انضمت المملكة في ديسمبر 2022م إلى المجلس الدولي للزيتون لتدشن بذلك مرحلةً وعصرًا جديدًا في زراعة الزيتون والاقتصاد الزراعي
ينمو حجم سوق زيت الزيتون المحلي بمعدل %5 سنويًا وتشير التوقعات بوصول حجم الطلب حتى 2028م لأكثر من 47 ألف طن
تصاعد العلامة التجارية لزيتون الجوف محليًا وعالميًا يكمّن في أساليب التعامل مع الثمار التي ترسخت منذ بداية الاتجاه إلى زارعة أشجار الزيتون
منذ عام 2008م تقريبًا ولمدة عشرة أيام في العام، يصطف عشرات الآلاف من الأشخاص أمام بوابات ومداخل مركز الأمير عبد الإله الحضاري في الحي الإداري وسط مدينة سكاكا، وهم ينتظرون بصبر أن تسنح لهم الفرصة للدخول والشراء والمعرفة والاستمتاع بالأجواء داخل مهرجان الزيتون الدولي، الذي استطاع خلال ستة عشر عامًا أن يصنع هوية منتج أو علامة تجارية تخطت الحدود، وأن يلفت أنظار العالم إلى منطقة الجوف، التي أصبحت (غُصنْ الزيتون) وعلامة مميزة ومتفردة في مجال زراعة الزيتون وصناعته المتعددة، وأكبر سوق له ولمنتجاته العضوية الخالية من الكيماويات والمواد الحافظة في منطقة الخليج بأكمله.
ملك الزيوت
يلقب زيت الزيتون بـ”ملك الزيوت” المتعارف عليها في جميع أنحاء العالم، لما يملكه من قيمة غدائية وعلاجية وجمالية عظيمة، وعلى عكس باقي الزيوت يتميز بأنواعه المتعددة، وهو الوحيد الذي يمكن تناوله مباشرة بعد استخراجه دون معالجة أو تكرير، وقد نما سوق الزيتون العالمي بسرعة في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بشكل رئيسي بالتحول في نمط الاستهلاك العالمي نحو إدراج زيت الزيتون في النظام الغذائي؛ إذ كشف تقرير صادر عن مجموعة المزارعين الإيطاليين بأن استهلاك العالمي من زيت الزيتون زاد على مدار الـ25 عامًا الماضية بنسبة %73.
وتقدر أعداد أشجار الزيتون في العالم بحوالي أكثر من 750 مليون شجرة موزعة على جميع أنحاء العالم، و%95 منها تقع في منطقة البحر المتوسط، ويعتبر جنوب أوروبا أكثر المناطق المنتجة للزيتون ومن ثم المغرب والمشرق العربي، حيث أنه يوجد في إسبانيا ما لا يقل عن 230 مليون شجرة زيتون على مساحة تقدر بـ 2 مليون هكتار أي ما يعادل %27 من المساحة المزروعة بشجر الزيتون في العالم.
25 مليون شجرة
وتعتبر زراعة الزيتون في المملكة حديثة نسبيًا، بدأت عام 2007م في منطقة الجوف، ولكن بعد مرور نحو عشر سنوات كان هناك حوالي 52,000 فدان من بساتين الزيتون تعتمد على أحدث ما توصل له العلم من تقنية لزراعة الزيتون المكثفة، تنتج أكثر من ثلاثين صنفًا من أصناف الزيتون العالمية، ودخلت المنطقة عام 2018م موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية بوجود أكبر كمية لأشجار الزيتون في العالم بنحو 25 مليون شجرة، وذلك بعد منافسة مع كل من تشيلي وكاليفورنيا وتونس، وفي ديسمبر 2022م انضمت المملكة إلى المجلس الدولي للزيتون، ومقره مدريد في إسبانيا، لتدشن بذلك مرحلةً وعصرًا جديدًا في زراعة الزيتون والاقتصاد الزراعي.
وتشهد صناعة الزيتون بالجوف تطورًا ملحوظًا فإلى جانب إنتاج الزيت، تنتج كذلك المخللات ومنتجات أُخرى كتلك المرتبطة بالعناية الشخصية، فضلاً عن شاي ورق الزيتون والعلف الحيواني وإنتاج الفحم من مخلفات عمليات القطف.
ولم تعد الجوف صاحبة المركز الأول لإنتاج زيت الزيتون وثمار الزيتون المخلل على مستوى المملكة فقط، ولكن تعدت صادراتها إلى دول الخليج والعالم العربي حتى وصلت إلى إسبانيا، موطن الزيتون نفسه، وذلك نظرًا لما يمتاز به زيت الجوف بأنه خالٍ من الأسمدة المركبة والهرمونات لاعتماد الشركات والمزارعون في إنتاجه على الأسمدة الطبيعية.
عائد الاستثمار
ويدر الزيتون عائدًا اقتصاديًا يفوق %50 من تكلفة الإنتاج، فيما يبلغ عائد الاستثمار في زيتون الجوف أكثر من 400 مليون ريال سنويًا، كما يسهم قطاع الزيتون في إنعاش الحركة الاقتصادية والتجارية في المنطقة التي ازدهرت بسببه، وبسبب أكثر من 12500 مزرعة و3500 مشروع للزيتون وعصره، تنتج أكثر من 150 ألف طن من زيتون المائدة سنويًا، وأكثر من 18 ألف طن من زيت الزيتون تمثل %67 من إجمالي إنتاج المملكة من الزيتون وزيوته التي تصنف بأنها واحدة من أفخر أنواع الزيوت في العالم، بوصوله المركز السادس في مسابقة عالمية للزيتون في ألمانيا.
وينمو حجم سوق زيت الزيتون المحلي بمعدل %5 سنويًا، وتشير التوقعات بوصول حجم الطلب حتى 2028م لأكثر من 47 ألف طن، وتتكامل الجهود الجهات الحكومية في المنطقة وفي مقدمتها إمارة الجوف لدعم وتنمية قطاع زراعة الزيتون والصناعات المرتبطة به، ولزيادة الجودة خصصت أمانة الجوف مختبرًا إقليميًا لفحص زيت الزيتون والزيتون المكبوس، حيث يتم إجراء الفحوصات المخبرية للزيت للتأكد من نسب الحموضة والتزنخ والغش والأحماض الدهنية والمعادن الثقيلة والرطوبة والتذوق، بالإضافة لأربعة اختبارات على عينات الزيتون المكبوس تشمل المظهر والقوام والفحص المجهري ووجود حشرات وفطريات وخمائر، وذلك وفق المواصفات القياسية المحلية والمعايير الدولية المعتمدة باستخدام أحدث الأجهزة المخبرية التي يعمل عليها مختصين بالمختبر من ذوي الخبرة، ليتم بعدها وضع الملصق الخاص الذي يضمن الجودة.
وقامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بدعم العديد من المشاريع الريادية للتسويق لزيت الزيتون، ويأتي إلى جانب مهرجان الزيتون الدولي الذي يتيح فرصًا متنوعة للمنتجين لزيادة المبيعات وعقد الشراكات وفتح أسواق جديدة، ما يطلق عليه (عصره)، وهو تطبيق إلكتروني تقوم فكرته على جمع أغلب المزارع المنتجة للزيتون في منطقة الجوف تحت مظلة واحدة وتقديم منتج موثوق وبسعر منافس حيث يهدف لتسويق زيت وزيتون الجوف داخل المملكة وخارجها ويقدم لشركائه خدمات احترافية ذات موثوقية عالية، ويمد السوق المحلي والخليجي بمختلف منتجات زيتون الجوف.
جودة زيت الجوف
ويؤكد رئيس جمعية منتجي زيت الزيتون في الجوف، المهندس غالي مبارك الفقيهي، على أن جودة “زيت الجوف” أسهمت في رواجه وأصبح المطلب الأول لدى المستهلكين في المملكة وكل دول الخليج والعديد من دول العالم، وقال: إن تصاعد العلامة التجارية لزيتون الجوف محليًا وعالميًا يكمّن في أساليب التعامل مع الثمار التي ترسخت منذ بداية الاتجاه إلى زارعة أشجار الزيتون في المنطقة، وتوجه المستثمرين إلى زراعة وإنتاج زيت الزيتون وتراكم خبرة المزارعين في رفع جودة الزيت، كاشفًا بأن طريقه القطاف والعصر هي ما تميز زيتون الجوف عن غيره، إضافة لنوعية التربة غير المجهدة، قائلاً: بأن زيت الزيتون هو العصير الطبيعي الناتج عن عصر ثمار الزيتون والذي يتم استخلاصه في الجوف المستخلص بطرق ميكانيكية حديثة للغاية دون التعرض للمذيبات الكيماوية والحرارة العالية وهو الزيت الذى يستعمل طازجًا بسبب طعمه الممتاز ورائحته العطرية وقيمته الغذائية واحتواءه على الفيتامينات ومضادات الأكسدة.
وأشار الفقيهي، إلى أن الزيتون بشكل عام هو من أقل المحاصيل الزراعية احتياجًا للمياه مقارنة بمحاصيل الأعلاف والخضار المكشوفة وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للمياه ويحقق أهداف الزراعة المستدامة وينتج فرص عمل جديده للمواطنين، مقسمًا الزيتون إلى ثلاثة أنواع حسب الغرض، الأول زيتون لاستخراج الزيت ويتميز بزيادة نسبة الزيت في الثمرة، والثاني زيتون للتخليل والمائدة ويتميز بكبر الثمرة، وأخيرًا زيتون ثنائي الغرض للزيت والتخليل، كما أن زيت الزيتون يستعمل كمادة خام في العديد من الصناعات الغذائية.
خالي من الكيماويات
فيما أرجع أحد ملاك مزارع الزيتون في الجوف، سليمان الجهني، تميز زيتون الجوف ووصوله إلى ما وصل إليه من مكانة عالمية، إلى تميز إنتاجه الخالي من الكيماويات والمواد الحافظة، لافتًا إلى أن مناخ الجوف البارد وكذلك التربة الملائمة لزراعة الزيتون لعبا دورًا كبيرًا في تميز زيتون الجوف، فضلاً عن الدعم والمحفزات الكبيرة التي تقدمها الدولة متمثلة في وزارة الزراعة خلال العشرين عامًا الماضية، لافتًا إلى أنه في السابق كانوا يستوردون الأشجار من الأردن وفلسطين، ثم اسبانيا، أما الآن يتم توليد أغلب الأشجار محليًا وتم وقف الاستيراد، والاكتفاء بتفريع المنتج الوطني داخل بيوت محمية حتى يكبر قليلاً ثم زراعته، وأضاف بأن أغلب الأشجار التي يتم زراعتها حاليًا هي متفرعة محليًا من أشجار اسبانية.
الأقل حموضة
ويؤكد من جانبه مندوب المبيعات المعتمد لمزرعة قطوف الجوف، عبدالرحمن الزوين، على أن زيت زيتون الجوف، لم يصل إلى هذه المرحلة من الشهرة المحلية والعالمية ويكون السلعة الأكثير انسحابًا من على أرفف المتاجر في مختلف البلدان، إلا بعد مروره بسلسة مطولة من الاهتمام الحكومي بدءً من الشجرة انتهاءً بالثمرة ومن ثم مرحلة التصنيع والتعبئة، وأشار إلى زيت زيتون الجوف يتميز بقلة درجة حموضته مقارنة بالزيوت المستوردة بدرجة تصل لأقل من 0.8%، ويرجع ذلك كون عملية العصر للزيتون تتم على البارد في مصانع الجوف بدون إضافات صناعية وفور القطاف مباشرة في شركة الجوف، ليكون الزيت بالجودة المطلوبة، قائلاً: (إن من جرب زيت زيتون الجوف، يملس الفرق الكبير بينه وبين أنواع الزيوت الأخرى، الأمر الذي يجعله يستحق مكانته العالمية)، وقال الزوين، ثمة رقابة شديدة من الأمانة ووزارة الزارعة تهدف إلى تعزيز جودة المنتج عالميًا، مشيرًا إلى شهادة (مُجاز) وهي تمنح للزيوت التي تلبي المعايير الخاصة بالمنتج، فأي منتج ومزرعة لابد أن تمر على مختبرات الأمانة لفحصها ووضع الملصق عليها، ولا يمكن تجاوز تلك الفحوص الإلزامية، والتي أعطت لزيتون الجوف قيمته الكبيرة.