رأي

معركة جديدة وأسئلة متجددة!

فرضت وسائل التواصل الاجتماعي واقعًا جديدًا على قطاعات الأعمال، خاصة تلك المرتبطة بالمستهلكين الأفراد، وهو أمر مفهوم قياسًا إلى تأثيرها على الوعي، ومن ثم تأثيرها على السلوك، فتتأثر بالضرورة حركة المنتجات والخدمات تبعًا لحضورها في هذه الوسائل، لكن هذا التأثير يتغير باستمرار، وكما أنه سريع الحدوث فهو سريع الزوال، ويحتاج دومًا إلى تغذية لا منتهية من التواجد والإعلان والاستعانة بالغير بدءًا بالمؤثرين وليس انتهاءً بالشركات التي تدير الحسابات وتقوم بصيانتها أو تقوم بخلق الانطباعات وإثارة الجمهور، وفي بعض الأحيان تقوم بحل إشكالات الصورة السلبية في هذه الوسائل.
كل هذا أصبح جزءًا من ثقافة صاحب المنشأة أو مديرها، ومن ممارسة فريق التسويق فيها، وهم جميعًا، حتى لو كانوا لا يفقهون كثيرًا في هذه الوسائل إلا أنهم ينقادون كما انقاد الغالبية إلى هذه الوسائل التي خلقت مجتمعات افتراضية موازية للمجتمعات الواقعية، تتخطى حدود الزمان والمكان، لكن السؤال المهم الذي لا يسأله إلا القليل هل المجتمعات الافتراضية تخلق لي كصاحب عمل سوقًا واقية لاستهلاك ما أبيع، ما أن هذه السوق يظل معظم تأثيراتها افتراضية انطباعية لدى الأفراد.
هذه الخواطر جالت في ذهني مع المعركة الجديدة التي أبطالها كالعادة شركات من جنسية واحدة يملكها أفراد من نفس الجنسية تتقاسم “كعكة” هذه الوسائل، فالجدل اليوم قائم بين الكثيرين ومعه كثير من الحيرة عن كيف سيكون الحال إذا تفوق “ثريدز” على ” تويتر” على سبيل المثال؟ هل سننقل ثقلنا التسويقي إلى “ثريدز” ونبدأ من جديد في بناء صورة ذهنية والإعلان هناك مباشرة أو عبر مؤثرين؟ أم إننا سنقسم جهدنا ومحتوانا التسويقي بين التطبيقين حتى نرى من يثبت ويستمر أو من يقضي على الآخر؟
ما يحدث اليوم يؤكد أن التطبيقات والإعلام الاجتماعي هي مشاريع ربحية، وبعض الأرباح المستهدفة ليست بالضرورة مالية فهناك الأجندات الشخصية لملاكها، والأجندات الأكبر والأعمق للدول التي تحتضنها.
الشركات التي وضعت ثقلها التسويقي وخططها للاتصال المؤسسي على أساس استمرار واستقرار هذه المنصة أو تلك وأهملت أو أُلغت تمامًا بقية وسائل التسويق والتواصل مع عملائها الحاليين والمستهدفين، وقلّصت من موردها البشري ومن إنفاقها التسويقي وتعاملت مع التسويق الرقمي والاتصال عبر الإعلام الاجتماعي وكأنه دائم ومستقر، هذه الشركات اليوم تعيش قلقًا مبررًا، فهي لا تعرف كيف ستضع ميزانيات ووسائل التسويق للعام 2024م لأن الصورة غير واضحة حتى الآن.
وسائل التواصل الاجتماعي سمتها التغييرات الحادة التي تفرضها المنافسة أو حتى مزاج ملاكها ولا يمكن التعامل معها على أنها ذات نهج تشغيلي ثابت، أنه متغير، وقد يتطرف أحيانًا في التغيير، فضلاً عن المخاطرة الأكبر وهي مقاطعة الناس لهذه الوسيلة أو تلك وبحثهم عن بديل نتيجة تقلبات أنظمتها ومزاجية ملاكها.
هناك شركات وأصحاب أعمال يرتكزون في تسويقهم على جودة المنتج والخدمة، وثقة الناس فيهم، ومواصلتهم الحرص على إتمام خدمات ما بعد البيع، وهذا الفئة قليلة للأسف، لكن بتأمل بسيط تجد أنها أقل المتضررين من تقلبات سوق التواصل الاجتماعي ووسائله، إنهم معروفون لدى الناس جيلاً بعد جيل، ويعتمدون بالدرجة الأولى والأخيرة على السمعة، وهم وإن كانوا بحاجة للتسويق والاتصال للمحافظة على حصصهم السوقية إلا إنهم لا زالوا يعتمدون وسيلة ” فم لفم ” الشهيرة عالميًا بـ ” mouth to mouth ” وهذه تحصل لهم أحيانًا في وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن يكون لهم حسابات فيها أو يدفعوا الملايين في إعلان للحظات.