تقرير صناعة الأعلاف

صناعة تبحث عنها الأسواق

ينتج العالم مليار طن سنويًا من الأعلاف بحجم مبيعات 400 مليار دولار، والدول العربية تتجه إلى تنويع مصادر صناعة الأعلاف بمواد غير تقليدية

ثمة توقعات بأن يسجل سوق أعلاف الدواجن وحده معدل نمو سنوي مركب قدره %4.2 حتى عام 2027م

الطحالب الدقيقة بدمجها كمواد خام لصناعة الأعلاف من الابتكارات والتقنيات الجديدة التي يمكنها أن تقدم حلولاً مستدامة وبيئية في إنتاج الأعلاف

 

يواجه العالم أزمات عديدة خاصة في قطاع السلع الغذائية، كنتيجة مباشرة للحرب الروسية الأوكرانية، والتي تسببت في ارتفاع أسعار مدخلات ومستلزمات الإنتاج واختلال حاد في سلاسل الإمداد والتوريد وطرق التجارة العالمية، ومنها ما أثر بشكل كبير على قطاع الدواجن واللحوم الحمراء والأسماك، نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة، ومن ثم برزت الحاجة إلى دعم وتعزيز صناعة الأعلاف محليًا لتأمين الاحتياجات من الأعلاف والحيلولة دون التأثر بتقلبات الأسواق الحالية والمستقبلية.

 

مليار طن سنويًا

تشير تقديرات دولية، إلى أن صناعة الأعلاف في العالم تنتج حوالي مليار طن سنويًا، وتصل قيمة المبيعات إلى نحو 400 مليار دولار، وتوفر ملايين من فرص العمل، وثمة توقعات بارتفاع الطلب على منتجات الأعلاف بشكلٍ كبير خلال السنوات المقبلة، وأن يسجل كذلك سوق أعلاف الدواجن وحده معدل نمو سنوي مركب قدره %4.2 حتى عام 2027م.

وذلك بالنظر إلى التوقعات الخاصة بتزايد إنتاج البروتين الحيوانـــي بنسبــة %200، والأسماك بنسبة %300 بحلول 2050م، وهو ما يعزز من مكانة هذه الصناعة ويجعلها من الصناعات التي يبحث عنها الكثيرون.

فإن صناعة الأعلاف بلا شك من الصناعات الأكثر حيوية وارتباطا بالأمن الغذائي للدول، وقد استطاعت دولاً كثيرة أن تنجح في تكثيف هذه الصناعة وزيادة مساحتها الإنتاجية، ما مكنها من أن تتصدر البلاد المنتجة والمصدرة للثروة الحيوانية بأنواعها، بل ودعم اقتصاداتها وتخفيف آثار ما خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية.

 

تسريع خطوات التوطين

وتعتمد الدول بشكلٍ متفاوت علىى الاستيراد لتأمين احتياجاتها من السلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج ذات الصلة بصناعة الأعلاف (خاصة الذرة وفول الصويا)، فالدول العربية على سبيل المثال تقوم باستيراد %42 من القمح والحبوب و%23 من الزيوت النباتية من روسيا وأوكرانيا فقط، فضلاً عن أن أوكرانيا تعد واحدة من أكبر 4 دول مصدرة للحبوب عالميًا، وضمن أكبر 10 منتجين لفول الصويا والشعير في العالم.

هذا الوضع، دفع العديد من الدول العربية إلى تسريع خطوات توطين صناعة الأعلاف ومنها من استشعرت أهميتها منذ سنوات من خلال البحث عن بدائل غير تقليدية، مثل: المخلفات الزراعية وسعف النخيل والاعتماد على نباتات متوفرة بكثرة كالباسيا (نبات بري ينمو في المناطق الجافة والمالحة ويمتلك %15 من البروتين)، والأزولا (نبات سرخسي ينمو على سطح الماء ويتميز بالتكاثر السريع)، وكذا الطحالب الدقيقة وبقايا التمور غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، ومخلفات الأشجار والأعشاب الجافة، وإنتاجها كذلك من البونيكام ومستخرجات بذرة القطن، والمورينجا كما تفعل بلدان المغرب العربي، ومن نبات السايلكورينا الذي ينمو على المياه المالحة وتعتمد عليه العديد من الدول الآسيوية في إنتاج الأعلاف.

 

مرافق للطحالب

وتحتل صناعة الأعلاف في المملكة أهمية خاصة لدورها الحيوي في تحقيق منظومة الأمن الغذائي، وتوفر لها الأجهزة والجهات المعنية كافة الإمكانيات اللازمة لدعم هذا القطاع وتنميته؛ إذ يبلغ الإنتاج المحلي من الأعلاف بحسب رئيس اللجنة الوطنية لمصنعي الأعلاف في اتحاد الغرف السعودية، المهندس عبد المحسن المزيني، حوالي 11 مليون طن سنويًا من خلال 65 مصنعًا متخصصًا في الأعلاف المتكاملة.

وبهدف تطوير تقنيات مستدامة لإنتاج الأعلاف الحيوانية باستخدام الطحالب المحلية الدقيقة والكبيرة، وفتح مشاريع اقتصادية جديدة لصناعة الاستزراع المائي في البلاد، دشنت المملكة العام الماضي البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية، والذي يستهدف في مرحلته الأولى بناء وتشغيل مرافق للطحالب الدقيقة بمساحة 870 مترًا مربعًا لإنتاج كتل حيوية من الطحالب الدقيقة ودمجها بصفتها مواد خام لصناعة الأعلاف لمثل الأسماك والدواجن، وهي خطوة يمكن وصفها بـ “الرائدة” نحو تطوير صناعة الأعلاف بالاعتماد على مواد غير تقليدية، بما يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي.

سوق إضافات الأعلاف

وبشكل عام، فإنه على الرغم من أن صناعة الأعلاف الحيوانية تعتبر حيويةً في تحقيق الأمن الغذائي، إلا أنها تعود بأثار سلبية على البيئة بسبب الانبعاثات الكبيرة التي تصدرها من الغازات الدفيئة في مراحل إنتاجها ومعالجتها، وبالتالي فإن الطحالب الدقيقة ودمجها بصفتها مواد خام لصناعة الأعلاف من الابتكارات والتقنيات الجديدة التي يمكنها أن تقدم حلولاً مستدامة وبيئية في إنتاج الأعلاف.

وبالعودة إلى مسارات صناعة الأعلاف في الخليج والمملكة التي تعد من أكبر منتجي الدواجن في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تستحوذ على %55 من الإنتاج الخليجي، ثمة تقارير تشير إلى أن يصل سوق إضافات الأعلاف في المملكة وحدها لـ 284 مليون دولار بحلول عام 2024م، وأن يحقق معدل نمو سنوي مركب في حدود %9، وأن ينمو قطاع الأعلاف في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة %7 حتى عام 2025م مدفوعًا بزيادة الطلب على اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان ومشتقاتها وما تُظهره خطط دول الخليج لزيادة طاقتها الإنتاجية المحلية من اللحوم الحمراء وتنمية ثروتها الداجنة.

 

المخلفات الزراعية

وعلى صعيد موازٍ تتجه الأنظار في الجمهورية المصرية التي تمتلك أكثر من 1400 مصنع أعلاف، إلى الاعتماد بشكل أكبر على المخلفات الزراعية وتعظيم الاستفادة منها لتوطين صناعة الأعلاف، حيث تقدر هذه المخلفات بحوالي 40 مليون طن سنويًا، فافتتحت مؤخرًا وفق أحدث النظم العالمية أكبر مصنع للأعلاف في الشرق الأوسط بطاقة إنتاجية 3400 طن من أعلاف الدواجن والأسماك يوميًا، كما تم الإعلان من قبل مراكز البحوث الزراعية الحكومية، عن استخدام نبات “الأزولا” في صناعة الأعلاف، لإحتوائه على نسب بروتين عالية تتراوح بين 25 – %44.

وبما يؤكد على أهمية هذه الصناعة وقدرتها على جذب الاستثمارات، أعلنت مجموعة إماراتية، مؤخرًا عن إنشاء مجمع صناعي لإنتاج الأعلاف والمخصبات على الأراضي المصرية باستثمارات تصل إلى 400 مليون دولار بطاقة إنتاجية 1.5 مليون طن.

ولعل أهم ما يعزز صناعة الأعلاف المصرية التي ينظر إليها باعتبارها صناعة استراتيجية، تلك الاستثمارات الهائلة في قطاع الدواجن، الذي يعد من القطاعات الاقتصادية الضخمة، والتي تصل إلى 100 مليار جنيه سنويًا، وبطاقة إنتاجية 1.5 مليار دجاجة سنويًا، ويتألف من أكثر من 38 ألف منشأة.

 

مواجهة الطلب المتزايد

هذا وتجرى المملكة الأردنية الهاشمية حاليًا دراسات وأبحاث لاستخدام تقنيات حديثة لمشروعات تصنيع الأعلاف، منها الزراعة من دون تربة واستخدام مياه الأمطار في المناطق الصحراوية، واستخدام نبات الباسيا ونبات الأزولا، وهو ما ساعد على خفض 70% من تكلفة صناعة الأعلاف، ويعكس مدى التطور الملحوظ لها.

كما اتجهت دول عربية عدة إلى استخدام تقنيات جديدة لإنتاج الأعلاف لمواجهة الطلب المتزايد، منها استخدام الحشرات واليرقات التي تتغذى على بقايا الطعام، حيث يتم تجفيفها واستخدامها كأعلاف للحيوانات، كما يتم استخدام فضلاتها كسماد عضوي لزيادة الإنتاجية الزراعية، بالإضافة إلى استنباط أعلاف تتحمل الملوحة والجفاف، فضلاً عن تزايد الاعتماد على ما يطلق عليه “الزراعة العمودية” حيث يتم زراعة مستلزمات الأعلاف بوفر %90 من المياه والأراضي اللازمة، مقارنةً بالزراعة التقليدية، كما تستخدم بعض الدول مياه الصرف الصحي المعالج لزيادة المساحات المحصولية من منتجات الأعلاف، والتوسع في زراعة الأعلاف الخضراء.

 

فرصة ذهبية

وأخيرًا، فإن اهتمام حكومات الدول بهذه الصناعة، ومدى التطور الكبير  الذي تشهده، والخطط الاستراتيجية للعديد من الدول للابتكار في انتاجها مستقبلاً، والذي يأتي مرهونًا بمواصلة الجهات الحكومية في تقديم الدعم المالي والفني سواء لأصحاب المصلحة أو الباحثين والمختصين، لابتكار وسائل وتقنيات حديثة للتوسع في توفير مستلزمات هذه الصناعة، يعد فرصة ذهبية لصغار المستثمرين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كونها من الصناعات التي لا تتطلب تكلفة كبيرة، مقارنةً بصناعات أُخرى، كما أن عنصر المخاطرة فيها أقل خاصة مع الطلب المتزايد عليها.

 

150 منشأة متخصصة بصناعة الأعلاف تحت الرقابة بالقطاع الشرقي

عبدالإله بن محمد النجيمي
مدير إدارة الاعلاف بالهيئة العامة للغذاء والدواء

أكد مدير إدارة الاعلاف بالهيئة العامة للغذاء والدواء، عبد الإله بن محمد النجيمي، خلال ورشة عمل عقدتها غرفة الشرقية مؤخرًا حول صناعة الأعلاف وأبرز تحدياتها، أن مجموع منشآت الأعلاف الواقعة تحت رقابة الهيئة بالقطاع الشرقي أكثر من 150 منشأة، ولفت إلى أن جميع منشآت الأعلاف يتم تقييمها وتحفيزها بهدف رفع جودة منتجاتها ويتم بعد كل زيارة تفتيشية تزويد المنشأة بنتيجة التقييم الخاصة بالزيارة، وذلك عبر برنامج “تقييم”، الذي وضع للتأكد من التزام المنشأة بتطبيق معايير الصحة والسلامة، وتقليل الممارسات الخاطئة داخل المنشأة وضمان التطبيق الأمثل لبرامج السلامة في المنشآت والعاملين عليها، ودعم الصادرات غير النفطية، ورفع مستوى التنافسية بين المنشآت وتعزيز سمعة وجودة المنتج المحلي، واطلاع المستهلك على نتائج التقييم الخاصة بالمنشآت حسب التواريخ المحددة عبر موقع الهيئة نهاية كل سنة ميلادية، ورفع ثقة المستهلك بالمنتج المحلي.

وقال النجمي، بأن ممارسة نشاط صناعة الأعلاف يتوجب الحصول على ترخيص من الهيئة وفقًا للشروط والمتطلبات التي تحددها اللائحة، لتقوم الهيئة ـ بعد ذلك ـ بترخيص المنشآت من خلال نظام السجل الوطني للأعلاف، ومراقبتها عبر الزيارات التفتيشية وبرامج الرصد، وتسجيل المنتجات من خلال نظام السجل الوطني للأعلاف بحسب التصنيفات المعتمدة لدى الهيئة.

وحول التقييم الذاتي الإلكتروني لمنشآت إنتاج الأعلاف، أبان النجيمي بأنه مبادرة تطمح لخلق أعلى درجات الالتزام والامتثال للأنظمة والمتطلبات والاشتراطات ذات العلاقة بالهيئة العامة للغذاء والدواء، وذلك من خلال تقييم المنشاة لنفسها ذاتيًا وقياس مدى التزامها بالأنظمة واللوائح والاشتراطات ذات العلاقة، ومن ثم اتخاذ المنشأة الإجراءات التصحيحية اللازمة لتصحيح أوضاعها.

ويهدف البرنامج إلى رفع نسبة الشفافية في تعامل المنشآت مع الهيئة العامة للغذاء والدواء وزيادة وعي المنشآت بالمتطلبات والاشتراطات، وحصر جميع المتطلبات والاشتراطات وتقديمها بشكل ميسر ومحدث للمنشأة، كما تعد أداة تساعد المنشأة لقياس نسبة امتثالها، وتمكين المنشآت من تقييم مدى التزامها بالمتطلبات والاشتراطات والعمل على تصحيح حالات عدم المطابقة، وتهيئة المنشآت لزيارة مفتش الهيئة، وتقليل فرصة الوقوع بالمخالفات في الزيارات التفتيشية.