اقتصاديات سينما

عودة محارب الصحراء..

63 دار عرض سنيمائي في المملكة حققت إيرادات بقيمة 905 ملايين ريال عام 2022م (14 مليون تذكرة)

تتوقع تقارير عدة أن تحتل المملكة مركزًا عالميًا لصناعة السينما كونها تمتلك حاليًا 10 شركات إنتاج سينمائي ولديها مواقع تصوير خاصة ومميزة واستهدافها لإنتاج وتصوير 100 فيلم في البلاد بحلول 2030م

 

للفيلسوف الفرنسي، أندري مالرو، عبارة مشهورة أوردها في إحدى مؤلفاته، أن (السينما ابتكار علمي طورها كيميائيون وأنشأها ميكانيكيون، والفن الوحيد الذي في أصله ومنذ والدته “صناعة” تدر الملايين)، وبجانب أنها صناعة وتجارة في آن واحد، فلا يمكن إغفال أنها على رأس الأدوات الإعلامية التي تمتلك الكثير من مفاتيح التأثير، فهي رغم تصنيفها بالفن السابع في ترتيبه بعد فنون العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص، فإنها الأول في القدرة على التأثير، والجامعة للفنون الست لإمكانية جمعها بين رسوم وأشكال ملونة تتحرك مع موسيقى وشعر وحوار في صورة مرئية متحركة.

تعد السينما أكثر الصناعات العالمية وضوحًا من حيث علاقتها بالصناعة والاقتصاد، وعلى أساس الاعتبارات المتعلقة باستخدام الأدوات والأجهزة والمعدات التكنولوجية المتطورة، يمكن القول بأن السينما تمثل صناعة قائمة بذاتها ضمن فروع المجالات الصناعية.

وتعود السينما في المملكة إلى خمسينات القرن الماضي، إلا أن التطور الأبرز في تاريخ الفن السابع بالمملكة كان عام2017م حين تم السماح بفتح دور العرض، ما زاد من حماسة من العارضين الدوليين واستوديوهات هوليوود الذين رأوا سوقًا جديدة واعدة بالفرص، وبدء السعي إلى قيام صناعة سينمائية حقيقة متكاملة تضاهي السينما الهوليوودية، بأن تصبح المملكة “هوليوود” جديدة يقصدها صُناع السينما والممثلون من مختلف الأنحاء، وذلك بالعمل على دعم العناصر والمكونات الأساسية المحفزة للصناعة السينمائية، والاستثمار في إنشاء البنية التحتية سواء دور العرض أو شركات الإنتاج السينمائي ومراكز الإنتاج والأستوديوهات، وتشجيع القطاع الخاص.

 

أندري مالرو

14 مليون تذكرة

واللافت ما حققته صناعة السينما في المملكة من نمو ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية، حيث أشارت بيانات الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، إلى أن دور العرض في المملكة بلغت (63 دار عرض سنيمائي) مقابل 33 دار سنيما خلال العام 2020م وحققت إيرادات بقيمة 905 ملايين ريال عام 2022م (14 مليون تذكرة)، بمعدل نمو بلغ %9.5 مقارنةً مع إيرادات بقيمة 874 مليون ريال عام 2021م (13 مليون تذكرة في 54 دار عرض).

تطور آخر شهده عام 2022م ليس فقط في النمو المضطرد في الإيرادات والتذاكر المباعة وإنشاء دور العرض، لكن في ارتفاع عدد الأفلام السعودية المعروضة إلى 11 فيلمًا مقارنةً مع 7 أفلام فقط عام 2021م وإن كان هذا العدد مازال أقل من المتوقع، لكنه في ذات الوقت يعكس الجهود المبذولة من الجهات الرسمية، ممثلة في وزارة الثقافة وهيئة الأفلام السعودية ومؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي وغيرها من المؤسسات التي تدعم صناعة السينما، لدعم وتشجيع الإنتاج المحلي.

 

الوجهة الأولى

وتخطط المملكة لاستثمار نحو 64 مليار دولار في قطاع الترفيه من أجل أن تصبح الوجهة الأولى في المنطقة في ذلك المجال، وهذه الأرقام المخطط إنفاقها على صناعة الترفيه تعطي مؤشرًا على مساعي المملكة إلى الإنتاج الفني سواء في السينما أو الدراما التليفزيونية، وقد استطاعت بالفعل استقطاب النجوم من الفنيين العرب والأجانب وكذلك شركات الإنتاج والخدمات الفنية وجذب الأعمال للتصوير في المملكة، مثل: فيلم محارب الصحراء Desert Warrior، بطولة أنتوني ماك، الذي صُوّر لأول مرة بالكامل في المملكة، بإنتاج مشترك بين استوديوهات مركز تلفزيون الشرق الأوسط وشركتي JB Pictures وAGC Studios  بميزانية تُقدّر بحوالي 140 مليون دولار، وفيلم قندهار Kandahar للنجم الأمريكي، جيرار باتلر، وتم تصويره في كل من العلا وجدة، ويعد أول فيلم أمريكي يتم تصويره في المملكة بميزانية ضخمة، والفيلم من إنتاج شركة Capstone Entertainment Group التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرّاً لها، إلى جانب استوديوهات MBC.

هذا وأنشأت المملكة «العلا للأفلام» لتقديم دعم للأعمال الأجنبية، وحصلت هذه الأعمال على دعم حكومي كبير بمشاركة Mbc في الإنتاج مثلًا، إضافة لخصم %40 من تكاليف التصوير، مع الاستعانة بأطقم محلية، وهو القرار الذي اتخذته المملكة لجذب المزيد من الأعمال، كل ذلك، ولم تدخل بعد مدينة «نيوم» سوق المنافسة على الإنتاج السنيمائي وهي تخطط لتصبح مدينة الإنتاج الأكبر إقليميًا في 2025م.

 

كلمة السر

ومن الواضح أن كلمة السر في انتعاش صناعة الأفلام في المملكة يتمثل في الدعم الحكومي، فالمملكة أطلقت هيئة الأفلام السعودية النسخة المحدثة من برنامج ضوء لدعم الأفلام، ووفرت برامج تمويلية متنوعة لدعم صناعة السينما ورواد الأعمال لتحفيز نمو القطاع بشكلٍ متسارع، وأطلقت الصندوق الثقافي وبرنامجًا بميزانية 879 مليون ريال لتعزيز المحتوى الرقمي في المملكة، والذي يعطي دفعة قوية لهذا القطاع الواعد، بما يساهم في جعل المملكة مركزًا عالميًا لصناعة الأفلام، وبالإضافة إلى البرامج التمويلية، تسير المملكة في مسارٍ موازٍ، يتمثل في إقامة المهرجانات الدولية، التي تعد فرصة مهمة لتبادل الخبرات وإطلاع خبراء ونجوم صناعة السينما على ما حققته المملكة من إنجازات غير مسبوقة، وكذا فرصة مناسبة لالتقاء الفنانين السعوديين وقادة الصناعة بنظرائهم من مختلف دول العالم.

 

100 فيلم

وحقق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في دورته الثانية، نجاحًا كبيرًا وحضورًا لافتًا من كبار النجوم وصناع السينما والإعلاميين من 61 دولة، ويشهد الإنتاج السينمائي في المملكة طفرةً كبيرة ويتخذ خطواتٍ متسارعة، ويصفه بعض المختصين بصناعة السينما، بـ”الواعد”، مدفوعًا بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، بما يؤهل المملكة لأن تكون “هوليوود” جديدة في المنطقة.

وتتوقع تقارير عدة، أن تحتل المملكة مركزًا عالميًا لصناعة السينما، مشيرةً إلى أنها تمتلك حاليًا 10 شركات إنتاج سينمائي، ولديها مواقع تصوير خاصة ومميزة، حيث تستهدف المملكة إنتاج وتصوير 100 فيلم في البلاد بحلول 2030م، ضمن خطة طموحة لتطوير صناعة الترفيه.

فالمملكة تتحول تدريجيًا كما يقول الفنان الأمريكي المعروف، ستيفون لامار، إلى أن تكون مركزًا ترفيهيًا عالميًا، مشيدًا بإعلان شركة مشاريع الترفيه عن إنشاء واجهة ترفيهية جديدة في مدينة تبوك، مؤكدًا أن هذه الخطوات تعزز خططها الطموحة لتحقيق ذلك، وأن المملكة تطلق ما في وسعها من مبادرات وبرامج ومشروعات كي يتحول هذا الطموح إلى واقع.

خطة طموحة

ولا شك أن صناعة السينما في المملكة لها دور كبير في خلق آلاف فرص العمل، حيث أنها صناعة ضخمة، وتحتاج إلى آلاف الفنيين والمتخصصين في مجالات الإنتاج والتصميم والتسويق وغيرها، للمساهمة في إنتاج وتقديم محتوى فني يعكس الوجه الحضاري والثقافي للمملكة، فضلاً عن دورها في الترويج السياحي والثقافي للمملكة في الخارج.

وأخيرًا فإن صناعة السينما في المملكة لديها المقومات والإمكانات التي تساعدها في إحداث طفرات في إنتاجها السينمائي، وأن الخطة الطموحة لإنتاج 100 فيلم بحلول 2030م قابلة للتنفيذ في ظل ما تمتلكه المملكة من بنية تحتية تتطور بشكل متسارع ووفق أعلى مستوى تكنولوجي وتوافر العناصر البشرية وبرامج التمويل والفعاليات والمهرجانات والبرامج المتخصصة في دعم الفنانين الشباب ووجود العديد من الجهات التي تقدم الدعم للأفلام، ما يؤهل المملكة إلى إنتاج أفلام تصنع على أرضها تلفت نظر العالم.