عدلت المملكة نظام التأمينات الاجتماعية عبر قرارات جديدة أقرها مجلس الوزراء الموقر بطريقة متوازنة راعت مصلحة المتقاعدين الحاليين والمستفيدين من المتقاعدين المتوفين إلى جانب التدرج في تطبيق رفع سن التقاعد الكامل والتقاعد المبكر.
لهذه الخطوة المفصلية في تاريخ التأمينات الاجتماعية أبعاد كثيرة فهي أولاً: حافظت على مكتسبات كبار السن الذين وصلت أعمارهم إلى 50 عامًا وأكثر مراعاة للبعد الاجتماعي لهذه الفئات التي استقرت ظروفها المعيشية إلى حد كبير.
ثانيًا: ستخفف التعديلات من عجز التأمينات الاجتماعية خصوصًا في ملف التقاعد المبكر الذي تأثر بارتفاع معدلات العمر (بإذن الله)، نتيجة الرعاية الصحية وارتفاع مستويات الوعي والكشف المبكر عن الأمراض وحرص الحكومة على مستويات الصحة العامة وجودة الحياة.
الطريقة التي عالجت الحكومة بها هذا الملف، الذي كان يدرس لسنوات كانت متوازنة، فالمعروف أن رفع سن التقاعد يمكن أن يؤدي إلى تخفيض التكاليف في النظام التأميني الاجتماعي، وتقليل العجز في ميزانية مؤسسات التقاعد، لكنه أيضًا قد يؤثر على الداخلين الجدد لسوق العمل، ويبدو لي أن التعديلات الجديدة نجحت إلى حد معقول في إيجاد التوازن المناسب بين احتياجات الاقتصاد واحتياجات الأفراد.
وحسب بحثي المتواضع لا توجد نظرية عامة وثابتة لتأثير رفع سن التقاعد على اقتصادات الدول، لأن الأمر يعتمد على ظروف كل دولة وعلى طبيعة التركيبة السكانية وأوضاع الاقتصاد إجمالاً وحتى عادات وثقافة المجتمع، ونحن رغم أن مجتمعنا يتمتع بمعدلات أعمار منخفضة إلا أننا في المقابل لدينا تراجع ملحوظ في مستويات الخصوبة ومتوسط عدد أفراد الأسرة، وهذا قد لا يحدث تأثيرًا على المدى القريب إلا أنه سيفعل على المدى البعيد.
رفع سن التقاعد إلى أكثر من ستين عامًا لم يعد غريبًا أو استثنائيًا؛ لأنه اليوم موجود في أغلب دول العالم، والدول التي لم ترفع السن بعد هي في طريقها إلى ذلك لأن هناك أدبيات مشتركة ومعروفة للقوى البشرية وإدارتها خاصة في القطاع الخاص الذي يتشابه كثيرًا نتيجة العولمة.
في المقابل تستغني بعض الشركات أو الجهات أيًا كان نوعها عن بعض الموظفين والموظفات ممن لم يبلغوا سن التقاعد النظامي لعدة أسباب، فبعضها يحتاج إلى تجديد الدماء وتخفيض متوسط الأعمار أو متوسط الرواتب، وبعضها استعاض بالتقنيات الجديدة عن بعض الموارد البشرية، وبعضها يحتاج إلى مورد بشري من الأجيال الجديدة الأقرب إلى التقنية والذكاء الاصطناعي؛ ليستمر في المنافسة أو يحافظ على مستويات الربحية.
وعلى الرغم من الخلاف بين المدارس الإدارية حول هذه الممارسة إلا إنها تظل حقًا مشروعًا خاصة للمنظمات الربحية والإسهامات العامة التي تتوقع أن الاستغناء عن بعض الخبرات وتخفيض النفقات سيسهم إيجابيًا في موازناتها العامة.
هنا ينبغي أن تعمل الشركات الكبرى على مزيد من التحفيز لمنسوبيها ليكون لديهم برامجهم الادخارية والحمائية الخاصة لتكون عونًا لهم في حال الاستغناء عنهم لأي سبب من الأسباب أعلاه، وما نراه في بعض الشركات المساهمة من برامج تخصيص الأسهم كحوافز للموظفين ينبغي أن يكون ديدن الجميع.
أيضًا ينبغي على الفرد أن يكون له برنامجه الخاص للأسهم أو الادخار التقاعدي حتى لا يجد نفسه فجأة بدون دخل مادي إذا لم يكن قد أكمل الثلاثين عامًا التي أصبحت اليوم شرطا للتقاعد المبكر لمن اشتراكاتهم أقل من 179 شهرًا وللداخلين الجدد في سوق العمل.
سيكون من محددات بيئة العمل الأفضل ما توفره من أفكار ومساعدة عند الاستغناء عن الموظفين، وسيكون من الحصافة والذكاء أن يعمل الموظف من بداية حياته العملية على تأمينه الخاص.