أسواق الاقتصاد الفضي

الاقتصاد الفضي

ازداد عدد كبار السن في المملكة من 800 ألف في عام2015م إلى 1.1 مليون عام 2022م وثمة توقعات بأن يصل عددهم إلى نحو 3.58 مليون بحلول عام 2035م.

اقتصاد كبار السن أو الاقتصاد الفضي يبلغ 15 تريليون دولار وتبلغ قيمة السوق العالمية لتقنيات الرعاية لكبار السن أكثر من 13 مليار دولار.

 

تغيرت تركيبة سكان العالم منذ ثلاثة عقود، وذلك بطرق يصعب تخيلها وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى، وثمة مؤشرات بأن يبلغ تعداد فئة كبار السن ربع سكان العالم، ما يقود إلى إعادة التفكير فيما يعرف باقتصاد كبار السن أو الاقتصاد الفضي الذي يعني بدراسة مسارات إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات التي تهدف إلى استخدام الإمكانات الشرائية للمسنين وتلبية احتياجاتهم الاستهلاكية والمعيشية والصحية.

 

وطبقًا للتقديرات فإن اقتصاد كبار السن أو الاقتصاد الفضي يبلغ 15 تريليون دولار، وتبلغ قيمة السوق العالمية لتقنية الرعاية لكبار السن أكثر من 13 مليار دولار، وأصبح يدرك القطاعان العام والخاص أن كبار السن يمثلون فرصة جذابة، وخاصة بالنسبة لصناعات التقنية والخدمات الرقمية.

يُعدُّ ارتفاع معدل الأعمار في العالم حقيقة لا يمكن غضّ النظر عنها؛ إذ تشير أبحاث الأمم المتحدة إلى أن عدد كبار السن سيتضاعف عالميًا بحلول عام 2050م، ليصل إلى ما نسبته %25 من السكان، وتحل اليابان في المرتبة الأولى عالميًا في ارتفاع معدل الأعمار، إذ تبلغ نسبة من تتراوح أعمارهم بين 65 عامًا وأكبر %26.3 من السكان، في حين كانت نسبتهم %25.8 عام 2014م، ومن المتوقع أن يصبح ثلث الشعب الياباني بما نسبته  %32.2 كبار السن بحلول عام 2030م، تليها دول أوروبا، فمن 199 مليون أوروبي أي %39 فوق سن الخمسين، وبحلول عام 2025م سيصبح عددهم  222 مليونًا أي %43، وهو ما يؤشر بتغيّر تشكيل الاقتصاد العالمي في المستقبل، ليبلغ (الاقتصاد الفضي) في أوروبا وحدها أكثر من 5.7 تريليـــون دولار بحلول عام العام المقبل، وتأتي كذلك الولايات المتحدة، والصين في مقدمة الدول التي تتزايد فيها نســــب كبار السن، وتُعدُّ الأخيرة أرضًا خِصبة للفرص الاستثمارية لاقتصاد كبار السن، خاصة في قطاعات الصحة والترفيه والسياحة..

استثمار غير مستغل

ومؤخرًا، أصدرت المفوضية الأوروبية دراسة قدمت فيها عددًا من المقترحات والمبادرات لدعم ما بات يُعرف باقتصاد كبار السن أو الاقتصاد الفضي مثل: تحسين بيئة الجامعات لكبار السن، وتحسين مستوى الصحة الرقمية، وتقديم مصطلح ريادة الأعمال لكبار السن، وشددت الدراسة على أن أهمية الاقتصاد الفضي حقيقة كما هو ارتفاع معدل الأعمار، والاستثمار فيه لا يأتي من منطلق خيري، بل من وجود جدوى اقتصادية وفرص استثمارية غير مستغلة لفئة ذات ملاءة مالية عالية، فمع زيادة متوسط عمر السكان، تزداد أيضًا الفرص المتاحة للشركات التي تقدم المنتجات والخدمات لكبار السن، من شركات الرعاية الصحية الناشئة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لعلاج المرضى المسنين، إلى المنصات التي تنظم سلع نمط حياتهم؛ ففي سنغافورة على سبيل المثال التي يُشكل مواطنوها الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق ما يقرب من خمس السكان، يزدهر فيها الاقتصاد الفضي، أمام ما يسجلونه من معدل في نمو الإنفاق أسرع من الفئات العمرية الأُخرى.

اقتصاديات كبار السن

وقد توقعت دراسة أعدتها الجمعية السعودية لمساندة كبار السن “وقار” أن ترتفع نسبة المسنين في المملكة من %5 حاليًا إلى %11.1 بحلول العام 2030م وإلى %20.9 في العام 2050م، وكذلك أشارت شركة “نايت فرانك” بأن عدد كبار السن ازداد في المملكة من 800 ألف في عام 2015م إلى 1.1 مليون عام 2022م متوقعةً بأن يصل عددهم إلى نحو 3.58 مليون بحلول عام 2035م، ما يعني زيادة الطلب على خدمات التقاعد والإسكان في المملكة، الأمر الذي يرفع من الحاجة لتنمية اقتصاديات كبار السن، مع السعي على الاستفادة من خبراتهم التي اكتسبوها طوال السنوات الماضية.

ويرجع ارتفاع الرقم من نحو 1.1 مليون حاليًا، لأكثر من الضعف خلال السنوات العشر المقبلة، إلى تحسن البيئة الصحية، التي رفعت معدل متوسط العمر من 61 عامًا في عام 1980م إلى 78 عامًا حاليًا، وهو رقم قابل للزيادة في ظل توفر البنية التحتية، وسهولة الحصول على الرعاية الصحية.

وتظهر الإحصائيات شبه الرسمية أن الفئة العمرية لمن هم فوق الـ 60 عامًا في المملكة تتنامى بشكل سريع، ما يُعدُّ فرصةً اقتصاديةً أكثر منها عائقًا على الاقتصاد متى ما تمت الاستفادة منها بشكل جيد، واستكشاف احتياجاتهم التي يمكن تحويلها إلى استثمارات تدر الملايين.

عاصم عرب

نظرة مغلوطة

ويؤكد رئيس مركز عاصم عرب الاستشاري، الدكتور عاصم عرب، أن ثمة نظرة مغلوطة للاقتصاد عن كبار السن، وهي أن زيادتهم تؤثر على الإنتاجية الاقتصادية، وأنهم يشكلون ضغطًا على النظام الصحي، وعلى الخدمات العامة، والميزانيات الحكومية، وأنظمة المعاشات والتقاعد، وأضاف إنه يتم مناقشة زيادة معدل الأعمار، والمتقاعدين تحديدًا بشكل سلبي في الغالب، ولم يبدأ العالم في النظر إلى هذا الأمر بشكل إيجابي إلا قبل أقل من عقد، فيما اصطُلح عليه باسم (الاقتصاد الفضي)، وهو الاقتصاد الذي يهتم بفئة عمرية عادةً من سن التقاعد فما فوق، ويشمل جميع الأنشطة ذات الصلة بكبار السن، مشددًا على أن هذه النظرة غير صحيحة، وإمكانية الاستفادة من خبراتهم بشكل يخدم الاقتصاد الوطني، قائلاً إن بعض كبار السن يعملون بنشاط أكبر من الشباب، بعضهم طاقات مُهدرة يجب الاستفادة منهم، وتشير الإحصائيات أن أعدادهم في المملكة سيزداد بشكل سريع خلال السنوات العشر المقبلة، وما بعدها، خاصة وأن معدل الزواج الآن ارتفع وبات قريبًا من الأربعين، وبالتالي هذا سيرفع من معدل الأعمار، أضف لذلك تراجع نسب المواليد حسب ما تؤكد عليه أرقام هيئة الإحصاء، ويتابع بقوله قد نصل إلى رقم كبير جدًا، يتجاوز الـ3.5 مليون ونصف مسن، ولاستيعاب الجزء الراغب منهم في العمل، نحتاج لبرامج أكثر تطورًا.

اسامة كردي

إعادة تفسير المصطلح

ويؤكد عضو مجلس الشورى السابق، والخبير الاقتصادي، الدكتور أسامة كردي، على أهمية إعادة تفسير مصطلح كبار السن، مشددًا على أن التعريفات السابقة لم تعد ملائمة للمجتمع حاليًا، ويقول إنه مع تزايد أعداد كبار السن، باتت الحاجة لإعادة تعريف الكلمة أكثر، ندرس بشكل جدي لسن التقاعد الـ60 عامًا لم تعد مناسبة خاصة مع تطور الخدمات الصحية، فبات عمر الـ60 لا يعني عدم مقدرة الإنسان على العمل وبناء المجتمع، خاصة في إطار التطور الذي نشهده حاليًا، وأشار إلى أن ما يميز كبار السن، هو الخبرة وليس الخبرة النظرية فقط ولكن العملية؛ إذ مازال لدى الكثير منهم المقدرة العلمية والعملية في المساهمة ليس فقط في الاقتصاد الوطني، ولكن في جهات متعددة، وعندما نتحدث عن خدمات كبار السن، نتحدث دائمًا عن المتقاعدين، وهذا غير صحيح، فيجب أن نربط الأمر بالقدرة على الإداء والرغبة في العمل، فمازلنا نحتاج لخبرات كبار السن في مجموعة كبيرة من أوجه النشاط، خاصة وأن بلادنا تمر بمرحلة الرؤية، والتي تحتاج بشدة لخبرات كبار السن، ولا يجب ربط هذه الخبرات بكبار السن، بل يكون لدى الهيئات والجمعيات والشركات القدرة على الاستفادة من كبار السن في الاستشارات، فغالبية شركات الاستشارات العالمية تستفيد من خبرات السن، بالمقارنة بالشباب الذين لم تتكون لديهم الخبرة المطلوبة لاستمرار التنمية والنشاط الاقتصادي والصحي والعلمي.

النظرة الإيجابية

ويرى كردي، بوجود خلط غير مقبول في اقتصاديات كبار السن، لأنه يركز على ما يُعتقد أنهم يحتاجونه، لا ما يرغبون فيه فعلاً، مشددًا في حديثه على أهمية أن يكون التفكير في تنمية هذا القطاع غير التقليدي، قائلاً: “لاشك أن هناك مجالات مهمة يمكن أن يستفيد منها كبار السن لا يرغبون أو لا يستطيعون العمل، وأن تكون هناك خدمات تقدم لهم عن طريق جهات متخصصة، يمكن أن يكون لدى مؤسسة التقاعد خدمات من هذا النوع، داعيًا بأن تقوم وزارة القوى البشرية والتمية الاجتماعية بتشجيع قيام جمعيات متخصصة لخدمة كبار السن”، مشددًا على أهمية أن تكون هناك خطة كبيرة وتوسع في القطاع غير الربحي، ويضيف “هذا يعطينا دافعًا كبيرًا لإنشاء مثل هذه الجمعيات وتشجيع كبار السن على الانخراط فيها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها والبعيدة عن الخدمات التقليدية المتعلقة بالصحة والرعاية”.

ومن جانبه أكد مستشار التطوير في القطاع غير الربحي، سلطان الشيباني، ضرورة تعزيز النظرة الإيجابية تجاه كبار السن، معتبرًا أن الاهتمام بكبار السن سمة من سمات المجتمعات الحديثة، ويقول: “يستحقون الاهتمام بفضل الخبرات العريضة التي جمعوها طوال سنين عملهم، هم أصل الثقافة والقيم الاجتماعية للمجتمعات المحلية، لا يمكن كتابة تاريخ أي مجتمع إلا من خلالهم، وبالتالي هم طاقة كبيرة غير مستفاد منها بالشكل الأمثل.

وأخيرًا فإنه خلال العقود الثلاثة القادمة، سيكون الاقتصاد الفضي حقيقة واقعة لما يقرب من ربع سكان العالم، وهو ما يتطلب تفكيرًا جديدًا لخلق بيئة داعمة لهذا القطاع المتنامي بسرعة، سواء بالنسبة لشركات التأمين، أو مقدمي خدمات كبار السن بإيجاد حلول مبتكرة قائمة على التكنولوجيا.