الطاقة الشمسية كرييتڤ

كهرباء المناطيد الشمسية!

المناطيد الشمسية تولد كهرباء أقوى 500 مرة من الألواح التقليدية، وثمة مؤشرات بأن يتم الاعتماد عليها بشكل أوسع خلال السنوات المقبلة.

اعتماد الخلايا الشمسية على الطقس “تحدٍ كبير” يفسح المجال أمام توليد الطاقة من الفضاء.

 

لم تعد البالونات الطائرة وسيلة للمتعة والتسلية فحسب، لكن في المستقبل القريب سيكون لها استخدامات أخرى، ربما تتغلب على وظيفتها التقليدية، فليس من المستغرب أن تنتشر بصورة أكبر مما هي عليه حاليًا، حاملة معها ألواحًا شمسية تقوم بتوليد الطاقة الكهربائية، ومن المؤكد أن هذه التقنية المبتكرة من المنتظر أن تفتح الباب على مصراعيه أمام زيادة الاستثمارات في المشروعات المستدامة التي يتم تنفيذها خارج حدود كوكب الأرض.

يأتي ذلك في إطار المساعي التي تبذلها شتى دول العالم من أجل الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة وتعظيم إنتاجيتها، لتحقيق هدف خفض الانبعاثات والحصول على الطاقة الكهربائية من العناصر المستدامة.

وأمام أن الطاقة التي تصل إلينا من الفضاء أقوى مما يمكننا توليدها على الأرض، هذه الفكرة التي ظل العلماء يتتبعونها منذ عقود، وهذا هو السبب وراء محاولتهم “امتصاص” أشعة الشمس باختراع هائل ومبتكر، أقوى 500 مرة من الألواح الشمسية التقليدية.

وكشفت شركة “كول إيرث سولار”، عن أول مناطيد شمسية لتوليد الكهرباء في العالم، مزودة على سطحها بخلايا شمسية رقيقة تعمل على تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية، وأشارت إلى أن هذه المناطيد قادرة على التحليق فوق طبقات السحاب، حيث يكون السطوع الشمسي عند أعلى مستوياته، وبالتالي توليد كهرباء بشكل هائل.

ويتم تصنيع الخلايا الشمسية ذات الأغشية الرقيقة من السيليكون غير المتبلور باستخدام شرائط، ثم يتم وضعها على غلاف البالون، حيث تتمتع هذه الألواح بمرونة لا مثيل لها مقارنةً بالخلايا الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون والتي توفر ميزة فريدة في سهولة ربطها بالمناطيد، وعندما يصل ضوء الشمس إلى الخلايا، يتم امتصاص الفوتونات بسبب المادة شبه الموصلة، مما يؤدي إلى فقدان الإلكترونات والسماح لها بالتدفق في اتجاه واحد فقط، إذ يعد هذا النقل للإلكترونات المسؤول عن تدفق التيار الكهربائي المباشر، لكن العقبة الآن هي التوصل إلى طريقة لإرسال الطاقة الكهربائية المُولدة بسلاسة إلى محطة التخزين الأرضية، حيث تم تصميم هذه المناطيد خصيصًا للطيران على ارتفاعات عالية جدًا، تصل إلى حوالي 1000 قدم تقريبًا.

ويمكن لهذه المناطيد أن ترتفع فوق الضباب وأتربة الغلاف الجوي السفلي إلى طبقة الستراتوسفير، مما يتيح لها التقاط ضوء الشمس بشكل أكبر، كما أن الشكل الكروي لها يسمح بتجميع أشعة الشمس من أكثر من نقطة مقارنةً بالألواح المسطحة التي لا يمكنها جمع أشعة الشمس إلا من أمامها.

 

الطاقة فوق السحاب

وبلاشك فإن المناطيد الكهروضوئية تعد خطوة للأمام في الحصول على الطاقة من مصادر متجددة خارج غلافنا الجوي، وهو الأمر الذي تم وضعه نظريًا منذ تسعينيات القرن الماضي، ومع ذلك، يبقى أن نرى إلى أي مدى سيصل هذا الابتكار، وما هي كمية الكهرباء النظيفة التي سنحصل عليها في نهاية المطاف مقارنةً بالألواح الشمسية التقليدية، وهذا ما يحاول العلماء تحديده الآن.

ويمكن القول إن فكرة “كول إيرث سولار” عن البالونات الشمسية المولدة للكهرباء، ليست هي الوحيدة، حيث يعمل فريق فرنسي وياباني على تطوير وسيلة أكثر فعالية للحصول على الطاقة باستخدام المناطيد أيضًا، ويقود حاليًا أحد كبار الباحثين في المركز الوطني للأبحاث العلمية، وهو مؤسسة بحثية فرنسية، “جان فرانسوا غيمولز”، مجموعة من الباحثين اليابانيين، ويأمل الفريق في الحصول على نموذج أولي في غضون عامين.

وذكر غيمولز: “إذا كنت ترغب في الحصول على الطاقة من الشمس، فمن المفيد أن تذهب فوق السحب” مشيرًا إلى أن المناطيد الشمسية يمكنها توليد ثلاثة أضعاف الطاقة لكل قدم مقارنةً بنظيراتها الأرضية، وسيكون تصميمها أيضًا قادرًا على تخزين الطاقة وكذلك توليد الطاقة، وأضاف: “نحصل على مزيد من الضوء هناك، في الواقع الكمية نفسها تقريبًا في كل مكان على الأرض، ليست هناك حاجة لوضع مزارع الطاقة الشمسية في الصحاري”.

وأضاف أنه بالرغم من التطور الحاصل في الألواح الشمسية التقليدية، من حيث التكلفة والكفاءة، لكن جميع الخلايا الكهروضوئية الأرضية لديها نقطة ضعف خطيرة، وهي اعتمادها على الطقس، فإذا كانت الغيوم تعترض الطريق، فحتى أفضل الألواح الشمسية لا تعمل بشكل جيد، مشيرًا إلى أن البالون أخف من الألواح الشمسية، لذا فهو يحتاج إلى طاقة أقل لتصنيعه ونقله، بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم الذهاب إلى أي مكان ولن يشغلوا الأراضي التي يمكن استخدامها لأغراض أخرى (مثل زراعة المحاصيل).

وتابع الباحث الفرنسي: “سيكون مثل هذا المولد الشمسي سهلًا وسريعًا جدًا في التركيب، بالإضافة إلى نقله أو إزالته عند الحاجة، واستخدام الأراضي ضئيل للغاية، ولديه القدرة على جعل الطاقة الشمسية أكثر استدامة وأسرع لنشرها على نطاق واسع”.

أقمار اصطناعية لتوليد الكهرباء

وثمَّة من يؤكدون بأن توفير الأراضي للخلايا الشمسية قد لا تكون مشكلة كبيرة في المستقبل، حيث يمكن وضعها على الأسطح أو نوافذ المباني الكبيرة، ومع ذلك، تظل فكرة “غيمولز” وفريقه مثيرة للاهتمام، وليس الأمر كما لو أننا لا نعرف كيفية صنع بالونات على ارتفاعات عالية، تقوم عملاق البحث “جوجل” بالفعل ببناء بالونات لنشر الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء العالم.

ويمكن القول إن الحصول على أشعة الشمس بشكل مستمر، مسألة تشغل بال كثير من الشركات الناشئة في هذا المجال، حيث أعلنت شركة مقرها ولاية كاليفورنيا الأمريكية، عن اعتزامها إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية الصغيرة العاكسة للضوء، العام المقبل، والتي سترسل ضوء الشمس إلى محطات الطاقة الشمسية لتعزيز إنتاج الكهرباء المتجددة بعد حلول الظلام.

وذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ريفلكت أوربيتال”، “بن نواك”، أنه من المقرر إطلاق كوكبة من 57 قمرًا صناعيًا صغيرًا تدور حول الأرض في تشكيل في مدار قطبي متزامن مع الشمس، على ارتفاع 370 ميلاً، ففي هذا المدار، ستدور الأقمار الصناعية حول الكوكب من القطب إلى القطب بينما يدور الكوكب تحتها، وستحلق الأقمار الصناعية فوق كل بقعة على الأرض في الوقت نفسه من اليوم، وستقوم بمرورين كل 24 ساعة، لافتًا إلى أن هذه الأقمار ستوفر 30 دقيقة إضافية من ضوء الشمس لمحطات الطاقة، في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى الطاقة.

وأضاف: “المشكلة هي أن الطاقة الشمسية غير متاحة عندما نريدها فعلًا، فكلما ازداد عدد مزارع الطاقة الشمسية التي نبنيها، انخفض عدد الأشخاص الذين يريدونها فعليًا خلال النهار، سيكون أمرًا رائعًا حقًا إذا تمكنا من الحصول على بعض الطاقة الشمسية قبل شروق الشمس وبعد غروبها”.

وفي عام 2019م، قامت شركة “سوبر اسبيس” التي تتخذ من أسطنبول مقرًا لها، بإطلاق مجموعة من البالونات الشمسية الصغيرة (1500 بالون)، والتي تحصد طاقة غير محدودة من الشمس، في تجربة تشبه “عباد الشمس”، وتبدأ البالونات الشمسية في الارتفاع باستخدام حرارة الشمس لالتقاط مزيد من ضوء النهار لتوليد الطاقة الكهربائية، وفي الليل تبدأ في الانخفاض إلى ارتفاع محدد، بعد أن تفقد طاقتها الحرارية في الداخل.

 

مشكلة تخزين الطاقة

وانخفضت تكلفة الألواح الشمسية بنسبة 90% على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وتستمر كفاءتها في الارتفاع، وذلك بفضل التقدم في تكنولوجيا الخلايا الكهروضوئية، لذا أصبحت الطاقة الشمسية الآن أرخص شكل من أشكال الكهرباء المتاحة للبشر على الإطلاق، لكن الطبيعة المتقطعة لتوليد الطاقة الشمسية تمثل مشكلة لا يزال الخبراء يكافحون من أجل حلها، ومن هنا تبدو الحاجة إلى استخدام المناطيد الشمسية أو الأقمار الصناعية الصغيرة التي يمكنها الحصول على قدر أكبر من الطاقة الشمسية من الفضاء وإرسالها إلى المحطات على الأرض.

وبحسب مرصد الطاقة العالمي، هناك حوالي 8300 مزرعة للطاقة الشمسية تعمل في جميع أنحاء العالم، ويتمتع كوكب الأرض في المتوسط، بحوالي 12 ساعة من ضوء الشمس يوميًا، ولكن جزء فقط منه عبارة عن سماء مشمسة صافية، وفي يوم غائم، من المتوقع أن تنتج اللوحة الشمسية ما بين %10 إلى %25 من إنتاج الطاقة العادي، لذلك، يمكن أن يصل وقت التوقف عن العمل في مزرعة الطاقة الشمسية إلى أكثر من %50.

ففي الوقت الذي يعتقد فيه العلماء أن ضوء الشمس هو النفط الجديد، والفضاء جاهز لدعم البنية التحتية للطاقة، لكن العديد من الباحثين وصناع السياسات يرون أن تخزين هذه الطاقة لحين الحاجة إليها، لساعات أو حتى أيام، هو المفتاح لانتقال الاقتصادات بعيدًا عن الوقود التقليدي.

وقالت وزيرة الطاقة الأمريكية، “جينيفر جرانهولم”، في بيان صدر عام 2022م عندما أعلنت وزارتها أنها ستخصص أكثر من 300 مليون دولار لتخزين الطاقة على المدى الطويل، “إن تطوير تقنيات تخزين الطاقة أمر بالغ الأهمية لتحقيق شبكة طاقة خالية من الكربون”.

ومن المتوقع أن يتم الاعتماد على المناطيد الشمسية والطرق المبتكرة بشكل أوسع خلال السنوات المقبلة، باعتبارها مصدرًا مهمًا للحصول على الكهرباء من المصادر المتجددة، وفي الوقت نفسه، تقضي على المشكلات المتعلقة بالمساحات الشاسعة التي تحتاجها محطات الطاقة الشمسية، خاصة مع تزايد الاعتماد بشكل أكبر على الشمس والرياح لخفض انبعاثات الكربون، وهي القضية التي تشغل بال كافة دول العالم دون استثناء.