الفحم لاڤندر

عودة الوقود الأسود!

استهلاك الاتحاد الأوروبي من الفحم سيبلغ 490 مليون طن متري، صعودًا من 447 مليون طن متري في عام2021م و392 مليون طن متري في عام 2020م

للوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية يجب إيقاف جميع محطات توليد الطاقة بالفحم في البلدان الغنية بحلول عام 2030م على أبعد تقدير وبحلول عام 2040م في بقية العالم

 

يعيش العالم حالة طوارئ مناخية يحاول خلالها الحد بكل الطرق الممكنة من ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك بالعمل على التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الذي ارتفع إجمالي انبعاثاته المرتبطة بالطاقة في عام 2022م، بحسب الوكالة الدولية للطاقة، بما نسبته 0.9% لتصل إلى أكثر من 36.8 مليار طن، وعلى الرغم من أن هذا المعدل يبقى أقل مما كان متوقعًا نظرًا للتوسع الملحوظ في استخدامات الطاقة النظيفة، فإنه يؤشر بتراجع نسبي للجهود الدولية وإطالةً لأمد الحد من هذه الانبعاثات، والتي أسهمت فيها عوامل عديدة لعل أبرزها عودة الوقود الأسود أو ما يُعرف بالوقود المنبوذ، بتحوُّل عديد من الدول بسبب اضطراب إمدادات الغاز الطبيعي إلى ”الفحم”.

إمدادات الفحم العالمية

وكانت إمدادات الفحم العالمية قد ارتفعت وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية بنحو 5.4% في عام 2022م على أساس سنوي، لتصل إلى 8.318 مليار طن، لتتجاوز بذلك المستوى القياسي المسجَّل عام 2019م، وتُعَدّ الصين أكبر منتج للوقود الأسود في العالم، إذ بلغ إنتاجها عام 2022م وفق بيانات المكتب الوطني للإحصاء نحو 4.49 مليار طن متري، ما يُمثِّل نصف الإمدادات العالمية تقريبًا، وفي المقابل تأتي الهند كثالث أكبر مصدر للانبعاثات في العالم مدفوعةً بارتفاع استهلاكها من الفحم الذي يمثل أكبر مصادرها لتوليد الكهرباء، ومن المتوقع أن يشكل الفحم نحو 54% من توليد الكهرباء في الهند بحلول عام 2030م.

سنوات إلى الوراء

وقد عادت الأدخنة تتصاعد مرةً أُخرى من فوهات محطات توليد الطاقة الكهربائية في أوروبا، فبعد توقف بعضها عن العمل لأكثر من سبع سنوات مضت، عاد عديد من الدول الأوروبية إلى استخدام الفحم كمصدر لتوليد الكهرباء، ورغم أن أوروبا كانت تحتفل بالتوجه نحو إغلاق نصف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، إلا أن تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، أعادت دول القارة سنوات إلى الوراء، فوفق بيانات رسمية صادرة عن المفوضية الأوروبية، يبلغ إجمالي عدد محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة بالفحم في دول التكتل 324 محطة، كانت نصفها قد أُغلقت بشكل نهائي بحلول ديسمبر2021م.

إعادة محطات الفحم

وعلى مستوى الاستهلاك، تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إلى أن استهلاك الاتحاد الأوروبي من الفحم سيبلغ 490 مليون طن متري، صعودًا من 447 مليون طن متري في عام2021م و392 مليون طن متري في عام 2020م.

وبعد أن كانت ألمانيا باعتبارها الدولة الرائدة في التخلص من مصادر الطاقة الأحفورية، والحد من انبعاثات الكربون، فإنها تفعل العكس حاليًا؛ إذ يأتي حوالي 31% من الكهرباء المولدة لديها من الفحم، وذلك مقارنة بـ 8% فقط في عام 2015م، والأكثر من ذلك إنها دخلت نادي أكبر 10 مستهلكين للفحم على مستوى العالم، وكذلك الحكومة النمساوية التي أعلنت أنها ستعيد هي الأخرى تشغيل محطة طاقة تعمل بالفحم الحجري لمواجهة تداعيات قرار شركة غازبروم الروسية خفض صادراتها من الغاز إلى دول في الاتحاد الأوروبي، وذكرت الحكومة النمساوية أنها ستعمل مع المورد الرئيس للكهرباء في البلاد، على إعادة تشغيل محطة طاقة في مدينة ميلاخ الجنوبية التي تعمل بالفحم الحجري.

هدف مؤجل

وعلى الرغم مما ينتجه الفحم من نسبة أكبر لثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام عن جميع أنواع الوقود الأحفوري، مما ينتج عنه ضعف كمية الغاز الطبيعي، كما أنه يتسبب في تلوث الهواء عن طريق إطلاق الجسيمات عند الاحتراق، إلا أن التخلص التدريجي من استخدام الفحم، والذي كان أمرًا أساسيًا لمعالجة تغيُّر المناخ، أصبح هدفًا مؤجلًا لعديد من الدول الأوروبية بصدارة ألمانيا وفرنسا، في انتصار لمصالحها الضيقة على حسب التغير المناخي الذي طالما نادى به الغرب.

وتؤكد وكالة الطاقة الدولية، أنه للوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية بحلول عام 2050م، يجب إيقاف جميع محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في البلدان الغنية بحلول عام 2030م على أبعد تقدير وبحلول عام 2040م في بقية العالم، ورغم ذلك تشير جميع التوقعات تقريبًا إلى أنه سيظل الفحم يؤدّي دورًا رئيسًا في مزيج الطاقة العالمي، إذ ترى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي والفحم سيظل قائمًا، من أجل تلبية متطلبات الحمل الكهربائي، ودعم موثوقية الشبكة في أوقات عدم توافر الطاقة النظيفة.

 

الحياد الكربوني

وفي عام 2022م لم تكن البيانات جيدة فيما يتعلق بمستهدفات الحياد الكربوني؛ إذ ارتفعت انبعاثات الفحم إلى مستوى قياسي بنسبة 1.6% أو 243 مليون طن، عند 15.5 مليار طن من الكربون، لتتجاوز بذلك ذروتها عام 2014م بنحو 200 مليون طن تقريبًا، كما أنه شكّل حصة كبيرة من نمو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة خلال العام نفسه والذي بلغ 321 مليون طن. وبحسب تقرير لموقع الطاقة فإن وضع انبعاثات الفحم في السياق الإجمالي، فإن الوقود الأسود يمثّل 42% (15.5 مليار طن) من انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة، البالغة 36.8 مليار طن بنهاية 2022م يليه النفط بنسبة تتجاوز 30% (10.69 مليار طن)، ثم الغاز الطبيعي بحصّة 18.3% (7.49 مليار طن).

 

الكهرباء المستهلكة

ويُعدُّ الفحم الحجري، صخر أسود أو بني اللون قابل للاشتعال والاحتراق، وعند احتراق الفحم الحجري فإنه يعطي طاقة على شكل حرارة، ويمكن استعمال الحرارة الصادرة عن احتراق الفحم الحجري في تدفئة المنازل، وفي عمل منتجات عديدة مختلفة، ولكن الاستخدام الأساسي لهذه الحرارة هو في إنتاج الكهرباء، وتعطي معامل إنتاج الطاقة باحتراق الفحم الحجري ثلثي الكهرباء المستهلكة في العالم، ويستعمل الفحم الحجري كذلك في إنتاج فحم الكوك وهو مادة خام أساسية في صناعة الحديد والفولاذ. وتنتج مواد أخرى عن عملية إنتاج فحم الكوك، يمكن استعمالها بدورها في صناعة بعض المنتجات كالأدوية والأصباغ والأسمدة.

 

الفحم الحجري

وكان الفحم الحجري في فترة ماضية المصدر الرئيس للطاقة في جميع البلدان الصناعية، وقد أنتجت المحركات العاملة بالبخار الناتج عن احتراق الفحم الحجري، معظم القدرة اللازمة لهذه البلدان منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، ومنذ بداية القرن العشرين، أصبح النفط والغاز الطبيعي المصدرين الرائدين للطاقة في معظم أرجاء العالم، وعلى نقيض الفحم الحجري؛ فإن النفط يمكن تحويله إلى بترول ومواد وقود أخرى لازمة لتشغيل وسائل المواصلات الحديثة، وقد حل استعمال الغاز الطبيعي محل الفحم الحجري لتوليد الطاقة الحرارية، ولكن يجُرى حاليًا استهلاك موارد العالم من النفط والغاز الطبيعي بسرعة، وإذا ما استمر الاستهلاك بالمستوى الحالي فإن موارد النفط قد تستهلك وتنضب في أوائل القرن الحادي والعشرين، كما أن موارد الغاز الطبيعي ستنضب بدورها في أواسط القرن الحادي والعشرين، أما مصادر العالم من الفحم الحجري فهي باقية ومستمرة إلى حوالي 220 سنة مقبلة، وذلك بحسب معدلات الاستهلاك الحالية.

 

محتوى قليل من الكبريت

ومع ذلك فإن تكلفة الفحم الحجري المستخدم في إنتاج الكهرباء ستزداد بالتأكيد، وذلك بالرجوع إلى عديد من الأسباب لعل أبرزها التوجهات العالمية من أجل المحافظة على البيئة والوصول إلى شروط بيئية مثالية؛ إذ إن معامل إنتاج القدرة الكهربائية التي تقوم بحرق الفحوم الحجرية ذات محتوى متوسط أو محتوى عالٍ من الكبريت عليها أن تنفق أموالاً مُضاعفة من أجل إنشاء معامل لغسل ثاني أكسيد الكبريت، وللحصول على فحم حجري ذي محتوى قليل من الكبريت، يجب على معامل إنتاج القدرة الكهربائية إنفاق المال اللازم لاستيراده من مواطن إنتاجه الرئيسة، وعند استهلاك ترسبات الفحم الحجري القريبة من سطح الأرض يتعين حفر مناجم أعمق، وبالتأكيد فإن التكلفة العالية اللازمة لتشغيل المناجم بالغة العمق ستضاف إلى أسعاره، وبالتالي يضع منتجو القدرة الكهربائية كغيرهم من رجال الأعمال زيادة التكلفة على المستهلك، وهكذا نرى أنه ومع توفر الفحم الحجري فإن الطاقة التي يعتمد إنتاجها عليه ستكون مكلفة للغاية.

ويبقى أن التخلّص النهائي من الفحم حول العالم، قد لا يحدث وفقًا لما خطط له، ولكن ربما تقود زيادة البحث والتطوير في التقنيات الناشئة المتعلقة باستغلال موارد الفحم يمكن أن تكون حلاً جيدًا في التقليل من انبعاثاته الكربونية.