العالم بحاجة إلى استثمار من 150 إلى 300 مليار دولار؛ لرفع قدرته الإنتاجية من المزارع السمكية.
توقعات بأن تحقق سوق المزارع السمكية في المملكة معدل نمو سنوي %5.6 بحلول عام 2032م.
أكد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة “شو دونيو” أن العالم بحاجة إلى مزيد من تربية الأحياء المائية، وقال “نحن بحاجة إلى التفكير بشكل مبتكر، وأن نكون موجهين نحو العمل، وأن نستهدف النتائج لإجراء التغييرات اللازمة لتسريع المسارات الوطنية والعالمية، نحو تحقيق نظم غذائية زراعية أكثر كفاءة وأكثر شمولاً ومرونة وأكثر استدامة”.
وتأتي دعوة منظمة “الفاو” في وقت تشهد فيه مزارع الأسماك في العالم تراجعًا في الإنتاج خلال الأعوام الستة الماضية، من 94.5 مليون طن متري عام 2018م إلى 90.6 مليون طن متري عام 2023م، في حين ارتفع الإنتاج العالمي من الأسماك عن طريق الصيد إلى 96 مليون طن متري العام الماضي، مقارنةً مع 83.2 مليون طن متري عام 2018م، بحسب إحصاءات عالمية، مما يعكس الحاجة المُلحة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، خاصة مع ارتفاع الطلب العالمي على الأسماك.
فرص استثمارية كبيرة
وثمة توقعات دولية بأن يرتفع الطلب العالمي على المأكولات البحرية، (يصل متوسط استهلاك الفرد حوالي 200 جرام اسبوعيًا)، بنسبة %14 بحلول عام 2030م، على الرغم من أن %85 من الدول تتجاوز معايير وضوابط تنظيم عمليات الصيد في المسطحات المائية، مما يشكِّل إضرارًا بالغًا بالثروة السمكية، فيما أكد مختصون ضرورة التوسع في إنشاء مزارع الأسماك لتلبية الطلب المتزايد، لذا اتجه عديد من الدول إلى إنشاء مزارع سمكية على مساحات واسعة، سواء لمواجهة الطلب المحلي أو التصدير إلى الخارج.
وذكر تقرير حديث لمؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية “مورغان ستانلي”، أن التوسع في عملية الاستزراع السمكي يمثل “فرصة استثمارية كبيرة”، معتبرًا أنها واحدة من أكبر الفرص الاستثمارية في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن ما يقرب من %50 من إنتاج المأكولات البحرية العالمي يأتي من مصادر مستزرعة، معظمها في آسيا، والباقي من الثروة السمكية البرية، والتي من غير المرجح أن تزيد بشكل كبير.
وأضاف التقرير أن العالم بحاجة إلى استثمار من 150إلى 300 مليار دولار؛ لرفع قدرته الإنتاجية من المزارع السمكية خلال السنوات العشر المقبلة، التي ينبغي أن تكون مصحوبة بجهود للتخفيف من تلوث المياه ومخاطر العمل الكامنة في تربية الأحياء المائية، التي تخدم الأهداف المناخية العالمية، حيث يمكن أيضًا أن تكون مزارع الأسماك موجودة في الموقع نفسه مع مواقع الطاقة المتجددة الجديدة، كما أن المأكولات البحرية المستزرعة تعد مصدرًا منخفض الكربون للبروتين نسبيًا.
ممارسات حديثة لتربية الأسماك
وثمة توقعات بأن تحقق سوق المزارع السمكية في المملكة معدل نمو سنوي مركب يزيد على %5.6 بحلول عام 2032م، وذلك نظرًا لاتجاه المملكة إلى التوسع في الاستزراع السمكي كحل مستدام يسمح بالإنتاج الخاضع للرقابة، مما يضمن إمدادات ثابتة وموثوقة من الأسماك لتلبية احتياجات المستهلكين المتزايدة، علاوةً على أن الموقع الجغرافي للمملكة يعد ضروريًا للنمو، حيث تتمتع البلاد بمساحات شاسعة من السواحل على طول البحر الأحمر والخليج العربي، مما يوفر فرصًا كبيرة لعمليات تربية الأحياء المائية.
فالمناخ الدافئ وتوافر مياه البحر يوفران ظروفًا مناسبة لتربية الأسماك على مدار العام، وإلى جانب ذلك، يتم ضخ استثمارات هائلة في تطوير البنية التحتية بما في ذلك بناء المزارع السمكية والمفرخات ومرافق المعالجة، وبالإضافة إلى ذلك، تم تشكيل شراكات مع شركات وخبراء عالميين لنقل المعرفة والخبرة في الممارسات الحديثة والمبتكرة لتربية الأسماك، لافتًا إلى أن المملكة تعمل بنشاط على تعزيز نمو هذا القطاع كجزء من رؤية 2030م، حيث تقدم مبادرات وحوافز مختلفة لدعم تطوير صناعة تربية الأحياء المائية، وبالتالي دفع نمو السوق.
ويبدو أن تشهد صناعة تربية الأحياء المائية نموًا كبيرًا لاسيما بعد الإعلان مؤخرًا، عن مشروع مشترك بين “نيوم” وشركة أسماك تبوك لإنشاء شركة توبيان للاستزراع المائي، بهدف إنتاج 600 ألف طن من المنتجات السمكية سنويًا بحلول عام 2030م، ويتضمن المشروع مفارخ أسماك، من المتوقع أن تصبح الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول نهاية العام الجاري، حيث تبلغ طاقتها الاستيعابية 42 مليونًا من الإصبعيات السمكية، بالإضافة إلى مرافق إنتاج الأسماك الزعنفية التي من المتوقع أن يبلغ حجم إنتاجها 20 كيلو طنًا سنويًا.
وكشف وزير البيئة والمياه والزراعة، المهندس عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، أن حجم الإنفاق الحكومي المباشر في قطاع الثروة السمكية في المملكة بلغ نحو مليار ريال (266.6 مليون دولار) في البنى التحتية والأبحاث والتوطين، مشيرًا إلى أن المملكة تعمل على مواجهة التحديات عبر إيجاد حلول مدروسة وتحسين الممارسات وتحفيز القطاع وتسهيل الإجراءات وتوفير الأراضي وبناء الأنظمة اللازمة والرقابة، إضافةً إلى بناء القدرات وإيجاد التشريعات الممكِّنة للقطاع، لافتًا إلى أن النمو السكاني المتزايد والممارسات الضارة بالبيئة البحرية وتأثيرها المباشر على المخزون السمكي عوامل تحتِّم التوجّه إلى تطوير وتنمية صناعة الاستزراع المائي لتحقيق الأمن الغذائي، وعلى الرغم من أن برامج الاستزراع السمكي في المملكة تعود بدايتها إلى ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن التطورات المتسارعة التي يشهدها القطاع في الوقت الحالي، تؤكد أنه قطاع واعد ومربـــــح في الوقت نفسه، ويزخــــر بفرص استثمـــارية، باعتبـــاره من ركائز الأمن الغذائي.
كما وقَّعت وزارة الاستثمار اتفاقية استثمارية مع شركة “بيور سلمون” السنغافورية، بالتعاون مع وزارتي الصناعة والثروة المعدنية والزراعة، وذلك لإنشاء أحد أكبر مشروعات استزراع أسماك السلمون على المستوى العالمي، باستخدام تقنية الاستزراع المائي المعاد تدويرها، باستثمارات تصل إلى 1.9 مليار ريال.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة السنغافورية، تتوافق رؤية بيرو سلمون مع رؤية المملكة 2030م، التي تركز على الأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد وتطوير الصناعات المستدامة والمبتكرة داخل المملكة، ونحن فخورون بالإسهام في تحقيق هذه الرؤية، وسيخلق هذا الاستثمار المئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي تتطلب مهارات عالية، ومن خلال أكاديمية بيور سلمون وبالشراكة مع المؤسسات التعليمية المحلية في المملكة، سيتم إعداد وتدريب المتخصصين في تربية الأحياء المائية من الجيل القادم.
خطوات متسارعة
ومن بين أهم الخطوات التي تتخذها المملكة لترسيخ مكانتها في مجال الاستزراع المائي المستدام عالميًا، إعلان شركة “توبيان” (شركة نيوم للغذاء التي تعمل على ضمان النظم الغذائية المستقبلية)، عن عدد من الشراكات الاستراتيجية، منها مع البرنامج الوطني لتنمية الثروة الحيوانية والسمكية، بهدف تنمية التطوير التكنولوجي والممارسات المستدامة، علاوة على اتفاقية مع المجموعة الوطنية للاستزراع المائي (نقوا)، والتي تهدف إلى زيادة تسويق منتجات المأكولات البحرية التابعة لشركة نقوا في السوق المحلية.
وفي هذا السياق، أشاد الخبير البريطاني، جاكي ليندن، بالتطورات المذهلة التي يشهدها قطاع الاستزراع السمكي في المملكة، مشيرًا إلى أنها تضع خططًا طموحة ومُخططة بعناية لتوسيع القطاع بحلول 2030م، وأن أحد الأهداف الرئيسة لرؤية المملكة هو تنويع الاقتصاد، وقد تم اختيار مواصلة تطوير قطاعي صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية كعناصر مهمة في هذه الرؤية، لافتًا إلى أن الخطوة الأولى تمثلت في إنشاء البرنامج الوطني لتطوير الثروة الحيوانية والسمكية، بهدف تعزيز نمو صناعة المأكولات البحرية في البلاد وتحسين الأمن الغذائي وتنمية الصادرات.
ووفقًا لأحدث بيانات منظمة “الفاو”، فإن الأنواع الرئيسة المستزرعة في المملكة، هي الجمبري ذو الأرجل البيضاء (توقعات بأن يصل الإنتاج إلى حوالي 61 ألف طن متري)، والبلطي النيلي (الذي يبلغ إنتاجه نحو 8700 طن متري)، والقاروص الآسيوي أو الباراموندي (4100 طن متري)، والدنيس البحري ذو الرأس المذهب (1000 طن متري).
وتصل معدلات إنتاج الاستزراع السمكي في المملكة إلى 120 ألف طن متري سنويًا، وتقدر المشروعات المرخصة بأكثر من 300 مشروع تتنوع بين مشروعات المياه الداخلية، أو الأقفاص العائمة أو مشروعات الروبيان على الساحل، بحسب المدير الفني للجمعية السعودية للاستزراع المائي، هشام باعباد.
وأضاف باعباد، أن المملكة نجحت في استزراع بعض الأصناف من الأسماك غير الموجودة أساسًا في البلاد، مثل بعض أنواع الروبيان المقاوم للأمراض، الذي أصبحت المملكة تصدره إلى 35 دولة حول العالم، فضلاً عن سمك “الدنيس”، الذي يكاد يندر وجوده في البيئة المحلية، مشددًا على أن الاستثمار في القطاع يحمل فرصًا اقتصادية، خاصة مع توافر نسب العرض والطلب سواءً في الوقت الراهن، أو مستقبلاً، لافتًا إلى تحديات الاستزراع تتلخص في الأمراض والفيروسات، بجانب التسويق، وسلاسل الإمداد، وهي التحديات التي تعمل الجهات المعنية على إيجاد حلول لها.