الزراعة كرييتڤ

حقول زراعية طائرة!

نمو متزايد لسوق الزراعة الطائرة في العالم وتوقعات بأن تصل إلى 59 مليار دولار في 2031م.

إشادة دولية بالسياسات والمبادرات التي تنفذها المملكة لتعزيز الزراعة المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي.

توقعات بتحقيق سوق الزراعة العمودية الداخلية في المملكة نمو سنوي %13.2 بحلول 2028م.

 

تقنيةٌ جديدة بمثابة ثورة في قطاع الاستثمار الزراعي، خاصةً مع الطلب المتزايد على الغذاء في مختلف دول العالم، إذ يبحث العلماء والباحثون باستمرار عن وسائل مبتكرة لتعويض النقص الهائل في المعروض من السلع والمنتجات الغذائية المتنوعة، وتوفر هذه الطريقة الحديثة ما يقرب من %95 من المياه المطلوبة مقارنةً بنظيرتها في الزراعة التقليدية، كما أنها وسيلة ناجحة لحل مشكلة توافر الأراضي الصالحة للزراعة التي تعاني منها معظم الدول، إنها الحقول الزراعية الطائرة (يُطلق عليها أيضًا العمودية)، ويمكن اعتبارها “هدية” العلم الحديث للبشرية وللمستثمرين المعنيين بمجالات الأمن الغذائي خاصة في الدول العربية.

مميزات فريدة

ويمكن القول إن فكرة الحقول الزراعية الطائرة هي عبارة عن قطع قماش مُبللة يتم وضع البذور فيها، ومصدر كهرباء (غالبًا لمبات ليد موفرة)، لزيادة كفاءة التمثيل الضوئي للنباتات، وتعد “إيروفارمس” الأمريكية من الشركات الرائدة في هذا المجال، حيث حصلت عام 2019م على جائزة أفضل براءة اختراع في العالم من مجلة “تايم” البريطانية.

وفي عام 2017م، تحدث ديفيد روزنبرغ، الرئيس التنفيذي للشركة حينها، بلغة يملؤها الفخر، حين قال: ” نحن متفوقون حتى الآن على أي شخص آخر في هذه التكنولوجيا، وسوف يستغرق الأمر سنوات حتى يتمكن بقية العالم من اللحاق بالركب”، معتبراً أن شركته من الشركات الرائدة في مجال الزراعة العمودية، وأن منتجاتها تباع في أسواق كثيرة في أنحاء الولايات المتحدة، ورغم أن الشركة تعثرت واستقال “روزنبرغ” من منصبه بعد ذلك، إلا أن الشركة تعافت من عثرتها، وحصلت على ملايين الدولارات من المستثمرين لمعاودة نشاطها بقوة في السنوات الماضية.

ويؤكد مختصون، أن الحقول الطائرة تمثل البديل الأمثل للدول والمناطق التي تعاني من ضعف في الموارد المتعلقة بالزراعة التقليدية، أو تلك التي تشهد فجوة حادة في تلبية متطلبات الأمن الغذائي، أو ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وكذلك التكلفة الباهظة لاستيرادها من الخارج.

وثمَّة تقديرات تشير إلى وصول سوق الزراعة الطائرة إلى 19.6 مليار دولار عام 2023م، ومن المتوقع أن تصل إلى 59 مليار دولار بحلول 2031م، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ %24، حيث تشهد نمواً مطرداً مدفوعاً بالتفضيلات المتزايدة للخيارات الغذائية المستدامة والمحلية المصدر، والتقدم التكنولوجي المستمر في ممارسات هذا النوع المبتكر من الزراعة، والاعتماد على نطاق واسع لأنظمة التشغيل الآلي، بما في ذلك الأذرع والأدوات الناقلة الآلية، لافتة إلى أن أمريكا الشمالية تستحوذ على الحصة الأكبر من هذه السوق عالمياً، مع نمو متوقع يبلغ حوالي %29 خلال الفترة (2031-2023م)، ومن المتوقع أيضاً أن تشهد أوروبا توسعاً سريعاً في صناعة الزراعة العمودية، مع معدل نمو سنوي مركب متوقع يبلغ %26.7 خلال الفترة نفسها.

ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الغذاء بنسبة %50 بحلول عام 2050م، وبما أن الممارسات الزراعية التقليدية معرضة لخطر استنزاف التربة والمياه وإزالة الغابات، فإن الزراعة الطائرة ستحافظ على صدارتها في توفير الأغذية الطازجة للمناطق الحضرية في العالم.

ولا شك في أن المميزات الفريدة للحقول الطائرة هي كلمة السر في الانتشار الكبير لمنتجاتها وإقبال عديد من الشركات والمستثمرين على الدخول إلى هذه السوق الواعدة، ومن هذه المميزات، أنها تقلل بشكل كبير من البصمة البيئية لإنتاج الغذاء، فغالباً ما تتطلب الزراعة التقليدية نقل المنتجات لمسافات طويلة، والاستهلاك الكبير لمياه الري والارتباط بالدورة الزراعية المناسبة للطقس، واستخدام المبيدات الحشرية، لكن الزراعة الطائرة تتيح إنتاج المحاصيل على مدار العام في الظروف الجوية القاسية.

 

فرص استثمارية

وتلعب الاستثمارات المتزايدة وجهود الشركات المتواصلة دوراً هائلاً للدفع باتجاه التوسع في استخدام الحقول الزراعية الطائرة، بما في ذلك الشركات الناشئة والشركات الزراعية القائمة والحكومات، بما يسهم في تعزيز نمو السوق العالمية، إذ تعد الشركات الناشئة مراكز للابتكار تقود عملية تطوير تقنيات الزراعة المتطورة، حيث تقوم بإنشاء المزارع الطائرة الخاصة بها في المناطق الحضرية لتوفير المنتجات الطازجة للأسواق المحلية، ومن ثم زيادة الاعتماد على هذه الطريقة المبتكرة، كما تقوم الحكومات في بعض الدول بتقديم حوافز مالية وإعفاءات ضريبية، لتشجيع الزراعة الطائرة وتعزيز إنتاج الغذاء المحلي، وخلق فرص العمل، وتحقيق الاستدامة، كما تطلق المبادرات الهادفة إلى تحسين التقنيات الزراعية، علاوةً على إصدار اللوائح والأطر التنظيمية لضمان سلامة وجودة المنتجات المنتجات الزراعية.

وإذا كانت المزارع الطائرة قد واجهت مشكلات تتعلق بارتفاع تكلفة الطاقة في بعض الدول خاصة الأوروبية، إلا أنها باتت البديل الأكثر تناسباً مع عديد من الدول الأخرى، وإن كانت، بحسب خبراء، غير مناسبة لبعض المحاصيل، ومن ثم فإنها لن تستطيع القضاء على الزراعة التقليدية، ومن الأمثلة على ذلك الذرة، التي تعد من أهم المحاصيل على مستوى العالم، حيث يبلغ إنتاجها السنوي حوالي 400 مليون طن في الولايات المتحدة وحدها، ويصل طولها إلى حوالي مترين إلى ثلاثة أمتار، مما يعني أنه من غير الممكن زراعة محاصيل متعددة فوق بعضها البعض، وإذا تمت زراعته في المزارع العمودية، فإن سيكون غير اقتصادي.

 

المملكة مركز إقليمي

ويشدد خبراء على أن الزراعة الطائرة تعد من أفضل الحلول للدول التي تعاني من المناخ القاسي أو قلة الأراضي الصالحة للزراعة المحدودة، ومنها الدول العربية، التي تبلغ فاتورة استيرادها للسلع والمنتجات الزراعية حوالي 60 مليار دولار سنوياً، ومن ثم فإنها تقدم خياراً استثمارياً جذاباً للشركات الناشئة والعاملة في المجال الزراعي، بشكل يقلل من الاعتماد على الواردات الغذائية ويشجع في الوقت نفسه الاستثمار في هذه الزراعة المبتكرة.

ففي المملكة، أعلنت شركة مورق التخصصية الزراعية المحدودة، أواخر العام الماضي، عن بدء أعمال بناء أول مزرعة طائرة، بالتعاون مع شركة “يس هيلث” التايوانية المتخصصة في هذا النوع من المزارع، على مساحة 20 ألف متر مربع، وبارتفاع 15 مترًا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 2200 كيلو جرام من الخضراوات يومياً، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاجها في النصف الأخير من العام الجاري، وستكون مزودة بمساحات واسعة للعرض وتناول الطعام للزوار.

وقال مدير العمليات في “يس هيلث”، جاسبر هانسن: “تم تنسيق هذا المشروع بعناية من قبل فرقنا في المملكة العربية السعودية وتايوان، ويسعدني أن أرى مدى فعالية تعاوننا، ويجب أن أشيد بشركائنا السعوديين على تنفيذهم القوي”، مضيفاً: “نحتاج إلى ثلاثة أشهر لتركيب المعدات وشهرين لاختبارها، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسنحصد محاصيلنا الأولى في الخريف القادم”.

وفي هذا السياق، ذكرت “باتريشيا كارتر”، الخبيرة الأمريكية في حلول الزراعة الحديثة، أن هناك عدة عوامل تدفع نمو قطاع الزراعة الطائرة في المملكة، بما في ذلك التقدم التكنولوجي، وزيادة طلب المستهلكين على المنتجات المزروعة محلياً، والحاجة إلى حلول زراعية موفرة للمياه، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعم الحكومي من خلال الحوافز والإعانات والمبادرات البحثية يزيد من تحفيز نمو السوق، مشيدة بالسياسات والمبادرات التي تنفذتها المملكة لتعزيز الزراعة المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي، وأهمها رؤية 2030، التي تولي اهتماماً كبيراً بتشجيع الاستثمار في الممارسات الزراعية المبتكرة، وتعزيز الإنتاج المحلي.

وأضافت أن سوق الزراعة الطائرة في المملكة تستعد لتحقيق نمو كبير في السنوات المقبلة، مدفوعة بالنمو السكاني المتزايد وتحديات تغير المناخ، مشيرةً إلى أنها تمثل فرصاً واعدة للشركات والمستثمرين في سلاسل القيمة المضافة الزراعية.

وتوقع تقرير غربي بأن تحقِّق سوق الزراعة العمودية الداخلية في المملكة معدل نمو سنويًا مركبًا في حدود %13.2 حتى 2028م، لتصل قيمتها إلى 245 مليون دولار، مقارنةً مع 103 ملايين دولار عام 2021م، مع تزايد عدد المزارع الطائرة خلال الفترة المقبلة، مشيداً بحرص المملكة على استخدام المعرفة والابتكار والتقنيات الحديثة في تعزيز الإنتاجية، ودعم القطاع الزراعي وترشيد استهلاك المياه، بشكلٍ يتواكب مع التطورات المذهلة التي تشهدها المملكة على كافة الأصعدة خلال السنوات الماضية، منوهاً إلى إبرام صندوق الاستثمارات العامة شراكة مع شركة “إيرو فارمس”، لبناء أكبر مزرعة داخلية من نوعها في المنطقة، بطاقة إنتاجية مستهدفة تصل إلى 1.1 مليون كيلو جرام من المحاصيل الزراعية.

ويمكن القول إن المملكة مؤهلة بشكل كبير لقيادة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الزراعة العمودية، وأن تتحول إلى مركز إقليمي لتصدير منتجات هذه المزارع إلى مختلف دول العالم، فللمرة الأولى يتم الإعلان عن توقيع أول اتفاق بين شركة “دافا” الزراعية وشركة “ليهمان آند تراس” الهولندية لتصدير المنتجات الزراعية السعودية إلى هولندا والسوق الأوروبي.