نافذة

أزمة الطاقة ووسائل أسواق المال

لا صوت يعلو فوق صوت أزمة الطاقة العالمية الكبرى الحالية بشتى وجوهها المتعددة، بدأ بأزمة روسيا وأوكرانيا ثم إلى أزمة الإمدادات العالمية والأسواق المصاحبة للتخوف الاقتصادي من التضخم وأزمة السياسات العالمية تجاه موارد الطاقة الأحفورية وعدم جاهزية البديل وانتهاءً بأزمة نقص الاستثمارات في الصناعة النفطية.
المشهد الحالي للاقتصاد العالمي الممتلئ بالضبابية وعدم اليقين يصنع قناعات جديدة تجاه الحلول الأنسب لهذه الأزمات الصعبة إلا أن الكلمة العليا تظل كلمة الأسواق واتجاهات الأسعار.
مع حالة الخلل الواضح في الدبلوماسية الغربية تجاه أزمة روسيا وأوكرانيا والتوترات الجيوسياسية في الغرب إجمالاً تجاه الأسواق الناشئة والواقع التطبيقي لمحدودية إحلال الطاقة البديلة لحل أزمة الطاقة والقيود التمويلية لمشاريع النفط والغاز فإن الحلول الحالية أخذت منحى مختلف تمامًا عن واقع الأزمة فنرى اندفاعًا نحو وسائل التحكم بالأسعار بدلاً من حلحلة الأزمة على أرض الواقع.
الأهداف السياسية والانتخابية أصبحت المؤثر الأهم على الساحة العالمية في ظل ارتفاع مستمر لنسب التضخم والسخط الشعبي الذي يجتاح العواصم العالمية نظير ارتفاع تكاليف المعيشة.
أصبحت الاهتمامات السياسية تنحصر في كبح ارتفاع الأسعار بشتى الوسائل مع تقوقع الأسواق في حالة من الانتهازية الشرسة لأي فرصة تضمن أفضلية مالية لكل سوق.
حاليًا اتخذت الحلول وسائل متعددة خارج منظومة العرض والطلب مثل التحكم بأسعار العملات في الأسواق الإقليمية واستخدام أسواق المشتقات المالية وتحجيم سلاسل الإمدادات العالمية والتأثير على التجارة العالمية لتقويض التدفقات المالية.
هذه الحلول قد تنجح في صنع مؤثرات سعرية مؤقتًا إلا أنها تنهك آلية السوق وتغفل أساس الخلل في منظومة الطاقة العالمية والسياسات التي اثبتت عدم جدواها، ناهيك أنها توسع الفجوة بين الاقتصادات الناشئة والنامية، بل وتصنع ضغطًا هائلاً على معظم الدول ذات المداخيل المالية المحدودة.
هذه الحلول تقوم فعليًا بتصدير الأزمة من الأسواق الكبرى إلى الدول ذات الاقتصاد المحدود بفعل الضغط الكبير على الخزينة واضطرار الدول ذات الاقتصاد المحدود إلى استنزاف مخزوناتها من العملات الصعبة.
التأثير من خلال المشتقات المالية على آلية التسعير خصوصًا في أسواق النفط الآجلة قد يصنع صورة لأسعار تتحرك في نطاق محدود، ولكن التذبذبات السعرية تصبح غير مجدية للمتحوطين ويتسبب ذلك في خروج عدد كبير من المتحوطين وبذلك تصبح أسواق الآجل لا تخدم ما تم تأسيسها لفعله.
الحلول الوقتية حتى وأن بدت مجدية للأطراف المتحكمة بأسواق العملات أو أسواق الآجل فإنها تصطدم بواقع أساسيات العرض والطلب خصوصًا وأن محركات الاقتصاد الكلي العالمي أعطت إشارات واضحة على التباطؤ القادم في نسب النمو الاقتصادي وخروج كمية كبيرة من السيولة إلى خارج الأسواق.