بيوجاز لاڤندر

“البيوجاز” طاقة الأرياف

ازدادت حصة “البيوجاز” كمصدر مستدام للطاقة في السوق العالمي إلى قرابة الـ 9 مليارات دولار عام 2022م، وثمة توقعات بأن تزداد إلى نحو الـ 8 أضعاف بحلول عام 2028م

بحلول عام 2050م يمكن للغاز الحيوي أن يختزل انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 1.7 مليار طن في العام أي ما يعادل أكثر من %80 من الانبعاثات الحالية الناجمة عن وسائل النقل

 

طاقة شعبية، يُشاع استخدامها بين الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم لاسيّما بالمناطق الريفية وعلى أطراف المزارع، تتميز بالبساطة في التنفيذ لاعتمادها على مواد خام رخيصة الثمن، فما هي إلا مجرّد حفرة دائرية محكمة الإغلاق مانعة للهواء مصنوعة من الخرسانة ومتصلة بأنابيب إلى مواقد الإشعال بالمنازل، يوجه إليها المخلّفات الحيوية التي يعاد من خلالها تدوير هذه النفايات الحيوية إلى طاقة نظيفة دون مقابل مادي لشرائها؛ إنه “البيوجاز” أو الغاز الحيوي أو الميثان الحيوي، الناتج عن التحلّل الحيوي لمادة عضوية عند انعدام الأكسجين، وهو نوع من الوقود الحيوي يُنتج عن مواد قابلة للتحلل كالكتل الحيوية والسماد ومياه الصرف الصحي، وكذلك النفايات الصلبة والخضراء والنباتات والمحاصيل.

وفي ظل تزايد الطلب العالمي على الطاقة المتجددة بكافة أشكالها، والتعهد العالمي بشأن تقليل انبعاثات غاز الميثان بنسبة %30 بحلول عام 2030م، وتسريع الدول المعتمدة على الغاز الطبيعي خطوات بحثها عن مصادر بديلة مستدامة للطاقة تتوافق مع بنود اتفاق باريس للمناخ، أخذت تنجذب الحكومات والشركات في العديد من دول العالم إلى “البيوجاز” العضوي باعتباره أحد حلول الطاقة المتجددة، والعمل على تحويلها من صيغتها الشعبية إلى صيغة أعم وأشمل، فازدادت على أثر ذلك حصته السوقية كمصدر مستدام للطاقة في السوق العالمي إلى قرابة الـ 9 مليارات دولار عام 2022م، مع توقعات بأن تزداد إلى نحو الـ 8 أضعاف بحلول عام 2028م؛ وكذلك ارتفع عدد منشآت معالجته عالميًا بأكثر من الضعف عن عام 2015م بأكثر من ألف منشأة ويزيد حاليًا بقدرة إنتاجية 6.7 مليار متر مكعب سنويًا.

مراحل التطوّر

ويعود إنتاج الغاز الحيوي إلى آلاف السنين، عندما بدأ البشر في استخدام النفايات العضوية لإنتاج غاز قابل للاحتراق، ومع ذلك تم تطوير تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي الحديثة في بداية القرن العشرين، وكان البريطانيون أوائل من استعملوا “البيوجاز” والاستفادة من عوائده الاقتصادية، وذلك بتطويرهم لخزانات الصرف الصحي بما يسمح بتجميع الغاز واستعماله في إضاءة الطرقات، حيث كان الغاز المستخرج من مياه الصرف الصحي يُستعمل في إنارة الشوارع في مدينة إكسير، ومن ثم أخذت تتطور تقنيات إنتاج الغاز الحيوي في العديد من الدول الأوروبية كالدنمارك وألمانيا وهولندا وغيرهم، إلى أن انتقلت إلى بقية الدول، فبحلول عام 1970م وصل عدد وحدات “البيوجاز” في المزارع إلى 6 ملايين وحدة، ونحو  مليوني وحدة في الهند، وفي دول أمريكا الشمالية أصبح يُولِّد استخدام الغاز الحيوي فيها طاقة كهربائية تكفي لتلبية نحو %3 من نفقات الكهرباء في القارة.

وبشكل عام يصنّف الوقود الحيوي بأربعة أجيال، الأول: وهو المنتج من نباتات صالحة للأكل كالسكر والنشا والذرة، والثاني: ينتج من نباتات غير صالحة للأكل كالأخشاب والسليلوز، والثالث: ينتج من الطحالب وبعض الكائنات الدقيقة، أما الرابع: يستهدف تحويل الزيوت النباتية إلى وقود حيوي.

ويعد “البيوجاز” نوعًا من الوقود الحيوي، ينتج عبر عملية هضم لاهوائي أو تخمير للمواد القابلة للتحلل كالمخلفات العضوية للحيوانات والمصانع والمنازل والنفايات في مكبات المدن ومياه الصرف الصحي، وغيرها من المصادر المتوفرة في الطبيعة، وذلك من خلال حاويات محكمة الإغلاق مانعة للهواء، ومن ثم تحويلها إلى وقود (غاز الميثان)، يمكن أن تنتج منه طاقة كهربائية رخيصة، ويمكن استخدامه كغاز بديل للغاز المستخدم في المصانع والمنازل دون أضرار على البيئة.

ويعمل الغاز الحيوي باعتباره وقودًا نظيفًا مستداما يخفض من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتقليل من غاز الميثان المتصاعد من النفايات الزراعية، فضلاً عن التقليل من تسرب السماد الطبيعي إلى الأنهار وإمدادات المياه، وثمة دراسات تشير إلى أنه بحلول عام 2050م يمكن للغاز الحيوي أن يختزل انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 1.7 مليار طن في العام، أي ما يعادل أكثر من %80 من الانبعاثات الحالية الناجمة عن وسائل النقل، وهو ما استدعى توقيع أكثر من مائة دولة خلال قمة المناخ المنعقدة عام 2021م على تعهد بشأن العمل والتعاون وزيادة التوسع في إنتاج الغاز الحيوي للتقليل من انبعاثات الميثان بنسبة %30 بحلول عام 2030م.

أوروبا الأكثر هيمنةً

وتعد أوروبا الأكثر هيمنةً على سوق مصانع الغاز الحيوي عالميًا بقرابة الـ 19 ألف مصنع، وثمة تقرير لجمعية الغاز الحيوي الأوروبية (EBA) يتوقع بأن يصل إنتاج الغاز الحيوي في أوروبا إلى 98 مليار متر مكعب بحلول عام 2050م بزيادة قدرها %4800 في مستويات الإنتاج الحالية، وهو ما يعزّز من استثمارات بناء مرافق إنتاج الغاز الحيوي مستقبلاً.

وتأتي ألمانيا في مقدّمة الدول الأكثر تطويرًا لمصانع الغاز الحيوي، إذ تنتج وحدها %70 من غاز الميثان المنتج في أوروبا كلها، وعلى مدار السنوات الماضية عملت ألمانيا على تطوير بنية تحتية جديدة للغاز الحيوي، يمكن أن توفر دعمًا إضافيًا لسوق الغاز الحيوي المتنامي، ومن ثم السويد التي بدأت فعليًا في تشغيل قطارات بطاقة الغاز الحيوي، وهولندا التي دعمت فيها منظمة التنمية الهولندية البرامج الوطنية للغاز الحيوي المحلي الهادفة إلى إنشاء قطاعات مجدية تجاريًا للغاز الحيوي المحلي بحيث تقوم الشركات المحلية بتسويق وتثبيت وخدمة مصانع الغاز الحيوي في المنازل، فضلاً عن أنها كانت قد توصلت إلى تقنية جديدة يتم من خلالها تحويل تدفقات النفايات الصناعية المحتوية على السليلوز إلى غاز حيوي، ما يمكن معالجة هذا الغاز الحيوي في الغاز الطبيعي المسال الحيوي بطريقة موفرة للطاقة، ما يمكن أن يوفر قيمة خضراء إضافية من خلال التقاط وتسييل ثاني أكسيد الكربون الحيوي من الغاز الحيوي ليحل محل ثاني أكسيد الكربون الأحفوري.

وعلى مستوى القارة الآسيوية ثمة تجارب ناجحة في تطوير عمليات إنتاج الغاز الحيوي، كدول مثل: بنغلاديش وفيتنام ونيبال وكمبوديا، وحتى على مستوى إفريقيا، دول مثل: السنغال وأوغندا وكينيا لها تجارب لا تقل نجاحًا عن دول العالم المتقدمة.

استثمار الشركات العالمية

وما تجدر الإشارة إليه هنا أن عددًا متزايدًا من الشركات العالمية تستثمر في استغلال غاز الميثان لتوليد الطاقة، وهي تتكفل بكل قيمة مشاريع استخراج هذا الغاز الحيوي، وأيضًا تدفع مقابلاً ماديا لشرائه، فشركة “نتشر إنيرجي” الدانماركية على سبيل المثال وهي إحدى أكبر شركات إنتاج “البيوجاز” في أوروبا كانت قد أعلنت في أواخر عام 2021م استثمار حوالي 5. 5 مليار دولار لإقامة مصانع جديدة لإنتاج الغاز الحيوي، خلال السنوات الثمانية المقبلة بإقامة مصانع في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا، حيث تستهدف بناء 15 مصنعًا جديدًا كل سنة اعتبارًا من العام القادم، وأيضًا شركة مالابي فارم البريطانية التي بدأت أعمالها منذ ثمانية أعوام، بمعالجة نحو 30 ألف طن من النفايات الغذائية والعضوية كل عام، وتحويلها إلى أكثر من سبعة آلاف ميجاواط كهرباء متجددة في الساعة يتم تغذيتها في الشبكة الوطنية الإنجليزية، إضافة إلى عملية تحويل النفايات إلى طاقة تنتج أكثر من 25 ألف طن من الأسمدة العضوية الغنية بالمغذيات.

دول الخليج والوقود الحيوي

وكانت المملكة، قد اعتمدت الوقود الحيوي لتشغيل المرافق السياحية في مشروع البحر الأحمر للتطوير، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، ليكون وجهة سياحية فاخرة تعمل على استحداث معايير جديدة للتنمية المستدامة؛ إذ اتفقت كلٌّ من شركة أعمال المياه والطاقة أكوا باور وشركة نيوترال فيولز مذكرة تفاهم للتعاون في توريد وقود حيوي لمشروع البحر الأحمر للسياحة بالمملكة، واختارت شركة “مان” الألمانية لحلول الطاقة، لتوريد 25 مجموعة من مولدات الوقود الحيوي، بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 112 ميغاواط، ويُستخدم الوقود الحيوي لتزويد شبكة النقل بمشروع البحر الأحمر بالكامل بالطاقة والمستهدَف هو إنتاج وقود حيوي، ذي بصمة كربونية، صفرية الانبعاثات، أي بلا غازات دفيئة تُسهم في الاحتباس الحراري.

وتعتمد فيولز على مبدأ التجميع والتكرير والإمداد المحلي، وذلك بتجميع زيوت الطهي المستخدمة في الفنادق والمطاعم ومراكز التسوق وشركات إدارة النفايات داخل المملكة لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، وذلك تفاديًا للضغط على المصادر النباتية لهذه الزيوت كالذرة وفول الصويا.

وأنجزت كذلك دولة الإمارات العربية المتحدة مشروعها لتحويل الغاز الحيوي إلى طاقة “بيوغاز” لتشغيل محطة ورسان للصرف الصحي، والذي يعتبر أحد مشاريع الطاقة المتجددة التي تخدم الخطة الاستراتيجية لتحويل أصول بلدية دبي إلى أصولٍ خضراء ومستدامة، ويبلغ حجم الطاقة الكهربائية المُنتجة من المشروع سنويًا 44,250 ألف ميغاواط في الساعة، ستُستخدم في تشغيل محطة ورسان بقدرة تصل إلى 6 ميغاواط من الطاقة الكهربائية في اليوم، والذي يشكل %50 من إجمالي الاحتياجات التشغيلية للمحطة.

وأخيرًا فإنه رغم هذا التوجه العالمي نحو الاستغلال الأمثل لموارد الوقود الحيوي، إلا أن انتشار استخدامه لاسيما في دول منطقة الشرق الأوسط محدودة للغاية ويواجه عددًا من العقبات والتحديات، لعل أبرزها ـ بحسب تقرير بوكالة الطاقة الدولية العام الماضي ـ الافتقار إلى اللوائح والتشريعات والقصور في استعمال التقنيات المُتطورة، وتواضع البنية التحتية المطلوبة لنقل الطاقة وتوزيعها.