أسواق معادن

المعادن الحرجة

المعادن الحرجة تعد “العمود الفقري” لصناعة مصادر الطاقة المتجددة

سوق المعادن النظيفة حقق قفزة هائلة ببلوغه 320 مليار دولار العام الماضي

سباق عالمي لتأمين احتياجات العناصر النظيفة، وأفريقيا تسكب الزيت على النار

 

تتجه أنظار دول العالم إلى تقنيات الطاقة النظيفة، في محاولة منها لمواجهة ظاهرة تغير المناخ والاحتباس الحراري، والوفاء بالتزامات الحياد الكربوني، وهو ما أشعل سوق المعادن النظيفة أو ما يطلق عليها المعادن الحرجة حول العالم بسبب الفجوة الواضحة بين الطلب على هذه العناصر وما هو متوفر من معروض.

وتشمل المعادن النظيفة، التي تعد العمود الفقري لصناعة وسائل ومصادر الطاقة المتجددة (الليثيوم والنيكل والنحاس والمنجنيز والكوبالت)، إذ تدخل هذه المعادن في صناعة ألواح الطاقة الشمسية وتوربيدات محطات الرياح وبطاريات تخزين الطاقة.

نمو هائل في الطلب

ودقت وكالة الطاقة الدولية ناقوس الخطر، حين أشارت في تقريرٍ حديثٍ لها، إلى أن سوق هذه المعادن حقق قفزة هائلة ببلوغه 320 مليار دولار العام الماضي، وسط توقعات بأن ينمو الطلب عليها بنسبة 350% بحلول 2030م، محذرةً من التحديات التي تواجه سوق هذه المعادن، والتي تتمثل في تقلبات الأسعار واضطراب سلاسل التوريد والتوترات الجيوسياسية.

وأشار محلل قطاع الطاقة بوكالة الطاقة الدولية/ تاي يون كيم إلى أن تنامي الطلب على هذه المعادن خلال السنوات الخمسة الماضية جاء مدفوعًا بالطلب المتزايد لإنجاز الكم الهائل من مشروعات الطاقة النظيفة، لافتًا إلى ارتفاع الطلب على الليثيوم بنسبة 300% والكوبالت بنسبة 70% والنيكل بنسبة 40%، ولفت إلى أن العام الجاري سوف يشهد كمًا واعدًا من الإعلانات عن المشروعات الجديدة، بعد ارتفاع الاستثمارات في المعادن النظيفة بنسبة 20% في 2021م وبـ 30% إضافية في 2022م.

تاي يون كيم

سباق عالمي

ويؤكد خبراء على أن العالم يمر حاليًا بما يمكن وصفه بمرحلة السباق المحموم أو الصراع بشأن تأمين احتياجاته من المعادن النظيفة للمضي قدمًا في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة وتحقيق الحياد الكربوني، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا عن عزمها بناء أول مصفاة لاستخراج المعادن الأرضية النادرة لتصنيع الطاقة النظيفة، وتقليل اعتمادها على الصين، حيث رصدت 16 مليون دولار لأبحاث تقوم بها الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لتطوير سلاسل الإمداد المحلية لهذه المعادن، بموجب قانون البنية التحتية الذي تبلغ قيمته تريليون دولار، حيث تستورد واشنطن حاليًا 80% من هذا المعادن اللازمة لصناعة وسائل الطاقة النظيفة والهواتف الذكية والسيارات الكهربائية، في إطار مساعيها لتحقيق اقتصاد حيادي الكربون بحلول 2050م.

جيف تاونسند

ومن أجل البحث عن مصادر بديلة، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تعاون مع استراليا التي تمتلك احتياطات هائلة من النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت والأتربة النادرة، لإمدادها بهذه المعادن وتعزيز التعاون في مجال مكافحة تغير المناخ وصناعة تقنيات الطاقة المتجددة.

وتعد الصين أكبر لاعب عالمي في سوق المعادن النظيفة، حيث تسيطر على 40% من النحاس و35% من النيكل و65% من الكوبالت و58% من الليثيوم، و87% من المعادن الأرضية النادرة، كما تسيطر على 98% من الصادرات العالمية من عنصر الغاليوم، ونظرًا لأهمية هذا العناصر في التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر، فإن الأمر يتطلب زيادة الإنتاج العالمي منها بمقدار 40 ضعفًا، حيث يشتعل التنافس بين الدول الكبرى لتقليل الاعتماد على الصين، والبحث عن بدائل محلية لتأمين احتياجاتها المتنامية.

ويمكن القول بأن الحرب الأوكرانية والعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا تمثل أحد أهم أسباب اضطراب السوق العالمي للمعادن النظيفة، وتم الكشف عن ضعف هذا السوق بالنظر إلى أن موسكو تعد ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم، وثاني أكبر منتج للكوبالت، وكلاهما مكونان رئيسيان في بطاريات أيونات الليثيوم وغيرها، بحسب خبراء.

جوناثان ويلكينسون

وكان المجلس الأوروبي قد أعلن عن السماح لمفوضيته بإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاقية بشأن المعادن النظيفة، وتسعى هذه الاتفاقية إلى تنويع سلاسل توريد المعادن الهامة وتخفيف بعض الانعكاسات السلبية لقانون خفض التضخم الأمريكي (الذي يتضمن أكبر حزمة لمواجهة تغير المناخ ومنح مزايا لخفض الانبعاثات الضارة بقيمة 430 مليار دولار) على القطاع الصناعي للاتحاد الأوروبي.

وفي ذات السياق، ذكرت مديرة المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية/ فيلينا تشاكاروفا، أنه في خضم التنافس العالمي حول تأمين المعادن الأرضية الحرجة تقف القارة الأوروبية عند مفترق طرق للبحث عن هذه المكونات الاستراتيجية الضامنة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر،  مشيرةً إلى أن الصين تستحوذ على 80% من إمدادات هذه المعادن لدول الاتحاد الأوروبي، ومع توافر صخور الفوسفات (70 مليار طن) والمعادن الأرضية النادرة في السويد والدول الاسكندنافية، فإن قدرتها على تأمين إمدادات ثابتة من هذه المواد يمكن أن يحدّد مستقبلها في عالم محايد كربونيًا.

وفي بريطانيا، أشار مؤسس جمعية المعادن النظيفة/ جيف تاونسند إلى أن بلاده لا تنعم بالجيولوجيا وتاريخيًا تعد منتجًا ثانويًا لهذه المعادن، وإزاء هذا الوضع أطلقت لأول مرة استراتيجية المعادن الحرجة في يوليو من العام الماضي، بهدف تسريع وتعزيز القدرات المحلية، وتكثيف التعاون مع الشركاء الدوليين لتأمين سلاسل إمداد جديدة.

وتسعى الهند إلى إضافة 500 ميجاوات من الطاقة النظيفة بحلول 2030م وهي تكفي لتزويد 300 مليون منزل بالطاقة، والوصول إلى صفر انبعاثات بحلول 2070م لذا تضع خططا لتكثيف استخراج عنصر الكروم من المناطق الجبليةا لدعم جهودها للتوسع في توطين صناعة الألواح الشمسية ووسائل الطاقة النظيفة.

يأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه كندا لإطلاق استراتيجية المعادن النظيفة، ورصدت الحكومة ميزانية تقدر بنحو 4 مليارات دولار لدعمها، وقال وزير الموارد الطبيعية/ جوناثان ويلكينسون:”بشكل عام ما من انتقال طاقي محتمل بدون المعادن النظيفة، ومن هنا تأتي الأهمية المتزايدة التي توليها الاقتصادات المتقدمة لمرونة سلاسل توريد هذه المعادن”.

قيود أفريقية

تطوّر آخر يعتبر بمثابة صب الزيت على النار وإشعال مزيد من التنافس بين الدول للحصول على عناصر الطاقة المتجددة، أعلنت أكثر من 12 دولة أفريقية (من بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية ونامبيا ونيجيريا) إلى وضع قيود صارمة على صادرات المعادن النظيفة، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من وضع هذا القيود، مما يؤثر بشكل كبير على خطط الدول الأوروبية للتحوّل إلى الاقتصاد الأخضر.

وذكر معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية أن القارة السمراء تمتلك 30% احتياطيات المعادن في العالم، بما في ذلك الكوبالت في العد اندلاع العمليات العسكرية، والتي تقدر بحوالي 500 ألف طن، في الوقت الذي يتسارع فيه الطلب العالمي على هذه المعادن، حيث أدت الحرب الأوكرانية إلى نقص في المعروض، وبالتالي البحث عن أسواق بديلة، لكن السوق الأفريقي مازالت تفتقر إلى الاستقرار والاستدامة، بسبب المشكلات التي تعاني منها الدول الأفريقية نفسها.

خطوات عربية

وتشير تقديرات غربية إلى أن الإنفاق العالمي على مشروعات الطاقة المتجددة من المتوقع أن يصل إلى 620 مليار دولار خلال العام الجاري، مقارنة بنحو 560 مليار دولار عام 2022م وليست الدول العربية بمنأى عن هذه الاستثمارات الضخمة، مما دفعها ـ شأنها شأن باقي دول العالم ـ إلى البحث عن وسائل متنوعة لتوفير مصادر مستدامة للمعادن النظيفة.

ووقعت المملكة وبريطانيا في مايو الماضي خطاب نوايا لتعزيز التعاون في مجال هذه المعادن، وترسيخ الالتزام بالتطوير المشترك لسلاسل توريد المعادن الحرجة اللازمة للانتقال العالمي إلى الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية، في خطوة تعكس اهتمام المملكة بتأمين احتياجاتها من هذه المعادن الاستراتيجية.

وأكد وزير الصناعة والثروة المعدنية/ بندر بن إبراهيم الخريف أن البلدين تشتركان في رؤية تهدف لضمان توافر المعادن اللازمة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، مع الحفاظ على معايير الاستدامة العالية، حيث سيتيح خطاب النوايا للدولتين تنويع سلاسل التوريد للمعادن الحرجة لعدد من الصناعات كثيفة الاستخدام للمعادن، بما في ذلك تصنيع السيارات الكهربائية، والطيران، والدفاع، والطاقة المتجددة.

وأخيرًا فإن تعدد استخدامات المعادن النظيفة ودخولها في صناعات عدة، ليست فقط مشروعات الطاقة المتجددة، بل الأجهزة الطبية والسيارات أيضًا، فضلاً عن الظروف الجيوسياسية التي يمر بها العالم، والخطوات المتسارعة لتحويل العالم إلى “قرية خضراء”، مما دفع بعض المحللين إلى وصفها بـ”المعادن الاستراتيجية” التي أصبح تأمين إمداداتها قضية تشغل بال العالم أجمع.