زراعة

آفاق استثمارية جديدة للمنتجات العضوية

معدل نموها السنوي يصل إلى %16 بحلول 2026م

سوق المنتجات العضوية توسّع عالميًا ليبلغ 221.3 مليار دولار العام الماضي 2021م

توقعات بأن ينتعش سوق المنتجات العضوية العام الجاري بنسبة %14

زيادة إجمالي مساحة الزراعة العضوية في المملكة حتى نهاية عام2021م نحو 27,109 هكتارات

 

هل هذا الطعام «عضويٌ»؟

سؤال يتردّد كثيرًا على ألسنة المستهلكين الباحثين عن طعام صحي بلا بواقي لأسمدة صناعية أو مبيدات كيماوية، فمع بدايات الألفية تغيرت أنماط الاستهلاك وأصبحت شريحة كبيرة من المستهلكين يركزون بشكل كبير على نظامهم الغذائي، وازدادت توجهاتهم في الأسواق ناحية أرفف الأطعمة العضوية «الأورجانيك» بشقيها النباتي والحيواني، وباتت المسافات التي تقطعها هذه المنتجات العضوية على عربات نقل الأغذية تتسارع لتجوب مختلف بلدان العالم تلبيةً للطب المتزايد.

ووفقًا لتقرير السوق العالمي للأغذية عام2021م، أظهر بأن سوق المنتجات العضوية توسّع عالميًا في العام الماضي 2021م ليبلغ 221.3 مليار دولار، ومن المتوقع أن ينتعش بنسبة %14 هذا العام 2022م ليبلغ 259.06 مليار دولار، وأن تسجل المنتجات العضوية معدل نمو سنوي مركب قدره %16.44 حتى عام 2026م.

توقعات بالانتعاش

يرتبط النمو بزيادة الوعي بين المستهلكين حول صحة وفوائد المنتجات الغذائية العضوية، وما أخذت تحظى به الزراعات العضوية من قبول متزايد في غالبية دول العالم نظرًا لعلاقتها المباشرة بالتنمية المستدامة؛ إذ تنتشر اليوم الزراعة العضوية في نحو 181 دولة حول العالم وبلغت مساحة الزراعة العضوية حتى عام 2017م 69.8 مليون هكتار عالميًا وتحتل أستراليا الصدارة تليها أوروبا وأمريكا اللاتينية ثم آسيا وأمريكا الشمالية وأفريقيا.

 

غذاء مستدام

ويمكن تعريف المنتجات العضوية (غذاء مستدام)، بحسب الاتحاد الدولي للزراعة العضوية، على أنها منتجات ذات نظم زراعية حيوية بيئية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية، تنتج وفقًا لطرق آمنة تراعي التوازن الطبيعي ولا تخل بالنظام البيئي، فهي منتجات تكون بصورتها الأولية البدائية التي عرفها الإنسان، وذلك قبل هجوم الأسمدة الصناعية والمبيدات والهرمونات والهندسة الوراثية مع إضافة السماد العضوي؛ حيث يعتمد نظام الزراعة العضوية بشكل أساسي على بقايا المحاصيل والأسمدة الطبيعية الخضراء، مما يُسهم في حماية البيئة من الملوثات وتأمين جو صحي نظيف لكل من الإنسان والنبات والحيوان.

خيار واعد

وقد بدأت فكرة الزراعة العضوية في وسط أوروبا والهند مع بداية القرن العشرين، ثم انتشرت عالميًّا في مختلف قارات العالم، علمًا بأن الاهتمام بالزراعة العضوية بدأ منذ زمن بعيد إلا أنها شهدت في الآونة الأخيرة فقط اهتمامًا بشكل ملحوظ نظرًا لما تعاني منه الزراعة المتبعة حاليًا من مشاكل على البيئة بصفة عامة والإنسان والحيوان بصفة خاصة، فازداد طلب المستهلك للحصول على أغذية صحية ذات جودة عالية، ونمت في المقابل الأسواق المحلية للمنتجات العضوية في مختلف البلدان، وثمة اهتمام متنام ومستمر فيما يخص صحة الإنسان والبيئة، وانعكست التوعية المتزايدة في ارتفاع المعدل السنوي للإنتاج الزراعي العضوي في أنحاء العالم، وتعتبر الكثير من الدول الآن أن الزراعة العضوية يمكن أن تكون خيارًا واعدًا في مجال الزراعة.

 

الربح والخسارة

ولكن لماذا الزراعة العضوية ولماذا الاستثمار فيها؟، فبمنطق الربح والخسارة، فإن نتائج العديد من الدراسات العلمية تُشير إلى أنه بجانب ما تُقدمه للإنسان وصحته، فإن إنتاجية وحدة المساحات المزروعة وفقًا للأنظمة العضوية تفوق إنتاجية الوحدات الزراعية نفسها في حال زراعتها باستخدام الطريقة التقليدية المتبعة بنسبة %33، فضلاً عن أنها تُحقق الوصول إلى نظام سلسلة متكاملة بداية من الإنتاج مرورًا بالتصنيع ومن ثم التسويق بما يدعم العدالة البيئية.

مثلث المنفعة الثلاثي

وتفيد القراءة الشاملة لخريطة الأغذية العالمية، أن المنتجات العضوية هي منتجات المستقبل للمستثمرين والمستهلكين، كونها تحقق (مثلث المنفعة الثلاثي)؛ إذ تعود على المستثمرين في القطاعات الزراعية بزيادة المحاصيل نتيجة لزيادة خصوبة التربة على المدى الطويل والتوفير في التكلفة نظرًا لتقليل الاستخدام من العناصر الكيميائية، فضلاً عن دورها في زيادة احتفاظ التربة بمياه الري، وبالتالي ترشيد استهلاكها وتكلفتها، وتعود من ناحية أُخرى على المستهلكين بالإيجاب كونها تضمن حصولهم على غذاء صحي خال من بواقي الأسمدة والمبيدات، ومن ناحية أُخرى تدعم مستهدفات الحكومات العالمية تجاه البيئة والمناخ كونها تُقلّل من تلوث التربة والمياه وتحد من استخدامات الطاقة غير المتجددة والمواد المُصنّعة مما يُقلل من الاحتباس الحراري، وأيضًا تعزّز من مفاهيم التنوع الإحيائي، إذ تصبح تربة الزراعات العضوية صالحة للكائنات والحشرات المفيدة.

السياحة والزراعة العضوية

ولا يقتصر الأمر عند حدود المنفعة الثلاثية المباشرة للزراعة العضوية، وإنّما قد يتخطى إلى أبعد من ذلك بدمج الزراعة العضوية في الأنشطة السياحية وهناك العديد من التجارب الناجحة التي عبرت عن ذلك الدمج كتجربة قرية (شيرالي) التركية التي تحوّلت في الثمانينيات إلى السياحة التقليدية، فأثرت المرافق السياحية تأثيرًا خطيرًا على البيئة فيها، وارتفعت معدلات التلوث وشكلت تهديدًا كبيرًا للبيئة البحرية، مما دفع الصندوق العالمي لحماية الطبيعة، بالتعاون مع سكان القرية في تقديم نموذج فريد يجمع بين السياحة البيئية والأنشطة الزراعية العضوية المستدامة، وقد نالت القرية شهرة كبيرة في السياحة البيئية، كما صارت منتجاتها العضوية تباع في عدد كبير من الأسواق العضوية المهمة بأوروبا.

 

دول الخليج والطلب المطرد

وبالعودة إلى تزايد الطلب على المنتجات العضوية، يلاحظ ثمة توسع كبير  في سوق المنتجات العضوية بدول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما تُشير إليه معدلات الإقبال على هذه المنتجات التي تنمو نموًا متصاعدًا أمام زيادة الوعي الصحي بأهميتها؛ ففي المملكة تشهد المنتجات العضوية طلبًا مطردًا، يتضح ذلك من خلال النظر إلى حجم الإنتاج الزراعي العضوي  المحلي خلال عام2021م الذي بلغ نحو 98 مليون كيلوغرام، والسوق الإماراتي الذي يشهد طلبًا كبيرًا على كافة أنواع المنتجات العضوية، وثمة توقعات لدليل التجارة العضوية العالمية، بأن يصل حجم استهلاك الأغذية والمشروبات العضوية المعبأة في الإمارات إلى 191 مليون درهم بحلول عام 2024م، وكذلك كل من سلطنة عمان وقطر والكويت، ثمة إقبال متصاعد على المنتجات العضوية، والبحرين التي ارتفعت فيها  نسبة الإقبال على الأطعمة العضوية إلى قرابة الـ%60.

الفرصة مواتية

وأمام سمات التوسع الواضحة فإن الفرصة مواتية أمام المملكة لتدخل مجال المنافسة الإقليمية، بل والعالمية في الزراعة العضوية؛ فتعتبر المملكة ثاني دولة عربية  ـ بعد تونس ـ  تضع أنظمة ولوائح لتنظيم الزراعة العضوية بما يتوافق مع الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية (إصدار اللائحة التنفيذية لنظام الزراعة العضوية في أواخر عام 2014م)، وكذلك ما توليه الدولة من اهتمام كبير  بقطاع الصحة والغذاء والبيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية، كونها تصب بشكل غير مباشر في تحقيق مستهدفات الرؤية سواء من ناحية التنويع الاقتصادي أو من ناحية تحقيق الاستدامة.

 

الزراعة العضوية في المملكة

ومع زيادة الوعي لدى شريحة كبيرة من المجتمع السعودي وزيادة الاهتمام بمكوّنات الغذاء ومصادره وطريقة إنتاجه، والإقبال على شراء المنتجات الغذائية العضوية المستوردة، حققت المملكة زيادة في إجمالي مساحة الزراعة العضوية، إذ بلغت نحو 27,109 هكتار ات نهاية عام2021م  وبمعدل نمو بلغ %1.8 مقارنة بعام 2020م ، وبحسب نشرة الإحصاءات الزراعية في تقريرها للعام الماضي (2021م) فإن مساحة الزراعة العضوية لمحاصيل الفاكهة (عدا التمور) قد بلغت 13,243 هكتارًا أي ما نسبته %48.9 من مساحة الزراعة العضوية بالمملكة في العام الماضي،  في حين شكلت مساحة الزراعة العضوية لنخيل التمر  نسبة %23.8.

كما بلغ إجمالي إنتاج الزراعة العضوية للمحاصيل 98.774 طن في عام 2021م في المملكة، وقد استحوذت الفاكهة (عدا التمور) على %63.3 من إجمالي إنتاج الزراعة العضوية، هذا وبلغت أعداد الأبقار في الزراعة العضوية 600 رأس لعام 2021م، وبلغ عدد خلايا النحل العضوية (أو تحت التحوّل) 6.500 خلية للعام نفسه.