الميزانية

دراسة تحليلية.. ثلاثة سيناريوهات لإيرادات المملكة للعام 2023م

الأداء الاقتصادي الإيجابي والإصلاحات المالية التي تمت في المملكة منذ بدء تطبيق الرؤية انعكس على المؤشرات المالية

حزمة البرامج والمبادرات التي انطلقت تدعم تعزيز أداء القطاع الخاص إضافة إلى تحفيز النمو الاقتصادي مما ينعكس إيجابًا على أداء المالية العامة

 

أوضحت دراسة أصدرتها غرفة الشرقية، رصدت من خلالها الأداء الكلي لمؤشرات ميزانية المملكة للعام المالي 2023م، التي أصدرتها وزارة المالية شهر ديسمبر الماضي، أن الميزانية حملت في طياتها إشارات عديدة عن مدى اهتمام وحرص القيادة الرشيدة بتحقيق أهداف وطموحات رؤية المملكة 2030م، وأن التخطيط المالي للميزانية قادر على التعامل مع كافة السيناريوهات لوجود مرونة في النفقات العامة.

وأشارت القراءة إلى ثلاثة سيناريوهات للإيرادات عام 2023م، أولًا: السيناريو الأساسي، وهو المستخدم في تقديرات الإيرادات في الميـزانية، والتي تبلغ حوالي 1,130 مليار ريال أخذًا بعين الاعتبار التطورات المحلية والعالمية، السيناريو الثاني: يأخذ بعين الاعتبار تحقيق إيرادات بمستويات أقل من السيناريو الأساسي تقدر بحوالي 1,029 مليار ريال، أما السيناريو الثالث: فيأخذ بالاعتبار تحقيق إيرادات بمستويات أعلى من السيناريو الأساسي تصل حوالي 1,292 مليار ريال.

ولفتت الدراسة إلى ثمة تطورات إيجابية على الصعيدين الاقتصادي والمالي، فمن ناحية حقق الاقتصاد الوطني تطورات إيجابية ملموسة خلال العام 2022م متجاوزًا التوقعات السابقة المحلية والدولية لأداء اقتصاد المملكة، وذلك على الرغم مما يشهده  الاقتصاد العالمي من تباطؤ في معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم، وحالة عدم اليقين الناتجة عن التوترات الجيوسياسية، وكذلك استمرار تحديات سلاسل الإمداد، وتشدّد البنوك المركزية في تطبيق  السياسة النقدية، مؤكدةً أن السياسات التي نفذتها الحكومة بشكل استباقي  ساهمت في الحد من تأثير هذه التحديات على اقتصاد المملكة.

المؤشرات المالية

ومن ناحية أُخرى، رأت أن الأداء الاقتصادي الإيجابي والإصلاحات المالية التي تمت في المملكة منذ بدء تطبيق الرؤية 2030م، انعكس على المؤشرات المالية، بإتاحة مساحة مالية إضافية مكنّت الحكومة من الإنفاق على البرامج والمشاريع والاستراتيجيات المرتبطة بالرؤية، والتي بدورها زادت من سرعة تحقيق عوائد اقتصادية ومكاسب اجتماعية عادت بالنفع على الاقتصاد الوطني.

 

وأكدت الدراسة على أن الميزانية جاءت داعمة لاستمرار الاستدامة المالية واستكمال مسيـرة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الهادفة، التي انتهجتها الحكومة والتي تهدف إلى تقوية الموقف المالي للمملكة وتعزيز مرونة الاقتصاد ومواكبته للمتغيرات العالمية، إذ أنها حملت دلالات سعي الحكومة إلى مواصلة تنفيذ البـرامج والمشاريع والاستراتيجيات الداعمة للنمو وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتحقيق التنمية الشاملة.

 

وأشارت إلى ما أظهرته البيانات الإحصائية من أن اقتصاد المملكة يشهد تناميًا في دور الممكنّات الاقتصادية الداعمة لنمو القطاع الخاص على المديين المتوسط والبعيد، ومن هذه الممكنات المساهمة الفعالة التـي يقوم بها كل من صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني.

تطوير البيئة الاستثمارية

وتوقعت الدراسة بأن يُسهم برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) والاستـراتيجية الوطنية للصناعة في تحقيق قيمة مضافة أعلى في الاقتصاد الوطني، و أن يكون للاستـراتيجية الوطنية للاستثمار دور فاعل في تحسين وتطوير البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات للمملكة، فضلاً عن أن مواصلة الحكومة جهودها في تنفيذ المشاريع الكبـرى والمبادرات المعلنة سابقًا مثل برامج: “التحوّل الوطني، وتطوير الصناعة الوطنية، والخدمات اللوجستية، وجودة الحياة، خدمة ضيوف الرحمن”، ومبادرة السعودية الخضراء، وغيرها من البرامج  والمبادرات، تدعم جميعها تعزيز أداء القطاع الخاص إضافة إلى تحفيز النمو الاقتصادي مما ينعكس إيجابيًا على أداء المالية العامة.

 

وفيما يتعلق بنمو الناتج المحلي الحقيقي، أكدت الدراسة أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ بداية العام 2022م حتى نهاية الربع الثالث أظهرت نموًا بنسبة %10.2، حيث أن الأنشطة النفطية قد شهدت نموًا بمعدل %19.0 نتيجة لارتفاع إنتاج النفط حتى الربع الثالث من العام الحالي التزامًا باتفاقية (أوبك بلس)، كما شهدت الأنشطة غير النفطية نموًا بمعدل %5.8 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مرجعةً ذلك إلى استمرار الجهود الحكومية الهادفة إلى رفع كفاءة الاقتصاد المحلي وتنويع القاعدة الإنتاجية في المملكة عن طريق تفعيل دور القطاع الخاص وتمكينه لزيادة مساهمته في التنمية الاقتصادية في المملكة.

التقديرات الأولية لعام 2022م

وأوضحت أن التقديرات الأولية لعام 2022م تُشير إلى تحسن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقارنة بالتقديرات السابقة، حيث توقعت هذه التقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تصل إلى %8.5 مدفوعًا بالنمو في الناتج المحلي للأنشطة النفطية، والنمو في الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، والذي من المتوقع أن يُسجل ما نسبته %5.9 في ظل الأداء الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية خلال العام الجاري، الذي يقود إلى أن يصل متوسط معدل التضخم إلى %2.6 بنهاية عام 2022م.

 

فيما تشير التقديرات الأولية لعام 2023م إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل %3.1 مدعومًا بالنمو في الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة غيـر النفطية، مؤكدةً بأن ذلك التطور يعد انعكاسًا للجهود والمبادرات الحكومية الممكّنة للقطاع الخاص ليكون هو المحرّك الرئيسي في النمو الاقتصادي في المملكة.

وبيّنت أن التوقعات بوصول إجمالي الإيرادات في عام 2023م لحوالي 1,130 مليار ريال و1,205 مليارات ريال في عام2025م، تتسم بالتحفظ بما يتماشى مع التوجه الذي تتبناه الحكومة في بناء تقديرات الإيرادات النفطية وغيـر النفطية في الميـزانية، وذلك تحسبًا لأي تطورات قد تطرأ على الاقتصاد المحلي والعالمي.

الاستمرار في سياسات الإنفاق

وفيما يتعلق بالاستمرار في الإنفاق على المشروعات الاستراتيجية والسيطرة على التضخم، والتقديرات بأن يبلغ إجمالي النفقات لعام 2022م نحو 1,132 مليار ريال مرتفعًا بنسبة %9.0 عن المنصرف الفعلي لعام 2021م وبنحو %18.5 عن الميـزانية المعتمدة؛ أعادت الدراسة هذا الارتفاع إلى احتواء المملكة للتحديات الاقتصادية التي شهدها العالم بالسيطرة على مستويات التضخم، وتعويض التأخر في تنفيذ بعض المشاريع الاستراتيجية والرأسمالية التي تأثرت بجائحة كوفيد ـ  19، هذا بالإضافة إلى تنفيذ برامج رؤية المملكة 2030م والمشاريع الكبـرى ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي المرتفع.

 

وأشارت إلى ما تنويه الحكومة خلال العام القادم والمدى المتوسط بمواصلة جهودها في رفع كفاءة الإنفاق والضبط المالي واستكمال تنفيذ الاستراتيجيات الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام، بهدف تحقيق التنمية الشاملة على المستويين المناطقي والقطاعي في المملكة، والعمل على تطوير القطاعات الواعدة التي تساهم في تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية على المديين المتوسط والطويل، كما ترى الحكومة أهمية توطين الصناعات العسكرية، مع استمرار المملكة في تنفيذ برامج ومبادرات منظومة الدعم والحماية الاجتماعية، وبذلك يقدر أن يبلغ إجمالي النفقات نحو 1,114 مليار ريال لعام 2023م وصولًا لحوالي  1,134 مليار ريال في عام 2025م.

 

نجحت في استكمال المسيـرة

وأكدت الدراسة على النجاح في استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية، مشيرةً إلى أنه وعلى الرغم من تطورات الأحداث الاقتصادية العالمية وما تواجهه مختلف دول العالم  من ضغوط تضخمية واضطرابات جيوسياسية، إلا أن الحكومة نجحت في استكمال مسيـرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية في المملكة، فمن المقدر أن تحقق الميـزانية فائضًا بنحو %0.4 من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023م، مع توقع استمرار تحقيق فوائض في الميـزانية على المدى المتوسط، مما ينسجم مع مستهدفات التخطيط المالي ومؤشرات الاستدامة المالية التي تسعى إليها الحكومة، موضحةً أن مبالغ الفوائض المتحققة في الميـزانية ستوجه لتعزيز الاحتياطيات الحكومية ودعم الصناديق الوطنية والإسراع  في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، وسداد جزء من الدين العام حسب ظروف السوق.

 

وأشارت إلى أن من مستهدفات ميـزانية العام 2023م ـ بشكل واضح ـ هو الحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز قدرة المملكة على التعامل مع الصدمات الخارجية، حيث تهدف السياسة المالية المطبقة في المملكة إلى تعزيز الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي السعودي عن طريق تخصيص جزء من الفوائض المتوقع تحقيقها ليصل بذلك إلى نحو 399 مليار ريال في نهاية العام 2023م.

 

واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن الميزانية العامة للدولة تمثل حجر الزاوية أو المحور الأساسي في نظام المحاسبة الحكومية، فبدون الميزانية العامة يصعب على الجهاز الحكومي القيام بمراجعة وتحقيق أهدافه، فالميزانية بمثابة وثيقة قانونية تقدّر فيها نفقات الدولة وإيراداتها عن سنة مالية مقبلة، وتخوّل بموجبها الوحدات الحكومية بالإنفاق على الأغراض المخططة، وذلك ضمــن إطــــار الخطـــة العــامـــــة للتنمــيـــــة الاقتصادية والاجتماعية، وطبقاً للسياسة العامة للدولة.