اقتصاديات القطاع غير النفطي

معادلة تحصين الاقتصاد

إطلاق أكثر من 200 مشروع في 74 دولة لدعم تصدير المنتجات الوطنية عبر خدمة المناقصات الدولية

 

حقق القطاع غير النفطي في المملكة قفزة كبيرة، خلال السنوات القليلة الماضية، منذ إعلان رؤية 2030م والتي من ضمن أهدافها الرئيسية زيادة حصة القطاعات غير النفطية وتقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل والإيرادات، وهو ما بدأت تظهر ثمارها نتيجة العديد من الخطوات، والسياسات، والأنظمة، والتشريعات.

وبسبب الارتفاع الذي حققته الأنشطة غير النفطية بنسبة %5.5، وأنشطة الخدمات الحكومية بنسبة %2.7، خلال الربع الثاني من عام 2023م زاد الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، والأمر نفسه حدث في الربع الأول إذ نمت الأنشطة غير النفطية في المملكة بنسبة %5.8، مقارنة بما كانت عليه في الفترة نفسها من العام السابق 2022م.

ويؤكد ذلك أن المملكة مستمرة في تحقيق رؤيتها وأهدافها وتدعيم النشاط غير النفطي وتنويع مواردها الاقتصادية ومحفّزات النمو، من أجل تبوء مكانة كبيرة في التحول باقتصادها نحو القطاعات غير النفطية، مثلما حافظت على مكانتها الرائدة على مدى عقود في سوق الطاقة العالمي.

مؤشرات وأرقام

توضح العديد من المؤشرات أن المملكة تسير في اتجاه تحقيق برامجها الساعية لتدعيم النشاط غير النفطي، في إطار تنويع القطاعات القائدة للنمو الاقتصادي، وتعكس العديد من الأرقام والتقارير حجم التطورات الحادثة في هذا الإطار، خاصة خلال الفترة الأخيرة، ومنها:

  • حقق الاقتصاد الوطني نموًا بلغ %8.7 خلال عام 2022م، وهو النمو الأعلى منذ 11 عامًا، وتحديدًا، منذ عام 2011م، عندما وصل معدل النمو إلى %10.
  • بسبب الزيادة الكبيرة في الطلب والتوقعات المبشرة للاقتصاد الوطني ارتفع نشاط قطاع الأعمال الخاص غير النفطي في المملكة، خلال فبراير 2023م، إلى أعلى مستوى له منذ 8 سنوات.
  • أكدت الهيئة العامة للإحصاء أن القطاع غير النفطي نما بنسبة %3.3 بالأسعار الحقيقية خلال 2019م، وهو أعلى معدل منذ 2014م، كما أن إجمالي الإيرادات غير النفطية بلغت في 2019م، حوالي 315 مليار ريال (84 مليار دولار)، أى ما يعادل %34 من إجمالي الإيرادات البالغة 917 مليار ريال (244.5 مليار دولار)، أما خلال عام 2020م فقد بلغ إجمالي قيمة الإيرادات غير النفطية حوالي 358 مليار ريال (95.46 مليار دولار)، وهو ما يعادل %46.5 من إجمالي إيرادات الدولة البالغة 770 مليار ريال (205.3 مليار دولار). في نهاية عام 2022م. كما نما الاقتصاد الوطني بنسبة %5.5 في الربع الرابع مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021م، بعد أن ساهمت الأنشطة غير النفطية في دعم ذلك النمو، إذ بلغ معدل نمو الاقتصاد غير النفطي %6.2 خلال الربع الأخير من 2022م، وشكلت الأنشطة الاقتصادية الأخرى ـ بخلاف النفط والغاز ـ أكثر من %70 من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع.
  • أكد تقرير إنجازات المملكة 2030م، أن جهود المملكة أثمرت عن عودة الاقتصاد لمستويات ما قبل جائحة كورونا؛ حيث حقق الناتج الإجمالي الحقيقي نموًا إيجابيًا بمقدار %3.2 خلال عام 2022م، كما ساهمت عدة مبادرات في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية.

شهادات وتوقعات دولية

تشير العديد من المؤسسات الدولية أنه بعد عدد من الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية في اقتصاد المملكة، فإن هناك تقدمًا ملحوظًا في النشاط غير النفطي في المملكة.

وفي هذا الإطار، توقع صندوق النقد الدولي استمرار النمو في القطاع غير النفطي بصورة قوية، بما يمكن المملكة من احتواء التضخم الكلي، خاصةً أن قوة العملة وإعانات الدعم، فضلاً عن الحدود القصوى لأسعار البنزين كلّها أمور توازن الضغوط التضخمية الناتجة عن انحسار حالة الركود في أسواق العمل وازدهار الاقتصاد غير النفطي.

ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الوطني سينمو مدعومًا بالتحسّن في مستوى الاستثمار الخاص وعوائد النفط، وكذلك لنمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بمستويات ثابتة ومتقدمة، في ظل الاستثمارات الكبيرة في هذا القطاع والمشروعات العملاقة، وخاصةً قطاعات النقل، والبناء، وتجارة الجملة، والتجزئة.

كما أشاد صندوق النقد بإصلاحات “رؤية 2030م”، وخاصةً فيما يتعلق بالتحوّل الرقمي وتنظيم بيئة الأعمال وزيادة الاستثمار الخاص، معتبرًا أن الرؤية تجاوزت بعض الأهداف المحددة لعام 2030م، في ظل الخطط الوطنية المتسارعة من أجل تقليل الاعتماد على النفط وتوفير الحوافز الاستثمارية وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة والتوجه نحو التكنولوجيا.

وكشف تقرير حديث لوكالة “بلومبرج” الأمريكية، أن السياسات التي تنتهجها المملكة بتنويع مصادر الإيرادات والاعتماد على القطاع غير النفطي سيجعلها “محصنة” من المشاكل الاقتصادية العالمية، مشيرًا إلى أن نمو الاقتصاد غير النفطي بنسب تتجاوز الـ %6، سيخلق المزيد من فرص العمل، فضلاً عن أنه حقق المملكة معدلات نمو كبيرة.

وفي السياق نفسه، يرى “نجم حسنين” رئيس فريق الأسواق الناشئة في “مورجان ستانلي”، أن الإصلاحات لدفع النشاط غير النفطي للأمام، وكذلك عملية هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، تساعد البلاد في تحقيق أهدافها المرجوة، حيث تسعى البلاد إلى جذب 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول 2030م من أجل تدعيم القطاع غير النفطي، مع استهداف نمو القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي ليصبح %65.

وفي أبريل 2023م، أشار تقرير بنك الاستثمار “جولدمان ساكس” إلى ارتفاع الإيرادات غير النفطية، ومن ثم ارتفاع الاحتياطات والفوائض المالية الضخمة، وهو مايساعد المملكة على مواجهة أى تقلبات أو أخطار محتملة، مضيفًا أن محفّزات النمو غير المالية الناتجة عن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ستدعم البلاد في حالة تراجع أسعار النفط، وهو ما يسهم أيضًا في تنفيذ خطط التنمية.

أسباب وركائز

لا شك أن هناك العديد من الأسباب وراء نمو القطاع غير النفطي في المملكة وتزايد مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ونمو الاقتصاد الوطني، ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه الأسباب والركائز، فيما يلي:

  • ضمن أولويات رؤية 2030م لتحقيق هدفها الرئيس برفع نسبة الصادرات غير النفطية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى نحو %50 بحلول 2030م، ووفقًا لتقرير إنجازات رؤية المملكة 2030م، فقد تم إطلاق أكثر من 200 مشروع في 74 دولة لدعم تصدير المنتجات الوطنية عبر خدمة المناقصات الدولية التي تحدّد المشاريع والفرص التي تتوافق مع أنشطة المصدرين، وقد تم ذلك بعد مطابقة الأعمال والربط للاستفادة من تلك المناقصات، والتأكد من سلامة الإجراءات والخطوات، ضمن إطار دعم تصدير المنتجات الوطنية ووصولها إلى الأسواق العالمية.
  • ساهمت المبادرات المستمرة في الاقتصاد الوطني إلى بلوغ صادرات السلع غير النفطية 274.9 مليار ريال (73 مليار دولار) خلال 2021م بمعدل نمو وصل إلى %37 عن عام 2020م، ووصلت قيمة عمليات إعادة التصدير حوالي 44 مليار ريال (11.7 مليار دولار) بمعدلات نمو بلغت %23.
  • نفّذت المملكة خطوات ضخمة لتعزيز الاقتصاد غير النفطي، بإقامة مصانع للسيارات وقطع غيار الطائرات بالتعاون مع شركات عالمية، وزيادة حصة القطاع الخاص من الاقتصاد من %40 إلى %65.
  • بهدف تعزيز الإيرادات غير النفطية، قامت المملكة بزيادة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 152 مليار دولار في 2016، إلى 400 مليار دولار في 2020م، كما قام الصندوق منذ عام 2016م، بتأسيس أكثر من 30 شركة في 10 قطاعات حيوية، ووفرت استثماراته أكثر من 331 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في السوقين المحلية والدولية، كما يسعى الصندوق حتى عام 2025م، إلى رفع قيمة الأصول المدارة إلى 4 تريليونات ريال (10.6 تريليون دولار)، وضخ استثمارات محلية تزيد عن 150 مليار ريال سنويا (40 مليار دولار).
  • ساهمت الاستثمارات التي ضخّها صندوق الاستثمارات العامة في الاقتصاد الوطني، وإطلاق المملكة لبرامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في نمو الاقتصاد غير النفطي، كما سرّعت المملكة الاستثمارات في مشروعات ومبادرات ضخمة لتحقيق أهداف رؤية 2030، الهادفة إلى التحول الاقتصادي.
  • في إطار الجهود لتنويع الاقتصاد، كان للعديد من الشركات العملاقة دورها في تنويع ونمو الاقتصاد غير النفطي؛ وعلى سبيل المثال فقد سعت “أرامكو السعودية” أكبر شركة منتجة للنفط في العالم إلى معالجة تأثير التضخم واستخدام مكاسبها النفطية لتسريع تطوير مشروعات التنويع الاقتصادي، وذلك في إطار جهود المملكة المبذولة لاستخدام الفائض لتجديد احتياطياتها، وتعزيز الإنفاق على المشروعات غير النفطية.
  • بدعم من شركات الاتصالات والشركات الصناعية الكبرى، قامت المملكة على مدار العقد الماضي بتطوير النظام البيئي للابتكار في البلاد، وبالفعل فقد أصبحت المملكة من أسرع الدول تحوّلًا في العالم، حيث قامت بتنويع اقتصادها وإضافة قطاعات جديدة كاملة، وعلى سبيل المثال، ففيما منحت شركة أرامكو السعودية حوالي 100 براءة اختراع أمريكية فقط على مدى 77 عامًا حتى عام 2010م، فإنها منحت في عام 2021م، ما يزيد عن الـ 850 براءة اختراع، وفي عام 2022م حوالي 950 براءة اختراع ، وهو ما جعل المملكة تحصل على مراكز متقدمة في مؤشر الابتكار العالمي الذي تصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
  • وصلت المملكة إلى مراكز متقدمة في مؤشرات القدرة التنافسية الرقمية، وفي هذا الإطار، يشير المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، أن مقرّات خمس من أكبر عشر شركات ناشئة تمويلًا في الشرق الأوسط، أصبحت تتواجد الآن في المملكة، مقارنةً باثنين في عام 2020م وواحدة في عام 2017م.
  • أحد الأسباب الهامة لنمو القطاع غير النفطي في المملكة هو “الاستدامة”، حيث التزمت البلاد بالحصول على %50 من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2030م وسجلت مؤسسة تحويل المياه رقمًا قياسيًا لأدنى استهلاك للطاقة في محطة تحلية المياه 2.27 كيلوواط/ساعة للمتر المكعب، وكلها أمور تسهم في تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060م.

خطوات كبيرة

غني عن القول إن المملكة قطعت خطوات كبيرة لتنويع قطاعاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على القطاع النفطي، في إطار سعيها لتحقيق رؤية 2030م، التي من ضمن أهدافها تقليل هيمنة إيردات النفط والغاز على الإيرادات المالية للدولة، حتى لا تتعثر التنمية بسبب اعتماد الاقتصاد الوطني على مورد واحد للدخل.

وقد نجحت بالفعل العديد من خطط وسياسات المملكة الرامية لتنويع الاقتصاد الوطني، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار، وهو ما يسهم في زيادة فرص التوظيف، واستمرار رفع مستوى معيشة المواطنين.

وتأتي قوة معدلات القطاع غير النفطي، والنتائج الإيجابية المتحققة لهذا القطاع على مدى السنوات العشرة الماضية لتكون دليلاً ومؤشرًا على نجاح المملكة في تنويع اقتصادها، وعلى أهمية الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تجريها المملكة من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية وتنويع الاقتصاد، وهو ما يتطلب تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مشاركة الصناديق، وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة في الإنفاق الرأسمالي.