ما تحقق خلال الفترة الماضية على صعيد إطلاق المشروعات على أنواعها، كان له أكبر الأثر في حدوث تغيرات جوهرية انعكست بالإيجاب ليس فقط على مؤسسات القطاع الخاص ومكتسباته، بل وعلى الاقتصاد الوطني ككل، مبدئًا تفاؤله بأن تُحقق الشركة الجديدة أهدافها بإيجاد مدن ذات وجهات حضارية في المملكة تُعزّز من حركتها الاستثمارية وتدعم تحسين جودة الحياه فيها، لافتًا إلى أن المملكة تمضي بخطوات جادة ضمن المسارات التي رسمتها رؤية 2030م؛ والهادفة إلى إعادة صياغة الاقتصاد الوطني وفقًا لخيارات التنويع والاستدامة والاستغلال الأمثل للموارد التي تمتلكها المملكة.

التمكين للقطاع الخاص

وأكد الرزيزاء، بأن الشركة تعني المزيد من الفرص والتمكين للقطاع الخاص، الذي يزداد يومًا بعد الآخر دوره المؤثر والشريك في كافة محاور العملية التنموية والنهضوية الحاصلة في البلاد)، وأشار إلى أن انطلاق أعمال هذه الشركة والبدء في تنفيذ مشروعاتها يأتي في الوقت الذي تشهد فيه المملكة حراكًا اقتصاديًا موسعًا سواء من خلال تنفيذ العديد من المشروعات الاقتصادية الكبرى في مختلف المناطق أو تأسيس الهيئات التطويرية في مدن المملكة.

وعدَّ الرزيزاء، انطلاقة الشركة بالفرصة المواتية أمام قطاع الأعمال، كونها تشتمل على العديد من المشروعات، مؤكدًا بأن الخطة التطورية المُعلنة التي تنتويها بتعزيز جاذبية وتنافسية هذه المدن، إنما تُسرع من تحقيق المستهدفات السياحية والترفيهية والتسويقية فيها، وتدفع بمزيد من المراكز الحضارية والوجهات المتنوعة بداخلها، وتدعم عملية نقل الخبرات والمعرفة، فضلاً عن تطوير بنيتها التحتية وتوفير العديد من فرص العمل أمام أبناءها.

مشروعات عمرانية عدة

وجدير بالذكر أن المملكة منذ إعلان رؤية 2030م في أبريل 2016م قطعت شوطًا كبيرًا ليس فقط في مسألة التحول نحو اقتصاد لا يعتمد على النفط، وإنما تمضي نحو بناء مدن حضارية متكاملة تحظى بالعديد من مراكز الإبداع والتقدم، وأبرزها مدينة “ذا لاين” أول مدينة ذكية في العالم تخلو من الانبعاثات الكربونية، ومن المخطط بناؤها ضمن مشاريع مدينة “نيوم” العالمية، ومدن ذكية أخرى مثل: أكساجون والقدية وآمالا، إضافة إلى مشاريع ثقافية وترفيهية أُخرى.

وفي إطار تطوير المدن، أعلنت المملكة في سبتمبر 2021م استراتيجية لتطوير منطقة عسير أقصى جنوب البلاد، إذ تعد وجهة سياحية مفضلة، وجاء ذلك تحت شعار “قمم وشيم” معلنةً ضخ ما يفوق الـ 50 مليار ريال عبر استثمارات متنوعة لتطويرها وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية، إذ من المتوقع أن تستقطب نحو 10 ملايين زائر بعد نحو ثماني سنوات.

وفي مايو العام الجاري أعلنت إنشاء هيئتين لتطوير الطائف والأحساء، وتعد الأولى البوابة الغربية لمكة المكرمة، وهي مدينة سياحية، بينما تقع الأخيرة في المنطقة الشرقية، وهي ضمن المدن المدرجة على قوائم اليونيسكو.

هذا النهج من العمل العمراني الشامل، الذي ينعكس على مختلف القطاعات الاقتصادية بالإيجاب، يهدف إلى أن يؤسس لمدن حضارية حديثة تقوم على مرتكزات موحدة في كل مدينة كُبرى، بالإضافة إلى النمط السائد في مقار عواصم المناطق، ليكون منسجمًا مع ما تتمتع به كل منطقة من ميزة نسبية وتنافسية، ليتوافق مع توجهات سمو ولي العهد في تحويل العواصم والمدن الكبرى إلى اقتصاديات المدن الموحدة في معطياتها في دعم وتعزيز الاقتصاد الوطني.