أسهم صندوق الاستثمارات العامة بنحو ربع ما أنفقته صناديق الثروة السياديــــة عالميًـــا العـــام الماضي والبالغة 124 مليار دولار تقريبًا.
من المتوقع أن تصدر الدول النامية سندات بقيمة تقترب من 165 مليار دولار هذا العام، بزيادة %20 تقريبًا عن عام 2023م.
تلعب السندات المالية دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي بشكل عام وفي الاقتصادات الوطنية بشكل خاص، فهي أحد الأدوات المالية التي تُستخدم في الأسواق المالية وتصدرها الشركات والحكومات لجمع الأموال من المستثمرين، وتؤثر في التمويل والاستثمار، وتقوم بتوفير فرص محققة لطرفي العلاقة المستثمرين من جهة، والجهات الصادرة لها من جهة أُخرى، وتصنف بأن قيمتها أكبر من سوق الأسهم العالمية، وتعد واحدة من الأصول المالية الأكثر تداولاً في العالم، واعتبارًا من عام 2021م يقدر حجم سوق السندات (إجمالي الديون المستحقة) بنحو 119 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم، و46 تريليون دولار للسوق الأمريكية.
ونظرًا لما تمثله السندات المالية الحكومية بسبب حجمها وسيولتها من جزء مهم في سوق السندات المالية، وانعكاساتها الإيجابية على الاقتصادات الوطنية، أخذ ينضم صندوق الثروة السيادي، لموجة من عمليات إصدار السندات شهدتها الأسواق الناشئة للاستفادة من صعود تلك الأسواق السريع، ويعتزم صندوق الاستثمارات العامة مضاعفة استثماراته في الأسواق الناشئة من خلال الاستفادة من حزمة السندات التي ينوي طرحها في العام الجاري بقيمة 12 مليار دولار، وتأتي هذه الخطوة بعد أن باعت المملكة سندات سيادية بقيمة 16 مليار دولار العام الماضي، بمعدلات ربحية عالية.
توسيع قاعدة المستثمرين
وكشف المركز الوطني لإدارة الدين، بأن بيع السندات المليارية تم بعد ساعات قليلة من طرحهــــا لتكـــون الإصـــــدار الدولــــي الأول في عام 2024م للسندات ضمن برنامج السندات الحكومة، وأن إجمالي حجم طلبات الاكتتاب وصل لما يقارب الـ 30 مليار دولار للتجاوز نسبة التغطية ضعفي ونصف إجمالي الإصدار المطلوب.
وقد تم تقسيم السندات على ثلاث شرائح: الشريحة الأولى: بقيمة 3.25 مليار دولار، ما يعادل 12.19 مليار ريال لسندات مدتها 6 سنوات تستحق في عام 2030م، أما الشريحة الثانية: بقيمـــــة 4 مليارات دولار ما يعادل 15 مليار ريال لسندات مدتها 10 سنوات تستحق في عام 2034م، فيما جاءت الشريحة الثالثة: بقيمـــة 4.75 مليار دولار ما يعـــــادل 17.81 مليار ريال لسندات مدتها 30 سنة تستحق في عام 2054م.
ويبدو أن المملكة تنطلق نحو تنفيذ استراتيجية خاصة تهدف إلى تنويع مصادر النمو الاقتصادي للبلاد بعيدًا عن صادرات النفط والغاز، وذلك ضمن رؤية 2030م وتخطط في إطارها لزيادة الإنفاق من أجل دفع النمو الاقتصادي ودعم الناتج المحلي غير النفطي؛ إذ تمثل خطوة طرح السندات المليارية ركيزة أساسية في توسيع قاعدة المستثمرين بغرض تلبية احتياجات المملكة التمويلية من أسواق الدين العالمية بكفاءة وفاعلية، ويعكس حجم الإقبال من قبل المستثمرين الدوليين على أدوات الدين الحكومية ثقتهم بمتانة الاقتصاد الوطني ومستقبل الفرص الاستثمارية فيه.
تعزيز العوائد المستقبلية
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة ريادة المالية، فيصل الشماس، إن الصكوك أو السندات هي أوراق مالية يتم إصدارها من قبل الحكومات أو الشركات أو الكيانات الاستثمارية بمختلف أنواعها للحصول على تمويل من مستثمرين يسعون إلى الاستثمار في هذه الأوراق المالية لفترة زمنية محددة، وخلال هذه الفترة يتم دفع توزيعات نقدية ثابته أو متغيرة بشكل دوري، وعند الانتهاء من الفترة المتفق عليها يقوم من أصدرها بسداد المبلغ الذي تم أخذه عند الطرح للمستثمرين المكتتبين، مضيفًا أن الجهات أو الكيانات الاستثمارية تلجأ لطرحها للحصول على تمويل لإنفاقه في استثمارات تُحقق لهم عائدًا أعلى من قيمة التوزيعات التي يتم دفعها لحملة هذه الورقة المالية، ولفت إلى أن مصادر التمويل لأي جهة أو كيان استثماري تكون إما عن طريق رأس المال، والذي يصنف كأصول أو عن طريق الاقتراض من الجهات التمويلية، أو عن طريق الصكوك أو السندات، والتي تصنف كالتزامات، وقال إن الجهات أو الكيانات الاستثمارية تلجأ للاقتراض أو طرح صكوك لتعظيم العائد على الاستثمار، من خلال رفع حجم رأس المال، الذي سيتم ضخه في الاستثمارات المستهدفة، بالإضافة إلى المبلغ المقترض من خلال الجهات التمويلية أو إصدار الصكوك والسندات، وبالتالي رفع العائد على رأس المال بعد سداد القروض أو الصكوك والسندات، فالمقرضون لن يشاركوا في الأرباح مهما كان حجمها فهي فقط ستقوم بسداد قيمة الفائدة أو التوزيع المتفق عليه، بالإضافة إلى سداد المبلغ المقترض الرئيسي وما تبقى بعد سداد الالتزام هو عائد أو أرباح للكيان، مؤكدًا أن خطوة صندوق الاستثمارات تستهدف تعزيز عوائده في المستقبل وفق أدوات مالية متقدمة متعارف عليها في إدارة الكيانات الاستثمارية.
التوسع في الأسواق الناشئة
وهو نفسه ما أكده المحلل والخبير في الأسواق العالمية، علي الجعفري، بأن صندوق الاستثمارات العامة، يستهدف من خطوة السندات التوسع في الأسواق الناشئة، واصفًا إياها بالخطوة المثالية في تنويع مصادر الدخل والاستفادة من ارتفاع معدلات تلك الأسواق، مشيرًا إلى أن صندوق الاستثمارات يحاول توسيع نشاطاته وبات حاليًا واحدًا من الأسواق البارزة عالميًا، وفي سبيله لأن يكون من أهم الصناديق المتخصصة في العالم والأكثر قيمة، قائلاً: إن فكرة الصندوق من طرح سندات الدين كانت الاستفادة من تلك المبالغ في تحقيق عوائد مالية أكبر، وذلك من خلال التقييم العالي للمالية السعودية؛ إذ يمكن إنفاق السيولة التي يملكها الصندوق في أماكن أكثر جدوى وتحقق أرباح أكبر على المدى المتوسط والقصير، وثمة صناعات تتأثر بأسباب معينة، ويراها الصندوق فرصة مثالية للاستثمار على المدى البعيد، خاصة وأن شرائح الصكوك تصل بعضها إلى ثلاثين عامًا، ما يؤكد أن الصندوق لديه دراسة مفصلة لهذا الاستثمار، وهو بلا شك استثمار مؤسساتي مدروس، ربما يكون هناك بعض التراجع في عدد من استثماراته، ولكن هذا أمر طبيعي، لأنه يوزع استثماراته على عدة قطاعات.
ويرى الجعفري، أن تلك الاستثمارات ستنعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني، ولكنه سيكون على المدى البعيد، وذلك من خلال نقل التقنية والتكنلوجيا العالمية للداخل، فالصندوق رافد قوي للاقتصاد ولهذا من المؤكد في السنوات القادمة سيكون له انعكاس أوضح على الاقتصاد المحلي، وذلك مع بعض الوقت حتى تبــــدأ فـــي جنـــــي الثمـــار بشكــــل أوسع وبعوائد عالية.
سندات تنتظرها الأسواق
وكانت هذه السندات منتظرة في أسواق الاستثمار العالمي، وهو ما كشفه كبير الاقتصاديين في شركة “جيمكورب كابيتال مانجمنت المحدودة” في لندن، سايمون كويجانو إيفانز، بقوله إن الإصدار السعودي كان “مرتقبًا بشدة” من الأسواق، وذلك مع استفادة الدولة الخليجية من تصنيف أعلى من نظيراتها في الأسواق الناشئة، مضيفًا “يُنظر للمملكة على أنها فرصة انتقالية تثير اهتمام صناديق عالمية كثيرة”.
فصندوق الاستثمارات، الذي بلغ حجم ما يديره من أصول حتى 30 سبتمبر 2023م 718.04 مليار دولار، جمع عشرات المليارات لتمويل برنامج استثماري ضخم لتوفير صناعات وفرص عمل جديدة من خلال التوسع في الداخل والخارج من خلال عدد كبير من الاستثمارات والمشاريع المشتركة بالإضافة إلى طرق أبواب سوق الدين، فكان قد أتم في أكتوبر الماضي إصدار صكوك بقيمة 3.5 مليار دولار؛ وجذب الإصداران طلبًا قويًا، وذلك مواكبة للتوسع الكبير في إصدار السندات عالميًا للاستفادة من تحسن الاقتصاد العالمي؛ إذ حققت إصدارات ديون الأسواق الناشئة انطلاقة قوية مع بدايات العام الجاري؛ إذ تجاوزت مبيعات السندات 30 مليار دولار في النصف الأول من يناير، ولاقت عمليات بيع السندات اهتمامًا من الصناديق السيادية ذات التصنيف الأعلى، فأطلقت المكسيك أكبر عملية بيع لها على الإطلاق بقيمة 7.5 مليار دولار في أوائل يناير وثمة توقعات بأن يصل حجم إصدارها لـ18 مليار دولار، وتنشط بولندا والمجر وإندونيسيا في هذه السوق.
إنفاق صناديق الثروة السيادية
وتتوقع تقديرات محللين في بنك مورغان ستانلي، أن تصدر الدول النامية سندات بقيمة تقترب من 165 مليار دولار هذا العام، بزيادة %20 تقريبًا أو 30 مليار دولار عن عام 2023م، وفي يناير الماضي أظهر تقرير جديد أن صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة أسهم بنحو ربع ما أنفقته صناديق الثروة السيادية عالميًا العام الماضي، والبالغة 124 مليار دولار تقريبًا، وذلك تزامنًا مع خطط لإطلاق شركة طيران وعلامة تجارية للسيارات الكهربائية.
ورغم أن إنفاق صندوق الاستثمارات بلغ في عام 2023م 31.5 مليار دولار من إجمالي 123.8 مليار دولار لجميع صناديق الثروة السيادية في العالم، فإن إجمالي إنفاق صناديق الثروة السيادية العام الماضي كان أقل %21 عنه في عام 2022م وهو ما أرجعه المدير الإداري لغلوبال إس.دبليو.إف، دييجو لوبيز، إلى اتباع النهج الحذر، مؤكدًا أنه لا يوجد لدى هذه المؤسسات نقص في رأس المال الذي يمكن تشغيله.
وتتنوع استثمارات الصندوق بشكل كبير، ومن بين الصفقات التي عقدت مؤخرًا، صفقة بقيمة 550 مليون دولار مع شركة “بيريللي” الإيطالية لإنتاج الإطارات في السعودية وتوقيع عقد بـ 500 مليون دولار مع شركة “هيونداي موتورز” الكورية الجنوبية لتصنيع السيارات، وعقد آخر مع شركة “ديجيتال بريدج” الأمريكية لمراكز البيانات.
تحسين قيمة السندات المطروحة
وفيما يتعلق بالعام 2024م توقعت غلوبال إس.دبليو.إف أن تتجاوز أصول جميع المؤسسات الاستثمارية المملوكة للدولة -بما في ذلك صناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية وصناديق التقاعد- المستوى القياسي السابق المسجل في عام 2021م عندما بلغت أصول خاضعة مدارة 50.8 تريليون دولار، ومن توقعاته الصادرة حديثًا حول نمو الاقتصاد في المملكة، قام بزيادة توقعاته الإيجابية لأداء الاقتصاد في المملكة من %4.5 في العام 2025م إلى %5.5، وذلك خلاف توقعاته الصادرة بتقريره السابق في شهر أكتوبر من العام 2023م، وجاءت تلك التعديلات على توقعات “الصندوق” وفق ما أشارت إليه البيانات التي أصدرها مؤخرًا في تقريره؛ مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي يناير 2024م في إشارة إلى النظرة التفاؤلية حول أداء الاقتصاد السعودي وقوته وما يحققـــــه من نمـــو إيجابـــــي رغم المخاطر والتحديات والظروف العالمية التي تشهدها معظم الاقتصادات.
وقد أسهمت التوقعـــــات الاقتصادية المميــــزة في تحسيـــــن قيمــــــة السندات المطروحة، فتقلصت الفروق النهائية عن سعر استرشادي أولي سمح للحكومة بتسعير السندات بأرقام أعلى بدعم من الشهية القوية لدى المستثمرين، وتقلصت فروق أسعار السندات لأجل ست سنوات إلى 90 نقطة أساس من 115 نقطة أساس، وإلى 110 نقاط أساس للسندات لأجل 10 سنوات من 135 نقطة أساس وإلى 170 نقطة أساس للسندات لأجل 30 عامًا من 195 نقطة فوق سندات الخزانة الأمريكية.