تقرير شمول مالي

حساب لكل مواطن

يوجِّه الأنشطة الأكثر إنتاجية ويدفع بدخول منشآت جديدة للأسواق

المملكة عززت الشمول المالي بإطلاقها بوابة التمويل لربط الممولين من القطاع الحكومي والخاص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة

 

تتسارع الدول إلى تعزيز ركائز الشمول المالي في بنيتها الاقتصادية، كونه يحقق الإتاحة الكاملة أمام الجميع للخدمات المالية سواء الأفراد أو والشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وفقًا لجودة مناسبة وأسعار مقبولة لهذه الخدمات.

ويعني الشمول المالي، أن يكون لكل مواطن حساب بنكي، وتقديم خدمات مالية تشمل جميع فئات المجتمع بأسعار مناسبة بالإضافة إلى إتاحتها بجميع المناطق الجغرافية بجودة عالية وضمان حق المستهلك، ويضمن الشمول المالي، الحماية المالية للمستهلك والشركات الصغيرة والمتوسطة؛ كما أنه يشمل التثقيف والتوعية المالية؛ ويتضمن الشمول المالي أيضًا الخدمات المالية الرقمية.

وقد أكدت دراسة حديثة أصدرها مركز الدراسات والاستثمار بغرفة الشرقية، بعنوان (ركائز تعزيز الشمول المالي في المملكة)، أن البرامج التي تستهدف تعزيز الشمول المالي عادة ما تعمل على محورين أساسيين وهما الأفراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وحددت الدراسة حزمة من النتائج الإيجابية للشمول المالي على المستوى الاقتصادي الكلي، كتعزيز النمو والادخار المحلي وزيادة حركة الاستثمار، والنشاط الاقتصادي، وتبادل السلع والخدمات.

وأوصت الدراسة بضرورة تحديد احتياجات التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وما يتضمنه تمويلها من تحديات ومعالجتها، والدفع باتجاه تعزيز وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل المصرفي التقليدي، وأكدت على أهمية تحسين الشفافية في أسواق التمويل وتركيز الأطر التنظيمية على الاستقرار المالي وحماية المستثمرين، وتشجيع المدفوعات الفورية في المعاملات التجارية والمشتريات العامة.

 

التقييم والمتابعة للبرامج العامة

وشددت الدراسة على أهمية التقييم والمتابعة للبرامج العامة التي تستهدف تمويل الصغيرة والمتوسطة أثناء التنفيذ، وتقييم الأثر للبرامج العامة التي تستهدف تعزيز التمويل، وإعداد ونشر تقارير حول تقييم الأثر للبرامج التمويلية بحيث تستعرض النتائج التي الوصول إليها مع تقديم التوصيات لصانع السياسة.

وفيما يتعلق بمقومات نجاح استراتيجيات تعزيز الشمول المالي، حددت الدراسة ثماني مقومات، وهي: إطلاق ورعاية المشروع بواسطة جهة حكومية رفيعة المستوى، التخطيط الجيد للمشروع، تأطير القضية للمجموعات المستبعدة، رسم خرائط أصحاب المصلحة، وجود أطر تنظيمية للحوكمة والتنفيذ، والمشاركة العامة بإشراك أصحاب المصلحة، والمتابعة والتقييم للبرامج، وأخيرًا تطوير وتعديل الاستراتيجية وفقًا لنتائج تقييم البرامج.

آليات لتعزيز الشمول المالي

وقد وضعت الدراسة ثماني آليات مقترحة لتعزيز جهود الشمول المالي:

 

أولاً: العمل على تطوير استراتيجية لتعزيز وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل في تقييم مدى تلبية احتياجات التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال البـرامج المتاحة ومعرفة أوجه القصور أو الفجوات والتحديات التـي تواجهها، وذلك بالتعاون مع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك البنوك المركزية وسلطات الإشراف المالي والمؤسسات المالية والبحثية وممثلو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مشيرةً إلى أن هذا يتطلب التعاون على المستويين الوطني والدولي من خلال توسيع لوحة نتائج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال لزيادة الشفافية فيما يتعلق بالتعاريف وتحسين إمكانية مقارنة البيانات والمؤشرات داخل البلدان والاستفادة من تجارب الدول الأخرى فيما يتعلق بتعزيز جهود الشمول المالي.

ثانيًا: تعزيز وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل المصرفي التقليدي؛ وذلك بمتابعة الجهود المتعلقة بتحسين قدرة البنوك على إقراض المنشآت الصغيرة والمتوسطة كمصدر رئيسي للتمويل الخارجي لها، وقد تشمل الإجراءات توفير ضمانات الائتمان والتوريق والتأمين على الائتمان والمخصصات اللازمة لخسائر القروض.

 

ثالثًا: تمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الوصول إلى أدوات وقنوات التمويل غيـر التقليدية، بتوفير مجموعة واسعة من أدوات التمويل من أجل الحصول على شكل وحجم التمويل الأنسب لاحتياجاتها، مع الاهتمام بتشجيع التمويل من خلال رأس المال الجريء ومنصات التمويل الجماعي.

رابعًا: تحسين الشفافية في أسواق تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال توفير المعلومات عن أسواق التمويل لزيادة شفافية السوق، وتشجيع مشاركة أكبـر للمستثمرين وتقليل تكاليف التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

 

خامسًا: تركيـز الأطر التنظيمية على الاستقرار المالي وحماية المستثمرين، بأن يتأكد واضعو السياسات والسلطات التنظيمية من أن اللوائح التنظيمية قد تم تصميمها وتنفيذها بما يسهل وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى مجموعة واسعة من أدوات التمويل مع الحفاظ على الاستقرار المالي وحماية المستثمرين، ووجود بيئة مستقرة ويمكن للشركات والمستثمرين التنبؤ بها. ويجب أيضًا مراعاة التأثير الكلي للوائح التنظيمية المختلفة، بحيث تكون متناسبة مع مخاطر أدوات التمويل.

 

سادسًا: تشجيع المدفوعات الفورية في المعاملات التجارية والمشتريات العامة، حيث يمكن تشجيع المدفوعات في الوقت المناسب في المعاملات التجارية بين الشركات (B2B) والمعاملات الحكومية إلى الشركات (G2B) لتعزيز التدفق النقدي لموردي الشركات الصغيرة. فعلى واضعي السياسات والمنظمين التأكد من أن الشركات الصغيرة والمتوسطة، المعرّضة بشكل خاص للدفع المتأخر أو عدم السداد، بتقدم شروط دفع واضحة ومناسبة. ويمكن تصميم القواعد وتنفيذها وإنفاذها لضمان عدم وجود مدفوعات متأخرة في المعاملات التجارية، بما في ذلك معاملات التجارة الخارجية.

 

سابعًا: تصميم برامج عامة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة تتسم بالكفاءة والفعالية، وذلك بتصميم البـرامج العامة لتعزيز وصول المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع التركيز على فعالية التكلفة، مع النظر بعناية في المجموعة المستهدفة ومعايير الأهلية وإدارة مخاطر الائتمان وهيكل الرسوم وتحديدها بوضوح عند تصميم البـرامج، والتـي يجب أن تكون سهلة الفهم بالنسبة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. إذ يجب أن يتناسب العبء الإداري وتكاليف الامتثال للسياسات الجديدة والقائمة مع الخدمة المقدمة، والأثر على الشركات المستفيدة والاقتصاد الكلي، فضلاً عن طبيعة وحجم الأعمال المستهدفة.

 

ثامنًا: التقييم لأثر البـرامج العامة التـي تستهدف تعزيز تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إذ يجب تعزيز مراقبة وتقييم أثر السياسات لتسهيل وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل، بحيث يتم إجراء التقييم المسبق واللاحق بانتظام بناءً على أهداف وتأثيرات محددة بوضوح وقابلة للقياس.

العديد من الجهود لتعزيز الشمول المالي

وحول جهود المملكة لتعزيز الشمول المالي، أشارت الدراسة إلى أن المملكة قدمت العديد من الجهود لتعزيز الشمول المالي، بإطلاقها بوابة التمويل، وهي منصة إلكترونية تربط بين الممولين من القطاع الحكومي والخاص، وبين المنشآت الصغيرة والمتوسطة الراغبة بالحصول على التمويل، وتمكِّنهم من اختيار العروض التمويلية المناسبة، وقد شهدت البوابة نموًا كبيـرًا في تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث ساهمت في تمويل أكثـر من 877 منشأة بمبالغ تمويلية أكثر من 1.4 مليار ريال.

وأيضًا بتفعيلها لمبادرة الإقراض غيـر المباشر، التي أسهمت في تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك بتسهيل شروط الاستفادة منها خلال جائحة فيـروس كورونا المستجد وأتمتة الطلبات عن طريق بوابة التمويل، إذ وصلت مبالغ التمويل إلى 642 مليون ريال، لتخدم 611 منشأة صغيرة ومتوسطة، مما زاد من مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد، وكذلك أسست شركة المدفوعات السعودية، وهي شركة مساهمة يملكها البنك المركزي السعودي، أنشأت لتشغيل نظم المدفوعات والتسوية المالية وخدماتها، ويأتي ذلك ضمن جهود البنك في تحقيق مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي في تمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص بفتح الخدمات المالية أمام الجهات الفاعلة غيـر المصرفية.

فضلاً عن استحداث منتجات وبرامج تمويلية، إذ تم تحويل صندوق التنمية الصناعية ليصبح الممكن المالي الرئيس لبرنامج تطوير الصناعة والخدمات اللوجستية من خلال تسريع إجراءات الإقراض وأتمتها واستحداث منتجات وبرامج تمويلية تلبـي احتياجات المستثمرين، وقد وصل رأس مال الصندوق إلى 105 مليارات ريال، وأطلق الصندوق عدد من المبادرات، كمبادرة أتمتة جميع الإجراءات وتقليص مدة معالجة الطلب بنسبة %60، وإضافة منتجات مالية جديدة (قرض متعدد الأغراض، تمويل رأس المال العامل، تمويل الاستحواذ)، وبناء برامج تحفيزية لتساهم في تحقيق أهداف البرنامج (توطين، تنافسية، آفاق).

كما وأنشأت المملكة بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، الذي أُطلق في فبراير 2021م كأحد الصناديق والبنوك التنموية التابعة لصندوق التنمية الوطني بهدف زيادة التمويل المقدم إلى قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز إسهامات المؤسسات المالية في تقديم حلول تمويلية مبتكرة.

وفي السياق نفسه، أشارت الدراسة إلى جهود المملكة في التمكين الرقمي لفتح الحسابات البنكية عن بعد، إذ بدأ تفعيل التمكين الرقمي لفتح حسابات الاستثمار فور صدور قرار بذلك، وحقق المؤشر السنوي نتائج متميـزة منذ بدء التطبيق، فبلغت نسبة الحسابات الاستثمارية التـي فتحت عام 2019م عبر إجراءات اعرف عميلك الإلكتروني نحو %95، بعدد 124.295 حسابًا من إجمالي 131.399 حسابًا حتى نهاية الربع الرابع من 2020م، مقارنة بمستهدف العام %70.

وأنشأت في أبريل 2019م مركز “فنتك”، بهدف فتح الخدمات المالية أمام أنواع جديدة من الجهات الفاعلة في مجال التقنية المالية، وتطوير الصناديق والمسرّعات والحاضنات، وتحفيز بيئة ريادة الأعمال، فدعم رواد الأعمال فيما يخص توفير مساحات العمل المتخصصة في قطاع التقنية المالية والخدمات المتعلقة بها، وعقد الشراكات والاتفاقيات مع الشركاء والداعمين لاستضافة الفعاليات والمناسبات ذات العلاقة داخل المملكة وخارجها.

وأخيرًا التصريح لـ 32 شركة خدمات مالية مبتكرة، إذ شرع البنك المركزي السعودي في تصميم بيئة تنظيمية تجريبية لسوق الخدمات المالية المبتكرة، لفهم وتقييم أثر التقنيات الجديدة في سوق الخدمات المالية في المملكة، فقد تم التصريح لـ 32 شركة خدمات مالية مبتكرة.