المســح سيسهم في تسريــع خطــوات تحقيــــق مستهدفـــات 2030م ورفع تنافسية المملكة.
في خطوة غير مسبوقة عالميًا، تحقق المملكة طموحاتها المتعلقة بالتوسع في إنتاج وتصدير الطاقة المتجددة، وزيادة إسهاماتها ضمن مزيج الطاقة إلى %50 بحلول 2030م، وذلك بإطلاقها مشروع المسح الجغرافي للطاقة المتجددة، وهو “بنك معلومات” للمستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة، والأول من نوعه سواء من ناحية التغطية الجغرافية أو شمولية البيانات ودقّتها، كونه يستهدف تركيب 1200 محطة لرصد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في جميع أنحاء المملكة.
وقال وزير الطاقة، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، إن مشروع المسح – وهو جزء من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة – غير مسبوق عالميًا في نطاقه، مشيرًا إلى أنه شمل أكثر من 850 ألف كيلومتر مربع في جميع أنحاء البلاد، وهي مساحة تعادل تقريبًا حجم المملكة المتحدة وفرنسا مجتمعتين، أو ألمانيا وإسبانيا مجتمعتين، لافتًا إلى أنه لم يسبق لأي دولة أخرى في العالم إجراء مسح جغرافي من هذا النوع بهذا الحجم.
بوابة دخول المستثمرين
وذكر عضو لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى سابقًا، الدكتور فهد ابن جمعة، أن هذا المشروع يهيئ البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات باعتباره البوابة أو السوق الأكبر لدخول المستثمرين إلى قطاع الطاقة المتجددة، ومن المتوقع أن يكون له مردود إيجابي جدًا على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة واقتصاد المملكة بشكل عام، مؤكدًا على أنه يسهم في تسريع خطوات تحقيق مستهدفات 2030م، وفي ذات الوقت، سيسهم في رفع تنافسية المملكة في قطاع الطاقة المتجددة، حيث سيوفر البيانات الضرورية المطلوبة لتحديد المواقع المثلى التي تتوافر فيها طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وتمتلك المملكة فرصًا جيدة لتحقيق هدفها المتعلق بإنتاج 130 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة، ومن المؤكد أن مشروع المسح الجغرافي، سيساعدها في ذلك حتى قبل حلول عام 2030م، من خلال تعزيز السياسات والمزايا التنافسية وغيرها من التدابير التي من شأنها جذب مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، وقد نجحت المملكة في إضافة 2.1 جيجاوات من قدرة الطاقة المتجددة منذ عام 2022م، بزيادة قدرها %300، مقارنةً مع 700 ميجاوات المضافة بين عامي 2012م و2022م.
وبهذه الوتيرة الحالية، يمكن أن تزيد قدرات الطاقة المتجددة بمعدل نمو سنوي مركب في حدود %40، لتصل إلى 31.5 جيجاوات بحلول عام 2030م، و63.1 جيجاوات بحلول عام 2035م، حيث تجاوزت مشاريع الطاقة المتجددة قيد الإنشاء 8 جيجاوات في نهاية العام الماضي، ويرجع ذلك أساسًا إلى العديد من المشاريع التي تمت ترسيتها من خلال المزادات في الأشهر الثمانية عشر الماضية، ومن المتوقع أن تعادل مصادر الطاقة المتجددة %35.4 من مزيج القدرات في المملكة بحلول عام 2035م.
تسارع نمو الطاقة المتجددة
ومن جانبه، قال المحلل في شركة الأبحاث العالمية “جوبال داتا”، “سوديشنا سارماه”، إن نمو الطاقة المتجددة في المملكة تسارع مؤخرًا بسبب سياسة البلاد لتنويع مصادرها لضمان أمن الإمدادات على المدى الطويل، لافتًا إلى أن وفرة الإشعاع الشمسي وموارد الرياح تجعل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من التقنيات المتجددة الرئيسية التي يتم التركيز عليها بشكلٍ كبير، حيث شكلت الطاقة الشمسية نسبة %82.6 من إجمالي قدرات الطاقة المتجددة نهاية العام الماضي.
ويلعب التقدم التكنولوجي وخفض التكاليف في تقنيات الطاقة المتجددة دورًا حاسمًا في دفع النمو في صناعة الطاقة المتجددة في المملكة، فالتقدم السريع في الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتوربينات الرياح، وأنظمة تخزين الطاقة، وتقنيات تكامل الشبكات، أدى إلى تخفيضات كبيرة في تكلفة توليد الطاقة المتجددة، وقد أسهم ذلك، في جعل الطاقة المتجددة أكثر قدرة على المنافسة مع توليد الطاقة من المصادر التقليدية.
ومن أبرز العوامل التي تُعزز موثوقية وأداء أنظمة الطاقة المتجددة هو التقدم في كفاءة الطاقة، وتقنيات الشبكات الذكية، والتحول الرقمي، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين، ومع استمرار تطور تقنيات الطاقة المتجددة التي أصبحت أكثر فعالية من حيث التكلفة، من المتوقع أن يتسارع اعتماد ونشر حلول الطاقة المتجددة في المملكة، مما يدفع النمو في صناعة الطاقة المتجددة.
ويمكن التأكيد على أن الإعلان عن إجراء المسح الجغرافي للطاقة المتجددة يعد أحد أهم المبادرات التي اتخذتها المملكة في عام 2024م، يأتي ذلك في الوقت، الذي تعمل فيه المملكة على إنشاء أكبر مركزين في العالم لالتقاط الكربون وتخزينه في المنطقة الشرقية والغربية، بقدرة مستهدفة 44 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون وتخزينه سنويًا بحلول 2035م، فضلًا عن إعلان شركة “نيوم للهيدروجين الأخضر” اعتزامها بناء أكبر مصنع على مستوى العالم، لإنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة بنسبة %100، على أن يبدأ الإنتاج بحلول عام 2026م، بطاقة 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا، بما يعادل 600 طن من الهيدروجين الأخضر يوميًا، ضمن خطواتها لتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2060م، وخططها لأن تكون مصدرًا عالميًا رئيسًا للهيدروجين الأخضر النظيف.
تعزيز الاستدامة والتنمية
ويوفر المسح الجغرافي “بنك معلومات” للمستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة، ويسهم بشكل كبير في تسريع إقامة مشروعات الطاقة المعتمدة على الشمس والرياح، وتحقيق الاستفادة المثلى من الموارد، فضلًا عن تقليل مخاطر الاستثمار، وبالتالي سيسهم في نمو قطاع الطاقة المتجددة خلال السنوات المقبلة، ولا تقتصر خطط تنويع مزيج الطاقة، على خفض التكاليف التشغيلية وزيادة الكفاءة فحسب، لكنه يضمن كذلك تحقيق الاستدامة وتعظيم القيمة المضافة من المصادر الهيدروكربونية.
وقد أشاد الخبير البريطاني والرئيس التنفيذي لشركة “هاردكاسل”، “زيد بلباقي”، بالخطوات التي تتخذها دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة والمملكة على وجه الخصوص، لتشجيع الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، معتبرًا أنها في الاتجاه الصحيح، وأشار إلى أن المنطقة من المتوقع أن تكون بحاجة إلى 100 جيجاوات أخرى من الطاقة خلال العقد المقبل لتلبية الطلب المتزايد، علاوةً على ذلك، فإن عديدًا من سبل التنويع الاقتصادي، مثل الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية ومناطق الجذب السياحي، والتي تستهلك الكهرباء بكثافة، وهو ما يزيد الحاجة إلى مصادر طاقة كافية ومستدامة.
وأضاف أنه فضلًا عن فوائد أمن الطاقة واستدامتها في الداخل، فإن التزامها بالطاقة المتجددة أسهم في تعزيز علاقات المملكة الدولية، فضلاً عن جذب وتوفير الاستثمار الأجنبي، فعلى سبيل المثال، وقَّعت المملكة شراكات للطاقة المتجددة مع أذربيجان وموريتانيا وأوزبكستان، خلال الأسبوع الأول من شهر مايو 2024م، كما أنها تجري حاليًا محادثات مع الاتحاد الأوروبي لتحديد سبل التعاون في مجال الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون، فضلًا عن استضافة أسبوع الطاقة الخضراء في شهر مارس 2024م، حيث اجتمع قادة الصناعة المحليون والدوليون لمناقشة الفرص والتحديات التي تواجه سلسلة قيمة الطاقة.
مركز إقليمي للطاقة النظيفة
ويمكن القول إن المملكة تواصل خطواتها الناجحة لبناء بنية تحتية قوية ومستدامة للطاقة المتجددة، التي لا يمكنها تلبية الطلب المحلي فحسب، بل يمكنها أيضًا دعم الاستهلاك الدولي، حيث تنشط الشركات المملوكة للدولة في توفير الدعم المالي والتنظيمي اللازم لهذا الخطوات، علاوةً على تعزيز مجالات الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بالنظر إلى أن الطاقة المتجددة لم تعد خيارًا، بل ضرورة لتعزيز الاستدامة وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتتيح فرصة كبيرة للتوظيف وتنمية المهارات ويزيد من ثقة المستثمرين الدوليين في المملكة.
وأخيرًا فإن عديدًا من القطاعات الاقتصادية في المملكة، تسير في مسارات تصاعدية ملحوظة، خاصة فيما يتعلق بطموحاتها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة والتكنولوجيا الفائقة الصديقة للمناخ، ومن بين هذه الخطوات، مساعيها لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، والتي توفر فرصًا مثلى للشركات الغربية المتخصصة في تكنولوجيا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وحلول تخزين الطاقة، وتقنيات البناء الخضراء، خاصة وأن الصحاري الشاسعة المضاءة بنور الشمس في البلاد والاستثمارات الكبيرة في الطاقة الخضراء تجعلها أرضًا خصبة لمشاريع الطاقة المتجددة الرائدة.
فالمملكة تمر بتحولات سريعة مع مشاريع عملاقة وضخمة، وكل هذه المشاريع موجهة نحو الاقتصاد المستقبلي، ويتشكل هذا المستقبل بشكل أسرع مما يدركه الكثيرون خارج المنطقة، وذلك بفضل مزيج قوي من الاستثمار والبنية التحتية والإرادة السياسية الداعمة، ما يؤكد بأن لدى المملكة فرصةً فريدة لأخذ زمام المبادرة في وضع العالم على أساس أكثر استدامة للطاقة وفي الوقت نفسه تنويع اقتصادها.