الإبل تقرير

الإبل صناعة وأصالة

بمليون و600 ألف رأس، منها 57.7% في مناطق الرياض والشرقية ومكة المكرمة، تأتي المملكة في المرتبة الثالثة كأكبر دولة عربية مالكة للإبل

“عام الإبل”، سيكون له كثير من الأبعاد التطويرية التي سوف تنعكس إيجابًا على مسيرة صناعة الإبل والانتقال بها إلى العالمية

 

(كلها خير.. الاستثمار فيها بكر)، لها تاريخ عريق ومكانة خاصة لدى الشعوب العربية، فقد كانت سفينة صحرائهم ومصدر رزقهم؛ إذ تعد الإبل التي تُعرف بقدرتها على المعيشة والتنقل، وتحمل الظروف البيئية القاسية، جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والاقتصادية لبلدان العالم العربي.

وفي خطوة تجسِّد اهتمام المملكة بربط التكوين الثقافي بالميراث الإنساني، والارتقاء بصناعة الإبل ومردوداتها الاقتصادية، وافق مجلس الوزراء في ديسمبر 2023م على تسمية عام 2024م بـ”عام الإبل”.

مكانة خاصة

ومع اكتشاف الفوائد الصحية الهائلة للحومها وحليبها وجلودها باتت الإبل صناعة تزدهر واستثمارًا يؤشر بالتوسع في مناطقها التقليدية وفي أوروبا وآسيا وأمريكا وأستراليا التي كانت حتى وقت قريب تعدمها في الصحاري.

وللإبل مكانة خاصة في المملكة التي تأتي في المرتبة الثالثة كأكبر دولة عربية مالكة للإبل بعد الصومال والسودان، وتمتلك منها ما يقدَّر بنحو مليون و600 ألف رأس، 57.7% منها في مناطق الرياض والشرقية ومكة المكرمة، وتُعدّ رمزًا أصيلًا لحياةِ الصحراء وإنسان الجزيرة العربية، ارتبطت بتاريخه وحياته على مر العصور، فحين كان ابن جزيرة العرب يعتمد على معطيات الطبيعة بشكلٍ أكبر، حضرت الإبل بقوةٍ في تفاصيله اليومية. ومع التمدُّن الحديث، لم يستغنِ الإنسان العربي عن الإبل، فبعد أن كانت شريكًا في سابق الأيام، أصبحت رمزًا وطنيًا ذي جدوى اقتصادية.

أنواع الإبل

ويقتني الإنسان العربي الإبل مدعاة للفخر وحفاظًا على التراث وتمثل جزءًا من تقاليد الآباء والأجداد على مر العصور وفخرًا بنوعيتها المميزة وأعدادها، ومن أشهر أنواع الإبل “المجاهيم”، وتسمى “الإبل النجدية” وتتصف بسواد لونها، وكبر حجمها وغزارة إنتاجها للحليب، ولا تستعمل للركوب أو الحمل إلا في الضرورة، و”المغاتير” ومنها “الوضح”، وهي متوسطة الحجم معتدلة الإدرار للحليب جميلة المظهر، و”الشقحاء” الأقل بياضًا من الوضح وهي نوع من أنواع المغاتير إنتاجها للحليب متوسط، و”الشعلاء” التي لها ألوان متداخله بين الأحمر والأشقر، متوسطة الإنتاج للحليب تمتاز بسرعة الجري، و”الصفر” التي تمتاز بغزارة وبرها ولونها خليط بين الأبيض والأحمر وإنتاجها من الحليب متوسط، و”الحمر”، وهي متوسطة الحجم قليلة إدرار الحليب، و”الأوارك” وتسمى “حر الإبل” أحجامها متوسطة إلى صغيرة، متوسطة الإدرار للحليب وذات وبر خفيف وسميت بالأوراك لتوجدها في المناطق التي تنمو فيها أشجار الأراك.

وقد اتخذ كثيرون ممن يرتبطون بالجزيرة العربية من الجمل رمزًا لحياتهم، وراحوا يستعيدون به ذاكرة المكان، ويحيون تفاصيله كافة، ليكون شريكًا تراثيًا دائمًا، إضافةً لما يمدهم بمصدرٍ غذائيٍ مهم، من لحوم وحليب وجلود، ومورد اقتصادي متجدد.

عام الإبل

وللارتقاء بصناعة الإبل ومردوداتها الاقتصادية في المملكة، وافق مجلس الوزراء في ديسمبر 2023م على تسمية عام 2024م بـ”عام الإبل”، ليُشكل هذا القرار امتدادًا للرعاية الملكية للتراث والثقافة، والحرص على إنسان الوطن وتاريخه وثقافته وتراثه، وهو ما سيكون لها كثير من الأبعاد التطويرية في مسيرة صناعة الإبل التي باتت تُشكل بعدًا اقتصاديًا ورافدًا حيويًا يمكن له أن يُسهم بقدر ملموس في مسيرة تنويع الاقتصاد الوطني والاستغلال الأمثل لموارده.

علامة تجارية

وكان صندوق الاستثمارات العامة، قد أسس شركة “سواني”، التي دشَّنت علامتها التجارية تحت اسم “نوق”، بهدف تمكين نمو قطاع منتجات حليب الإبل، والإسهام في تطوير منظومة الإنتاج المحلية للوصول إلى قطاع مستدام، وانطلاقًا من حرص المملكة على دعم قطاع الزراعة والأغذية، وتنويع الاقتصاد المحلي تماشيًا مع رؤية 2030م، اكتسبت منتجات الإبل اعترافًا وأهمية كبيرة في المملكة، لإمكاناتها الهائلة في مختلف الصناعات.

ويأتي هذا التوجّه لتمكين قطاع منتجات الإبل، كونها جزءًا رئيسًا في تاريخ المملكة، ومكوّنًا حيويًا في نمط الحياة قديمًا، وظلّت مصدرًا غذائيًا ينتفع بحليبها ولحومها، وكذلك الاستفادة من جلودها ووبرها، في حين أن التوجهات المستقبلية تحافظ على هذه الثروة وتوسّع من نطاق الاستفادة منها باستخدام أحدث وسائل التقنية، ما يفتح آفاقًا واسعة من الاستثمار بالابتكار في منتجاتها.

وتقدّر أعداد مشاريع المملكة المختصة في حليب الإبل ومشتقاته بثلاثة مشروعات مرخّصة، إضافةً إلى ثلاثة مشروعات أُخرى حصلت على الترخيص المبدئي لمزاولة النشاط، وذلك بهدف إنتاج منتجات حليب إبل صالحة للاستهلاك وخالية من مسببات الأمراض، ومحاربة العرض العشوائي لحليب الإبل، وزيادة المنتج من منتجات حليب الإبل.

ويتميز حليب الإبل باحتوائه نصف نسبة الدسم الذي يحتويه حليب البقر، ما يجعله مثاليًا للمحافظة على الصحة، وبذلك أخذ يُعرض على أرفف المتاجر باعتباره علامة تجارية فاخرة يباع اللتر منه بحسب بلومبيرج للشؤون الاقتصادية بـ 19 دولارًا في أجزاء من آسيا، ويتضمن كذلك حليب الإبل وفق جمعية صناعة الجمال الأسترالية نسبة فيتامين “سي” أكثر بثلاث إلى خمس مرات مقارنة بالحليب البقري، وعشرة أضعاف الحديد فيه، فضلاً عن تمتعه بميزة سهولة الهضم، ما يجعل منه بديلاً مناسبًا للأفراد الذين ليس لديهم القدرة على تحمل مادة اللاكتوز، وتستطع الإبل أن تنافس غیرھا من الحيوانات الأُخرى في كل المزايا الاقتصادية وتمتاز بالقدرة على الجوع والعطش كما أن لها القدرة على الرعي في الظروف البيئية الجافة وتتفوق في انتاج اللبن واللحم خصوصا في المناطق الصحراوية أكثر من أي حيوان آخر.

التركيب الغذائي

وبشكل عام فإن التركيب الغذائي لحليب الإبل يتميز بالطعم الحلو المميز، واللون الأبيض الناصع، وارتفاع القيمة الغذائية عن لبن الأبقار والماعز، وتبلغ نسبة المادة الجافة فيه 15.5%.، ويمكن حفظه طازجًا في الدرجة الطبيعية لفترة طويلة، ومضاد للتسمم والجراثيم ويحتوي على نسبة عالية من الأجسام المناعية، ويتكون بالمعدل من حوالي 3.1% بروتين، 4.4% سكر اللاكتوز، 0.79% معادن، بحيث يحتوي على حوالي 11.9% من المواد الصلبة، وهي نسبة تُعدُّ قريبة لنسبة مجموع المواد الصّلبة في حليب الأم.

وفي الفترة الأخيرة أخذت تزداد شعبية منتجات الإبل في الأسواق الأوروبية، بعدما وافق الاتحاد الأوروبي على قبول واردات حليب الإبل، وكذلك في الأسواق الآسيوية نظرًا لتعدد منافعه لاسيما من الاستخدام في صناعات تحويلية عديدة، كمنتجات العناية بالبشرة من حليب الإبل ذات الفائدة في مجال ترميم وتقوية صحة البشرة، إذ إنّه غني بالبروتينات والدهون الصحية المناسبة لجميع أنواع البشرة، والفيتامينات التي تحارب الشيخوخة المبكرة، وهو مضاد للأكسدة ممّا يحفّز بناء الكولاجين على شد البشرة وتقويتها، بالإضافة إلى أنّه يحافظ على رطوبة البشرة، ما مكَّن من نجاح مشروعات صناعة الصابون من حليب الإبل وثمَّة تجارب عدة في هذا الشأن ومنها على سبيل المثال تجربة “لوماس” التي استطاعت أن تحوُّل مصنعها المنزلي لصناعة الصابون من حليب الإبل إلى مشروع عالمي.

 

إنتاج اللحوم والجلود

تُعدُّ الجمال من الحيوانات المهمة في مجال إنتاج اللحوم وخاصة في المناطق التي لا تستطيع الحيوانات الأخرى العيش فيها لظروفها القاسية، فإن لحوم الجمال هي المنتج الثاني من حيث الأهمية لسكان المناطق الرعوية الجافة، حيث تتراوح معدلات النمو تحت الظروف الطبيعية غير المحسنة ما بين 450-550 جم في اليوم، وتتساوى لحوم الجمال في نوعيتها مع لحوم الأبقار حتى عمر أربع سنوات، وهو العمر الاقتصادي لذبح الجمل، وتفضل لحوم الجمال الصغيرة في العمر عن لحوم الأغنام والماعز، ولكن بزيادة العمر تصبح لحوم الجمال خشنة وقاسية.

هذا ويقدّر وزن الجلد الناتج من ذبائح الجمال الصغيرة (عمر 8-12 شهرًا) بنحو   30 كجم، بينما في الجمال الكبيرة يبلغ وزن الجلد 45 كجم، تستخدم هذه الجلود في صناعة الأحذية والسروج والحقائب، وتتميز جلود الإبل بالسمك والقوه مقارنة بجلود الحيوانات الزراعية الأخرى، وتمثل جلودها حوالي 2.8 ألف طن من إنتاج الجلود في العالم العربي، فضلاً عما تحتويه جلودها من مادة الجلاتين، وهي مادة شفافة بدون طعم أو رائحة، يتم الحصول عليها عن طريق تحضير الكولاجين الموجود في جلود وعظام الحيوانات، ولها عديد من المزايا، وتدخل في صناعات عديدة كالأغذية والأدوية، وتقنيات التصوير الفوتوغرافي والصناعات التقنية، وثمَّة دراسات عدة متخصصة توصي بالاستفادة من جلود الإبل في استخلاص الجلاتين والغراء وتأكيدها بأن جلد الجمل يعد مصدرًا غنيًا بالجيلاتين.

وأخيرًا تجسد صناعة الإبل التي لم تحظَ بالاهتمام الكافي قديمًا، قطاعًا استثماريًا جديدًا ومتنوعًا يمكن تحقيق أقصى استفادة من مخرجاته سواء اللحوم أو الجلود أو الحليب لتصبح موردًا اقتصاديًا مهمًا ورافدًا حيويًا، بالعمل على زيادة أعدادها وتطوير قدراتها الإنتاجية، ورفع مستوى الوعي والمعرفة بمخرجاتها، والسعي لتحسين واستدامة أفضل الممارسات العلمية في تصنيعها محليًا.