الذهب يلمع بريقه دائمًا عند الأزمات وعند حصول التوترات الجيوسياسية، فيحصل طلب عليه ويسجل قفزات سعرية يلفت فيها أنظار المتعاملين وخصوصًا عندما يتجاوز مستويات الـ 2000 دولار، هنا تزداد التكهنات والتحليلات وتقارير البنوك والبيوت المالية التي تتحدث عن أهداف تصل أحيانًا إلى ما فوق الـ 3 آلاف دولار.
ويجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من أن الأسعار قفزت عدة مرات وتداولت لفترات عديدة فوق الـ 2000 دولار، ولكن رغم كل ذلك لم يحصل أي إقفال شهري لأسعار الذهب فوق هذه المستويات، أو بمعنى آخَر، لم يحصل ولا مرة أن المعدن الأصفر استطاع أن يكون سعره في نهاية كل شهر فوق الـ 2000 دولار.
من الملاحظ أيضًا أن الذهب استعاد الكثير من الاهتمام والشعبية في الأشهر السابقة بعد الارتفاعات المتتالية وتصدر العديد من عناوين أخبار الأسواق؛ إذ يُذكر أن الرقم القياسي المسجل هو عند مستويات 2075 دولار.
في المقابل هناك عدد كبير من الأفراد لا يحبذون الاستثمار في الذهب ويفضلون الأسهم على ذلك، لكن مهما كانت نظرة المستثمر إلى نوعية الأصول عليه أن يدير المخاطر أولاً قبل التفكير باغتنام أي فرصة أو بمعنى آخَر، المحافظة على رأس المال في فترات عدم اليقين التي تمر بها الأسواق، وهو أمر جدًا مهم.
ولكن لا يمنع الاستفادة من أي حركة كبيرة بشرط أن يقابلها دائمًا قياس للمخاطر، لأن في حالة إهدار قسم كبير من رأس المال، ستصبح مهمة المستثمر صعبة في استرجاع رأس ماله، وأيضًا لن يكون باستطاعته اغتنام الفرص القادمة بشكل مريح.
وهنا دائمًا تأتي المقولة الشهيرة لـ “وارن بافيت” والذي هو أفضل مستثمر في العالم وهي: النصيحة الأولى: لا تخسر المال، والنصيحة الثانية: لا تنسى النصيحة الأولى.
هناك أيضًا عامل مهم جديد بالنسبة لاتخاذ قرار المجازفة في الاستثمار، بحيث أصبح خسارة مبلغ من المال، أقل قبولاً لدى المستثمر الفردي، مقارنة بالفترة السابقة وبالتالي أصبح أكثر ترددًا في اتخاذ القرارات.
ولكن في المقابل، ومع التقلبات والتطورات والأزمات التي شهدتها الأسواق في السنوات الأخيرة، نستطيع القول إن المستثمر اكتسب خبرة كبيرة من الأحداث، ومن السيناريوهات الكثيرة والحلول وتحركات البنوك المركزية العالمية، من أجل التصدي لكل أزمة على حدة، لذلك مستثمر اليوم ليس كمستثمر الثمانينات أو التسعينات.
ونضيف إلى ذلك عامل التكنولوجيا، الذي دخل بقوة إلى الأسواق، من حيث تنفيذ الصفقات، وبالتالي ترتفع حدة التقلبات، وأيضًا العدد الكبير من المنتجات الجديدة، والتي أصبحت في متناول المستثمر بشكل سريع، وبالتالي يوجد لديه خيارات كثيرة لم تكن موجودة في السابق، وهذا يؤدي دائمًا إلى جلب المزيد من الصفقات وارتفاعات قوية في أحجام التعاملات، لكن يبقى الهدف الأول للمستثمر هو أن يحصل على أسعار مغرية لا أسهم شركات قوية، ونقصد هنا شركات تعرضت لهزة قوية مع الجو العام للأسواق، وليس بسبب مشاكل داخلية خاصة بالشركة نفسها، وبالتالي دائمًا تكون فرصة عند شراء شركات القيمة والتي يفضلها “وارن بافيت”، لأن السوق يعود وحتى لو أخذ بعض الوقت، يعود ويعطي هذه الشركات قيمتها العادلة، ويكون بذلك الذي اشترى بأسعار مغرية، حقق عوائد استثمارية مغرية، وينطبق ذلك على القول المأثور: “في أوقات الأزمات تصنع الثروات”.
نعم ذلك صحيحًا، ولكن أيضًا يجب أن نذكر أنه عند الأزمات يحصل الكثير من حالات الإفلاس، وبالتالي نعود إلى المربع الأول وهو إدارة المخاطر، والذي هو حجر الأساس الأول في الاستثمار.
فهدف كل مستثمر طويل الأجل هو اختيار الأسهم المناسبة، والتي يستطيع الاحتفاظ بها لسنوات عديدة، وأن يكون لها مركز مالي قوي ولا يتأثر نشاطها بالمتغيرات وتظل تحقق مبيعات قوية ومنتجاتها مطلوبة، وبالتالي المستثمر، لا ينظر إلى التحركات اليومية أو الأسبوعية، فمثلاً “بافيت” ورغم شهرته الواسعة لا يستطيع أن يتحول إلى مضارب، فهو يعطي تحليله بماذا سيحصل بعد سنوات طويلة، ويعجز عن التكهن ماذا سيحصل بعد شهر مثلاً، لأنه كما يردد دائمًا، لا يهتم إلى التحركات على المدى القصير، وبالتالي تكون نظرته طويلة المدى بالنسبة لأسعار الأسهم، لذلك عندما يدخل في صفقة معينة، فيكون ذلك بناء على نظرة مستقبلية على أداء الشركة، ولا يتأثر بأي تحركات جانبية.
وأكثر من ذلك، عندما يحصل انهيارات في الأسواق أو هبوط حاد، أحيانًا يزيد من حصته كما يقول في بعض الأسهم المفضلة لديه، والعامل الأهم لديه، أنه يمتلك دائمًا سيولة كبيرة يستطيع إذا أراد، أن يقوم بردة فعل تجاه أي حركة قوية في السوق، ويصرح دائمًا أنه يحتفظ بنسبة كبيرة من السيولة مهما حصل، وهنا أهمية استمراره في سوق الأسهم وحتى بعد تخطيه عمر الـ 90 عامًا.
طبعًا هذه السيولة لعبت في السابق دورًا كبيرًا أثناء الازمات، عندما دخل في صفقة كبيرة وضخ 5 مليارات دولار في بنك أوف أمريكا عام 2011م وأنقذه من أزمة قوية عصفت بهذا المصرف العريق بسبب موضوع سقف الدين وقتها.
في النهاية، يجب الأخذ في الاعتبار شخصية المستثمر، والتي تلعب دورًا كبيرًا في قراراته بالنسبة إلى نوعية الأسهم، التي يختارها وتداعيات المخاطر التي يستطيع أن يتحملها.