اتفاقية بين “أرامكو” “و”باوستيل” وصندوق الاستثمارات العامة لإنشاء أكبر مجمع متكامل لتصنيع الألواح الفولاذية
المشروع بمثابة إضافة مهمة لقطاع الصناعة في المملكة حيث تعد الألواح الفولاذية من المنتجات الاستراتيجية التي تدخل في صناعات عدة
كانت لصناعة الفولاذ أو الصلب في جميع البلدان أهمية كبرى من الوجهة الاقتصادية ولها أهميتها السياسية أيضًا، حيث اعتبرت من مفاخر الدولة بين الأمم، وتبدو أهمية الصلب آنذاك في بناء برج إيفل، الذي افتتح بمناسبة المعرض العالمي عام 1889م كأحد دعائم التقدم التكنولوجي.
ويعتبر الفولاذ واحدًا من أكثر المواد استخدامًا في العالم، بإنتاج يُقدر بـ 1.3 مليون طن سنويًا، ويعرف بأنه سبيكة من الحديد تحتوي على عنصر الكربون بالإضافة الى عناصر أخرى تكون سبب في تصنيف أنواعه، تعد أهمية وجود الكربون في سبائك الفولاذ على أنه يكون كعامل صلابة لمنع حدوث اضطراب الذرات، لهذا تصل نسبة الكربون من وزن السبيكة إلى %2.14، ويدخل في صناعة الكثير من وسائل النقل المختلفة، حيث يدخل الفولاذ منخفض الكربون في صناعة السيارات، أما أعمال البناء فتحتاج فولاذا متوسط الكربون، كما يتم تصنيع قضبان سكك الحديد من الفولاذ مرتفع الكربون.
وثمة أشكال أُخرى لاستخدامات الفولاذ كتصنيع خطوط أنابيب النفط والغاز والسفن والمنشآت البحرية، وتصنيع المسامير والبراغي، وصناعة محرّكات الطائرات وتوربينات الغاز، كما يوجد ما يسمى بــ “الفولاذ الكهربائي” المستخدم في عمليات توليد ونقل الطاقة الكهربائية.
علاقة طردية
وتعد صناعة الحديد والصلب من الصناعات الهامة، وذلك لأنّها تقوم بدور حيوي ورئيسي في التنمية الصناعية والإنشائية والاقتصادية للمجتمع، وهناك علاقة طردية بين كمية الحديد المستهلك والنمو الاقتصادي في الدولة كما يقاس مدى تقدم الدول اقتصاديًا بنصيب الفرد من الحديد والصلب.
وأمام ما تخوضه المملكة من غمار تنمية شاملة وتنفذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل الإسكان والطرق والمواصلات والنقل العام وتمديدات الماء والبترول والغاز وبناء السفن والتوجه إلى تصنيع السيارات وغيرها من المعدات والأجهزة، اتخذت المملكة خطوة غير مسبوقة، لتوطين صناعة الصلب في المملكة، وتوفير فرص العمل وخفض فاتورة الاستيراد من الخارج وخلق فرص للتصدير، ووفقًا لرؤية 2030م أعلنت شركة أرامكو السعودية عن توقيع اتفاقية مساهمين مع شركة باوشان للحديد والصلب المحدودة (باوستيل)، وصندوق الاستثمارات العامة لإنشاء أكبر مجمع متكامل لتصنيع الألواح الفولاذية، وهو الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي، وذلك في مدينة رأس الخير الصناعية بطاقة إنتاجية مستهدفة تقدر بحوالي 1.5 مليون طن سنويًا.
منتج استراتيجي
ولا شك في أن المشروع يعد بمثابة إضافة مهمة لقطاع الصناعة في المملكة، حيث تعد الألواح الفولاذية من المنتجات الاستراتيجية التي تدخل في صناعات عدة، إذ من المتوقع أن يوفر المشروع 1800 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وأن يوفر على المملكة واردات بقيمة 1.3 مليار دولار عند تشغيله بالكامل.
ووفقًا للنائب الأعلى للرئيس للخدمات الصناعية في أرامكو، فهد العبدالكريم، فإن الألواح الفولاذية أو ما يطلق عليها في بعض الأحيان الصفائح الحديدية، هي نوع من منتجات الحديد المسطح والسميك، التي تدخل في صناعة الخزّانات في المنصّات البحرية ومنصّات الحفر والأنابيب وصناعة السفن، مشيرًا إلى أن المشروع إضافة مهمة وجديدة لصناعة الصلب في المملكة والمنطقة، ويعكس البيئة الاستثمارية المحفّزة، وإنه من المتوقع أن يضيف 6 مليارات ريال للناتج المحلي للمملكة.
الألواح الفولاذية
ومن المتوقع أن يُقام المشروع طبقًا للمواصفات البيئية العالمية، حيث يستهدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصنع الاختزال المباشر للحديد وفرن القوس الكهربائي، كما يتضمن المشروع فرن حديد الاختزال المباشر الذي سيتم تشغيله بالغاز الطبيعي، وهو أهم ما يميز المشروع عن غيره من مشروعات إنتاج الألواح الفولاذية في العالم.
وقد أوضح نائب المحافظ ورئيس الإدارة العامة للاستثمارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صندوق الاستثمارات العامة، يزيد بن عبدالرحمن الحميّد، أن تطوير منشأة متكاملة لتصنيع الألواح الفولاذية، من شأنه تعزيز التنمية الصناعية في المملكة، فيما اعتبر رئيس مجلس إدارة “باوستيل”، زو جيشين، أن المشروع يُسهم بشكل إيجابي في توطين سلسلة صناعة الصلب، وخلق فرص العمل والازدهار الاقتصادي المحلي في المملكة.
وحول المزايا الاقتصادية للمشروع، ذكر مدير قطاع الصناعات والتعدين في صندوق الاستثمارات العامة، الدكتور محمد بن ناصر الداوود، أنه يساعد بشكل ملحوظ في تقليل الاعتماد على الألواح الفولاذية المستوردة، بتزويد العديد من القطاعات الصناعية الإستراتيجية، ومنها خطوط الأنابيب والحفارات والمنصّات البحرية والخزانات وأوعية الضغط، وبناء السفن، فضلاً عن خدمة قطاعات البناء والتشييد والطاقة المتجددة.
خطط طموحة
وثمة تقارير عدة ترى أن المشروع، الذي من المتوقع أن يبدأ إنتاجه بحلول 2026م يعكس خطط المملكة الطموحة لتنويع مصادر الدخل وتوطين الصناعات سواء الصناعات الثقيلة والسياحة والتكنولوجيات الناشئة، ويعزّز استراتيجيات الاقتصاد الأخضر والاستدامة البيئية، وأن صناعة الصلب تعد القوة الدافعة لتحقيق النمو الاقتصادي بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030م، فضلاً عن أن المشروع يعكس الشراكة المتنامية بين الرياض وبكين، حيث تم توقيع اتفاقيات بقيمة 50 مليار دولار خلال القمة العربية الصينية التي استضافتها المملكة العام الماضي، كما أعلنت “أرامكو السعودية” عن توقيع اتفاقيات مع الشركات الصينية مطلع العام الجاري، منها تصدير 700 ألف برميل نفط يوميًا للصين لإنتاج الكيماويات، مستعرضة أبرز التطورات التي شهدتها العلاقات الاقتصادية بين البلدين، منها: إعلان أرامكو السعودية عن الدخول في شراكة استثمارية لتطوير منشأة تضم مصفاة رئيسية ومجمعًا متكاملاً للبتروكيماويات في شمال شرق الصين، وتوقيع شركة الطاقة أكوا باور، عدة اتفاقيات استراتيجية مع العديد من الشركات الصينية، وكذلك استحواذ أرامكو السعودية على حصة %10 من شركة رونجشنج للبتروكيمياويات الصينية.
وذكر كبير المحللين في شركة استشارات الطاقة وود ماكنزي/ ميهير فورا، أن المشروع يعزّز الأهداف الاستراتيجية لكلا البلدين، وسيدعم خطط المملكة لتعزيز التصنيع المستدام، وتأمين إمدادات الصلب، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، كما سيحقق إيرادات للدولتين، في وقت ينخفض فيه الطلب الصيني على الصلب، معتبرًا أن الجمع بين ما وصفه بـ “براعة المملكة في مجال الطاقة”، والقوة الصينية القوية للصلب، يمكن أن يؤدي إلى شراكة هائلة في صناعة “صلب أخضر” خالٍ من الكربون.
خطوات ثابتة
ويبدو أن المملكة تخطو بخطوات ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحديد والصلب، خاصة مع إعلانها أواخر العام الماضي عن إنشاء 3 مصانع لإنتاج الصلب باستثمارات تزيد عن 9 مليارات دولار وسط مساعيها لتطوير القطاع الصناعي وتقليل الاعتماد على الخارج، اتساقاً مع خطتها الوطنية لهيكلة قطاع الحديد والصلب. علمًا بأن المملكة نجحت في جذب استثمارات دولية لإنشاء قاعدة إنتاجية قوية في الدولة، بهدف بناء اقتصادي قوي ومتنوع.
ومن المتوقع أن تنمو السوق العالمية للألواح الفولاذية منخفضة الكربون بنسبة %6.1، ليصل إلى 701 مليار دولار في عام 2030م و991 مليار دولار في 2033م مقارنةً مع 464 مليار دولار في 2021م و527 مليار دولار في 2022م مدفوعًا بتنامي الطلب في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية وصناعة السيارات الكهربائية، جراء ارتفاع مستوى الوعي بين الدول والجهات المستوردة بفوائده وعوائده المتنوعة، ومنها انخفاض تكلفة الصيانة والقوة العالية، إذ تُعد الإمارات وجنوب أفريقيا ـ إضافة إلى المملكة ـ من أكبر الدول المستوردة لها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلاً عن ثمة توقعات بأن تحقق سوق الألواح الفولاذية المُغلّفة التي تستخدم بشكل كبير في مصافي وخزانات النفط والغاز الطبيعي معدل نمو سنوي مركب يصل إلى %4.3 حتى 2029م مرتفعا من 1.7 مليار دولار عام 2022م إلى 2.3 مليار دولار في 2029م حيث تسيطر على السوق الشركات الآسيوية بنسبة %60 تليها أوروبا ثم الولايات المتحدة.
مركز إقليمي
وتتضمن الخطة الوطنية لهيكلة قطاع الصلب والحديد في المملكة، مراجعة السياسات والتشريعات الداعمة لنمو القطاع واستدامته، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وزيادة توظيف المواطنين، والتي تضمن رفع قدرة القطاع على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.
ويمكن التأكيد على أن المملكة مرشحة بقوة لأن تكون مركزًا إقليميًا لصناعة الألواح الفولاذية، إذ تسخر كافة إمكاناتها لتوطين هذه الصناعة التي تشهد نموًا متواصلاً في السوق العالمية، وهو ما يخلق فرصا استثمارية واعدة في هذا القطاع الاستراتيجي، مدعومًا بالتطورات الإيجابية التي حققها الاقتصاد الوطني خلال الربع الأول من عام 2023م على أساس سنوي، حيث حقق الناتج المحلي معدل نمو بلغ %3.8، ومواصلة الرقم القياسي الفرعي لنشاط الصناعة التحويلية نموه بنسب تتراوح بين %10.3 و%10.5 خلال شهري مايو وأبريل الماضيين، بحسب الهيئة العامة للإحصاء، حيث يعكس ذلك قدرة المملكة على تنفيذ رؤيتها الاستراتيجية لعام 2030م.