شركات عدة ستعمل قريبًا على إيجاد طرق للتفاعل مع عملائها في عالم ثلاثي الأبعاد يدعم ترشيد الحياة المكتبية
من المقدر زيادة وحدات الـ VR من 39 مليون وحدة في عام 2022م إلى 78 مليون وحدة بحلول عام 2025م
دولة باربادوس الكاريبية تعلن اعتزامها إنشاء سفارة لها في العالم الافتراضي
أعاد ستيفن ماركو ترتيب غرف منزله بتخصيص إحداها مكتبًا استعدادًا لإنجاز مهام وظيفته الجديدة في إحدى الشركات الأمريكية؛ التي لم تشترط عليه الحضور إلى مقر العمل، وإنما إنجاز مهامه من منزله أو أي مكان آخر متواجد فيه، فأصبح كل ما عليه هو ارتداء نظاراته التي منحتها له الشركة الجديدة، وفتح حاسوبه ليبدأ دوامه في العمل، ولكنّها ليست كأي نظارة إنها النظارة الافتراضية التي تتيح للفرد رؤية الأشياء والأماكن بصورة ثلاثية الأبعاد والتنقل بينها في هيئة شخصية رقمية “أفاتار”، فهي تعمل عن طريق وجود شاشة أمام العين تنقلك إلى عالم افتراضي آخر، يمكنك فيه استخدام حواسك البصرية والسمعية والحركية في بيئة عمل افتراضية.
إنها العوالم الافتراضية أو الواقع الافتراضي أو ما يُطلق عليه أيضًا الواقع المُتخيل، وبشكل عام الواقع الافتراضي موجود بالفعل منذ سنوات ويستخدم بالأساس في ألعاب الفيديو، لكنه يظهر الآن بنسخة منقحة عبارة تكنولوجيا حديثة تتيح محاكاة الواقع بانغماس المستخدم داخل التجربة، فهي تتيح تفاعل المستخدم مع الآلة في عالم ثلاثي الأبعاد، يمتزج فيه ما هو حقيقي بما هو رقمي بطرق لا نستطيع تخيلها، وتختفي على أثرها مقرات العمل التقليدية في عالم الأعمال المستقبلي، وبالتالي لن يستغرق الموظفون قضاء ساعات في الطرقات للوصول إلى مكاتبهم، إذ كلّ ما عليهم فعله هو ارتداء نظاراتهم وفتح أجهزتهم المحمولة ليجدوا أنفسهم داخل مكاتبهم الافتراضية معزولين عن عالمهم المادي من حولهم إلى عالم جديد يحاكي الواقع، وبالتالي سيصبح العمل أكثر مرونة ويمكن أداء وظائفهم من أي مكان وفي أي وقت.
الموجة الرقمية القادمة
وحسب دراسات مستقلة أجرتها مجموعة سي بي آر إي (CBRE) التي تعدّ من أكبر شركات العقارات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، واستنادًا لتقرير نُشر في مجلّة وول ستريت جورنال، فإن بيئة العمل عام 2030م ستكون مختلفة كل الاختلاف عن بيئة العمل الحالية، فإن الموجة الرقمية القادمة هي تمامًا أشبه بما حدث قبل عقدين وأكثر من الزمن، عندما تساءلت المؤسسات والشركات، هل هي في حاجة إلى تدشين موقع إلكتروني أم لا؟، ففي المستقبل القريب ستعمل الشركات على إيجاد طرق للتفاعل مع عملائها في عالم ثلاثي الأبعاد يدعم ترشيد الحياة المكتبية، وتتوقع شركة بي دبليو سي (PWC) في تقرير لها أنه سيكون هناك ما يقارب من 23 مليون وظيفة حول العالم تستخدم الواقع الافتراضي والواقع المعزّز بحلول عام 2030م.
وتعد مقرّات العمل الافتراضية إحدى تطبيقات الواقع المختلط التي تتيح إنشاء مقرّات عمل افتراضية تساعد الشركات في خفض التكاليف وزيادة الإيرادات، وتُحسِّن الاتصال والتعاون بين الموظفين، بل وتتيح لهم الالتقاء والعمل معًا في مساحة افتراضية مشتركة، بغض النظر عن مكان تواجدهم الفعلي، ما يُسهل التواصل والاتصال مع العملاء، فضلاً عن أنه من خلال المكتب الافتراضي، يمكن للموظفين الوصول المباشر إلى زملائهم ومديريهم، وبالتالي تسهيل حل المشكلات، وتجنب الصراع الذي ينتج بسبب التقارب في العمل وجهًا لوجه.
ففي مكتب الواقع الافتراضي، لا توجد أي أهمية تقريبًا للموقع الفعلي للموظفين، إذ إنه يقدم فرص عمل للأشخاص البعيدين أو الذين يمنعهم عارض صحي من الانضمام إلى مسارات العمل، ويدعم قيم التعاطف والمساعدة والتعليم وتقليل سوء الفهم والنزاعات، إنه تطور جيّد يخفِّف من قيود العالم المادي بإتاحته القيامَ بأشياء غير ممكنةٍ في الواقع المعاش.
سوق الواقع الافتراضي
وثمة اليوم العشرات من الشركات التي تستخدم بالفعل الواقع الافتراضي على نطاق واسع، فقد اعتمدت علامات سيارات تجارية على الواقع الافتراضي من أجل تصميم نماذج أولية للسيارات الجديدة، كما تقوم مواقع البيع بالتجزئة بتجربة استخدام أدوات الواقع الافتراضي (VR) لمساعدة المستخدمين على تجربة ملابس جديدة أو التحقق من منتج ثلاثي الأبعاد دون الحاجة إلى زيارة متجر شخصيًا.
وقد شهد سوق الواقع الافتراضي نموًا بوتيرة مذهلة؛ ففي بداية عام 2020م بلغت قيمة مساحة تقنية (VR) العالمية حوالي 15.81 مليار دولار، وثمة توقعات بأن يبلغ معدل نموها السنوي المركب حوالي %18، ما يعنى أن الواقع الافتراضي والواقع المعزّز سيشكل مستقبل العديد من الوظائف، ووفقًا لـ (Statista)، بحلول عام 2030م سيتم تعزيز أكثر من أربعمائة ألف وظيفة من خلال تقنية الواقع الافتراضي (VR)، وتقنية الواقع المعزّز(AR) في أمريكا وحدها، مما سيؤدي – بلا شك ـ إلى زيادة الطلب على متخصصي هاتين التقنيتين .
وقد شهدت الآونة الأخيرة بالفعل إقبالاً على استخدام أدوات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزّز (AR) والواقع المختلط (MR)؛ إذ شهدت زيادات سريعة في مبيعات نظارات الواقع الافتراضي، فنظارات (Oculus Quest 2، وPICO VR) تهيمن على السوق حاليًا، ومع دخول (Apple) في هذا المجال من المقدر زيادة وحدات الـ (VR) من 39 مليون وحدة في عام 2022م إلى 78 مليون بحلول عام 2025م.
وكانت قناة “سي إن بي سي” الأمريكية، قد أجرت استبيانًا لتقصي رأي عدد من كبار مديري الشركات، والبنوك حول العالم عن طرق العمل المستقبلي، وخرجت النتائج جميعها لتؤكد على أن “العمل عن بُعد” قد يكون هو الوضع الطبيعي الجديد لكثير من الموظفين والمديرين، وكذلك المراجعين، وأنه قريبًا سوف يعيش العالم تجربة جديدة في العمل عن بعد أكثر تطورًا اعتمادًا على مستجدات الواقع الافتراضي.
كما أن شركات كبرى، مثل: مونديليز وشركة نيشن ـ وايد الأمريكية للتأمين، التي كانت قد أعلنت نموذج عمل جديد، تباشر من خلاله الشركة عملها في أربعة مكاتب رئيسية فقط، بينما سيتابع الموظفون الباقون عملهم من بيوتهم، وسوف تقلص الشركة بهذا النموذج التكاليف المالية بما يضمن لها المزيد من الأرباح، وسيساعد على تقليص نفقات استهلاك الكهرباء، والطاقة، والإيجارات، وغيرها، فضلاً عن أن بنوكًا عالمية، مثل: مورغان ستانلي، وباركليز بنك، تفكر جديًّا في انتقال دائم للعمل عن بعد؛ لما لذلك من إيجابيات، كتقليص مساحات المكاتب، وتقليل الكثير من المصروفات المالية.
الأراضي الافتراضية
ولم يقتصر الأمر على انعكاسات الواقع الافتراضي المكتبية أو مقرّات العمل فحسب، وإنما اتسعت استخداماته لتصل إلى شراء الأراضي الافتراضية، وثمة العديد من المستثمرين أنفقوا ملايين الدولارات لشراء أراض وعقارات افتراضية، ومنها شركة ريبابليك ريلم الأمريكية حيث أنفقت نحو 4 ملايين دولار لشراء أرض افتراضية عبر منصة تتيح دخول المشاركين فيها إلى عالم افتراضي للحوارات واللعب.
ومن جهة أخرى، حصلت شركة توكنز كوم الكندية على قطعة أرض تعتزم تحويلها إلى وجهة للمتاجر الافتراضية للمجموعات الفاخرة، كما أعلنت دولة باربادوس الكاريبية أنها تعتزم إنشاء سفارة لها في عالم “ميتافيرس” الافتراضي، وتلك الأراضي والعقارات يُمكن البناء عليها أو تأجيرها أو بيعها.
لا يزال الواقع الافتراضي تقنية جديدة ومتطورة، وليست جميع الشركات مستعدة للتغيير والانتقال إلى المكاتب الافتراضية، لأن التقنية نفسها لمّا تصل إلى أن تعزّز البيئة المطلوبة لكل عمل، ولكن ينبغي عدم إغفال مسألة مواكبة جميع أشكال التكنولوجيا التي يمكن أن تمنح الشركات ميزة تنافسية، والتغيّرات في مكان العمل قادمة لا محالة، وسيكون من الخطأ تجاهلها، حتى لو بدت هذه التغيرات بعيدة على المدى القصير، فبيئـــة العمـــل في السنوات القادمة ستكون مختلفة كل الاختلاف عن بيئة العمل الحالية.