أسواق البيتكوين

الصناديق الفورية.. هل تُغير قواعد اللعبة؟

تمثل الصناديق الفورية تحديًا وفرصةً في آنٍ واحد، ففي حين قد تقوض مفهوم السيطرة الشخصية على ملكية بيتكوين، فإنها تؤثر على حجم التداول في البورصات.

التذبذب هو علامة معتادة لأسواق العملات المشفرة، فهو سوق غير مستقر منذ ظهوره، ولا يمكن أن يستقر، ويحتاج لوقت للنضج.

 

شهدت ساحة العملات الرقمية منذ نشأتها الأولى عديدًا من التغيرات، والتي كان آخرها مع بدايات عام 2024م، عندما قررت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية السماح بتداول العملات الرقمية عبر صناديق مؤشرات البيتكوين الفورية، والتي رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على انطلاقتها لا يزال عدم الوضوح هو السائد، فبعد سلسلة من الارتفاعات، عاد الانخفاض ليخيم مرة أخرى على الأسواق.

ويبدو أن هذه الصناديق تمثل تحديًا وفرصةً في آن واحد، ففي حين قد تقوض صناديق الاستثمار المتداولة مفهوم السيطرة الشخصية على ملكية بيتكوين، قد تؤثر على حجم التداول في البورصات، إلا أن تطورها يلعب دورًا حيويًا في التبني الجماعي وتشكيل مستقبل البيتكوين.

وبشكل عام فإن صناديق تداول البيتكوين هي: محافظ استثمارية مجمعة تتعقب أسعار البيتكوين، مما يمكّن المستثمرين العاديين من التعرض لقيمة البيتكوين دون الحاجة إلى امتلاكه كأصل أساسي، فضلاً عن أنها تخضع للوائح وتدرج في البورصات الرئيسية.

التفاعل مع البيتكوين دون امتلاكه

وثمة فروقات بين صناديق تداول البيتكوين بالعقود الآجلة والفورية؛ إذ يتلخص الفرق الرئيس بينهما فيما يستثمرون فيها وطريقة تحديدهم لقيمتها، فتعتمد الصناديق الفورية على السعر الفوري للأصل الأساسي، بينما تعتمد صناديق العقود الآجلة على السعر المستقبلي للأصل الأساسي، ووفقًا لذلك، ينقل صندوق تداول البيتكوين الفوري تحركات البيتكوين، واهتزازات سعره الحالية، بينما يستثمر صندوق التداول بالعقود الآجلة في العقود التي تستند إلى السعر المحتمل للبيتكوين في تاريخ محدد مسبقًا في المستقبل..

وتسمح صناديق التداول للمستثمرين بالتفاعل مع البيتكوين دون امتلاكه بشكل مباشر، وهو ما يعني الاعتراف المتزايد من قبل السلطات التنظيمية، بالإضافة إلى ذلك، تعمل صناديق تداول البيتكوين على تعزيز إمكانية الوصول للمتداولين، وتسهم في مصداقية البيتكوين، ومع ذلك، يجب على المستثمرين توخي الحذر من تقلبات البيتكوين وأخطاء التتبع المحتملة في الصناديق والرسوم الإدارية المرتبطة به.

وتعتبر صناديق بتكوين المتداولة في بورصة (ETF)، أدوات استثمارية تتتبع أداء العملة المشفرة، يقوم المستثمرون بشراء أسهم الصندوق، الذي يديره مديرو الأصول الذين يحتفظون بعملة بيتكوين الفعلية وقيمتها الفورية كأصل أساسي، يكسب هؤلاء المديرون الأموال من رسوم الإدارة وبهامش ضئيل بين السعر الفعلي للعملة المشفرة والسعر الذي يبيعون به الأسهم.

في حين أن قيمة صناديق الاستثمار المتداولة ستتحرك جنبًا إلى جنب مع العملة الرقمية، فقد تكون الأموال أكثر استقرارًا حيث يمكن لمديري الصناديق استخدام أدوات مالية مختلفة داخل الصندوق لتخفيف التقلبات التي يتميز بها عالم العملات الرقمية المشفرة.

ما بين التدفقات واللون الأحمر

وفي أول جلستي تداول بعد طرح الصناديق الـ 11 الجديدة للتداول، شهدت تدفقات بأكثر من 1.4 مليار دولار أمريكي، وبحسب “بلومبرج”، إن صندوق Grayscale Bitcoin Trust هو “ETF” الوحيد الذي شهد تدفقًا خارجيًا قدره 579 مليون دولار خلال أول يومين من التداول، وبعد خصم التدفقات الخارجية للصندوق، بلغ صافي إجمالي التدفقات الداخلية عبر الصناديق الـ 11 خلال الفترة نفسها 819 مليون دولار.

فيما شهد صندوق “iShares” التابع لشركة “BlackRock” تدفقات بالقرب من نصف مليار دولار في أول يومين، وشهد صندوق بيتكوين المتداول في البورصة التابع لشركة “Fidelity” ثاني أكبر التدفقات بقيمة 422 مليون دولار.

عبدالله فاضل

وعلى الرغم من تذبذبات أسعار البيتكوين طوال العاميين الماضيين، هناك ثمَّة توقعات تشهدها أسواق العملات المشفرة بأن تصل لأكثر من 100 ألف دولار للعملة الواحدة، في نهاية العام الجاري، والضعف في العام التالي؛ إذ يتوقع بتك بنك “ستاندرد تشارترد”، أن يصل أجمالي التدفقات خلال العام الجاري نحو 100 مليار دولار، ويتوافق هذا الرقم مع وجهة نظر البنك لسعر عملة بيتكوين عند 100 ألف دولار حتى نهاية عام 2024م، وبحال تحققت التدفقات، فيعتقد البنك أن سيناريو الـ 200 ألف دولار للبيتكوين بحلول 2025م هو أمر محتمل.

بينما يتطلع مستثمرو العملات المشفرة إلى تقييم التأثير السوقي للصناديق؛ إذ يقارن الكثيرون ذلك بإطلاق عام 2004م صندوق “إس بي دي آر جولد شيرز” وهو أول صندوق استثمار فوري للذهب على الإطلاق، كان إجمالي القيمة السوقية لسوق الذهب حينها يتراوح بين تريليون وتريليوني دولار قبل الموافقة على صندوق الذهب المتداول في البورصة، ثم نما حجم السوق لاحقًا إلى 16 تريليون دولار في غضون سنوات قليلة بعد ذلك.

وفي مقابل التدفقات الكبيرة أعلاه على الصناديق الفورية خيم اللون الأحمر خلال شهر أغسطس الماضي على العملات المشفرة، وذلك مع ابتعاد المتعاملين عن أصول المخاطرة في الأسواق العالمية، وواصلت البيتكوين تقلباتها الحادة، وأخذت تتهاوى بأكثر من %9 إلى ما دون الـ 55 ألف دولار، كما تراجع الإيثريوم بأكثر من %18 إلى نحو 2350 دولارًا، وتزامن هذا التراجع مع انخفاض حاد لسعر صندوق جرايسكيل للبيتكوين على خلفية إطلاق نسخة مصغرة منه، وبرسوم أقل.

دوغ جورمان

سحب الأموال من الأسواق التقليدية

ويقول الخبير في العملات المشفرة، المهندس عبدالله فاضل، إن التعامل مع العملات المشفرة، بدأ في الولايات المتحدة منذ عدة سنوات من خلال شركة  البيتكوين، ولكن التعامل مع صناديق العملات المشفرة بشكل مباشر بدأ مع بداية هذا العام، ويضيف بأنها بدأت عن طريق البيتكون، ثم لحقها الليثيوم، وهي مؤثرة على الاقتصاد وخاصة الأمريكي لأن المستثمر بات قادرًا على الشراء من خلال تلك الصناديق وهو ما يسحب الأموال من الأسواق التقليدية، ويشدد على أن التذبذب هو عامل معتاد في التعامل مع العملات المشفرة، هو سوق غير مستقر منذ ظهوره، ولا يمكن أن يستقر، ويحتاج لوقت للنضج حتى تقل نسبة التذبذب، وهو أمر مرهون بالعرض والطلب، متى ما كان العرض أكثر من الطلب سيترفع السعر والعكس، وهذا ثابت جدًا في سوق العملات، أي خبر يؤثر عليه لأن غالبية الملاك هم من الأفراد، وبالتالي يتأثرون بشكل مباشر بالأخبار ويؤثر على قراراتهم في البيع والشراء، مما يتسبب في هذا التذبذب الحاد.

ويؤكد فاضل على أنه لا يمكن التنبؤ بالسعر الذي قد يصل إليه البيتكوين خلال العامين المقبلين، فقد عودنا البيتكوين أن يكون هناك تنصيف كل أربع سنوات، التنصيف انتهى قبل فترة بسيطة، وفي حال الانتهاء منه فخلال السنة والنصف التي تلي التنصيف تكون هناك ارتفاعات، لأن هذا يؤثر على عملية العرض والطلب، لأن التنصيف يقلل من المكافآت المعطاة للمعدنين، وهذا يؤثر على العرض.

ويقول سيكون هناك ارتفاع، ولكن لا يمكن الجزم أن تصل لـ 200 ألف دولار، في فترة التنصيف السابقة، كانت التوقعات أن يصل لـ 70 ألف دولار، ولكنه توقف عند 69 ألفًا ولم يصل للرقم المتوقع، مضيفًا بقوله: صحيح أن وجود الصناديق ستعطي فرصة أسهل للدخول والخروج، وضخ الأموال، ويؤثر على السوق بشكل مباشر، ولكن هذه الصناديق لها أهداف ومتى ما تحققت تلك الأهداف ستخرج منه وتؤثر على السوق، بلا شك أن النظرة المستقبلية متفائلة، ولكن لا أعتقد أن السوق ناضج بالشكل الذي يعطي أرقام محددة.

ولا يزال الخطر الأكبر الذي يواجه المستثمرين حتى بعد تدشين صناديق الـ ETFs يتمثل في التقلبات الحادة للعملة المشفرة، والتي وصلت إلى مستوى قياسي قرب 69 ألف دولار في نوفمبر 2021م قبل أن تتراجع دون 20 ألف دولار بعد عام واحد.

الحد من التقلبات والأنشطة الإجرامية

ويؤكد الخبير في العملات الرقمية والكاتب في موقع GWI، دوغ جورمان، أن الأشهر الثمانية عشرة الماضية غيرت من عالم العملات المشفرة، وبات نموها أسرع من أي وقت مضى، ويقول إنه مع وجود كثير من الوقت بين أيديهم وقلة الأنشطة التي ينفقون عليها الأموال، أتجه عديد من المستهلكين إلى تداول العملات المشفرة لأول مرة خلال الوباء، وهو ما أدى هذا إلى ظهور فئة جديدة تمامًا من “أسهم الميم”، التي أعادت الحياة إلى الشركات المتعثرة مثل GameStop وAMC، وهزت السوق إلى صميمها، ومن جانب أخر يستغرب جورمان من دعم المستثمرين اللوائح الجديدة، قائلاً على الرغم من أن لديهم وجهات نظر متضاربة تمامًا حول ما قد تعنيه هذه السياسات ومن يجب أن ينشئها، إذ يعتقد عديد من المستثمرين أن التنظيم الأكبر قد يضفي الشرعية على السوق الناشئة ــ مما يمكّن مزيدًا من الشركات من قبول العملات الرقمية، وزيادة قيمتها وأمنها من الاحتيال، وكل ذلك مع الحد من التقلبات والأنشطة الإجرامية، ومن ناحية أخرى، يخشى الكثيرون أيضًا أن يؤدي تنظيم العملات المشفرة إلى الحد بشكل فعال من طبيعتها القائمة على الندية، وهو ما جذب المستثمرين الأوائل، كما يرون أن عيوب تنظيم العملات المشفرة تشكل تهديدًا أكبر، ليس فقط لمحافظهم، بل وللحريات الفردية التي يختبرونها حاليًا في السوق اللامركزية والمجهولة”.