لاڤندر مضخات حرارية

مضخات حرارية!

%20 حصة متوقعة للمضخات الحرارية من قدرات التدفئة العالمية لتحقيق الحياد الكربوني.

فرص استثمارية واعدة وتنافس قوي بين الشركات لإنشاء خطوط إنتاج مخصصة للمضخات الحرارية.

 

أجهزة كهربائية تعمل على تدفئة وتبريد المباني، وتسهم في خفض الانبعاثات بشكلٍ ملحوظ، وتزايدات مبيعاتها في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة في معظم دول العالم.. إنها المضخات الحرارية التي تعد أحد أكثر الخيارات كفاءةً لتحقيق الحياد الكربوني، خاصةً أنها تعتمد على الحرارة المحيطة والطاقة المتجددة.

وتشير التقديرات إلى أن مبيعات المضخات الحرارية شهدت زخمًا غير مسبوق في جميع أنحاء العالم، بمعدل نمو بلغ %30 تقريبًا منذ عام 2020م، على الرغم من حدوث انخفاض بنسبة %3 في عام 2023م، وتمثل الصين – التي تعد حاليًا أكبر سوق في العالم للمضخات الحرارية للمباني – أكثر من ربع المبيعات العالمية، وتصدرت باقي دول العالم في نمو مبيعات المضخات بنسبة قوية بلغت %12.

وقد بلغ حجم سوق المضخات الحرارية العالمية 47 مليار دولار في عام 2023م، وسط توقعات بأن يصل إلى حوالي 52 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وأن يحقق معدل نمو سنوي مركب بنسبة %10 حتى عام 2034م مدفوعًا بزيادة الاستثمارات في القطاعات التجارية والسكنية واللوائح الحكومية الخاصة لمعايير كفاءة الطاقة، والجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ وخفض الانبعاثات والتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

وتستهلك المضخات الحرارية طاقة أقل بـ (5-3) مرات في المتوسط من السخانات الكهربائية أو الحلول القائمة على الوقود التقليدي، على الرغم من أن استخدامها في مجال الصناعة وتدفئة المناطق لا يزال في مرحلة التطور، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض الوعي وارتفاع التكاليف الأولية، إلى أن هذه المضخات من التقنيات الأساسية لإزالة الكربون، فعلى سبيل المثال تسهم في خفض انبعاثات التدفئة المنزلية في المتوسط بنسبة %65، بالنظر إلى أن تدفئة المباني مسؤولة عن %10 من الانبعاثات.

انتشار عالمي واسع

وأعلن اتحاد المناخ الأمريكي عن عزمه تزويد 20 مليون منزل بمضخات الحرارة الكهربائية بحلول عام 2030م، لتحقيق هدفه في القضاء على انبعاثات المباني، لكن هذه الخطوة، سيكون لها مردود اقتصادي، خاصة في المناطق ذات الدخل المنخفض، حيث من المتوقع أن تسهم هذه المضخات في خفض تكاليف الطاقة السنوية بين 2100-1700 دولار للمبنى الواحد، يأتي ذلك وسط توقعات، بأن تحقق سوق المضخات الحرارية معدل نمو سنوي مركب في حدود %9، لتصل إلى حوالي 20 مليار دولار بحلول عام 2034م.

وما زلنا في الولايات المتحدة، حيث تجاوزت مبيعات المضخات الحرارية لأول مرة مبيعات أفران الغاز وذلك في عام 2020م، وحققت ذروة مبيعات تزيد عن 4 ملايين وحدة في عام 2022م، إذ تمثل المضخات الحرارية %55 من مبيعات أنظمة التدفئة حاليًا، لتسجل قفزة كبيرة أعلى من المتوسطات التاريخية منذ التوسع في استخدامها قبل 20 عامًا.

وفي أوروبا، انخفضت مبيعات المضخات الحرارية بنسبة %6.5 في عام 2023م، وهو أول انخفاض بعد عشر سنوات من النمو السنوي، مما يهدد أهداف القارة العجوز المناخية لعام 2030م، حيث تم بيع حوالي 3 ملايين مضخة حرارية العام الماضي، وارتفع إجمالي المضخات الحرارية المثبتة في المباني في أوروبا إلى حوالي 24 مليونًا، بزيادة قدرها %13.7 عن عام 2022م، لكن إذا ظلت المبيعات السنوية عند هذا المستوى، فمن المتوقع تركيب حوالي 45 مليون مضخة حرارية بحلول عام 2030م، وهو ما يقل بنحو %25 عن أهداف الاتحاد الأوروبي.

وذكرت الجمعية الأوروبية للمضخات الحرارية، أن الاتحاد الأوروبي سيفقد الاستثمارات المحتملة وصافي نمو الصناعة الصفري، وأكدت أن هناك أيضًا فرصة ضائعة لتجنب انبعاثات بحوالي 70 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يقرب من الإنتاج السنوي لثاني أكسيد الكربون في دولة رومانيا، وأشارت إلى أنه مع وجود أكثر من 250 موقع تصنيع في أوروبا، فإن كل مضخة حرارية يتم بيعها وتركيبها تمثل دفعة لقطاع التكنولوجيا النظيفة وتزيد من قدرتها التنافسية.

وتحتاج المملكة المتحدة، في مساعيها لتحقيق هدف الحياد الكربوني، إلى تغطية %10 من المنازل (البالغ عددها حوالي 30 مليون منزل) بالمضخات الحرارية مقارنةً مع %1 فقط حاليًا، وهو ما يعني تركيب 1600 مضخة يوميًا لمدة 5 سنوات مقبلة.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن المضخات الحرارية ستكون عنصرًا حاسمًا في خطط مكافحة تغير المناخ، وفي سيناريو يصل فيه العالم إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050م، يجب أن تمثل المضخات الحرارية %20 من قدرات التدفئة العالمية بحلول نهاية هذا العقد.

إيجابيات لا تخلو من سلبيات

وبشكل مبسط، فإن هناك نوعين رئيسين من المضخات الحرارية، لكنهما يعملان بطريقة مشابهة للثلاجات ومكيفات الهواء، النوع الأول، الذي يستخدم الهواء الخارجي سواء لتبريد أو تسخين الهواء بالداخل، والنوع الثاني، يعتمد على الهواء والماء معًا، بشكل يسمح بنقل الطاقة في الهواء الخارجي إلى الماء، لاستخدامها في التبريد أو التسخين عبر أنانيب أرضية يتم تصميمها بشكل يتناسب مع مساحة المبنى.

وأوضح مدير مبادرة الهندسة المستدامة في كلية تاندون للهندسة بجامعة نيويورك، “ميغيل موديستينو”، أن المضخات الحرارية تنقل الحرارة ولا تنتجها، باستخدام الكمية نفسها من الكهرباء، حيث يمكنها أن توفر دفئًا أكبر بثلاث إلى أربع مرات من المدفأة الكهربائية، مشيرًا إلى أن المضخات الحرارية الأرضية تستقبل الحرارة من تحت الأرض، حيث تكون أكثر استقرارًا.

وتتمتع المضخات الحرارية بعدة مزايا، من بينها أنها تعمل بالكهرباء، والتي تأتي بشكل متزايد من مصادر متجددة؛ كما أنها ذات كفاءة عالية، حيث تستطيع إنتاج من 5-3 وحدات من الحرارة لكل وحدة كهرباء تستخدم لتشغيل المضخة حتى في درجات الحرارات الباردة جدًا بالخارج، لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها، هي المتعلقة بالتكلفة، حيث إن شراء وتركيب مضخة واحدة أكبر تكلفة من الغلايات التي تعمل بالغاز، كما أنها ستسهم في ارتفاع الطلب على الكهرباء خاصةً في أوقات الذروة، بحسب مختصين.

ويُنظر إلى المضخات الحرارية على نحو متزايد باعتبارها عنصرًا أساسيًا في تحقيق أهداف إزالة الكربون، حيث تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن 875 مليون أسرة سوف تحتاج إلى الحصول عليها بحلول عام 2050م لتتماشى مع تحقيق أهداف صافي الصفر، إلى جانب زيادة الكهرباء النظيفة.

كما يجري النظر في طرق التدفئة البديلة منخفضة الكربون، ولكن بعضها، مثل تلك التي تستخدم الهيدروجين، أقل كفاءة وأكثر تكلفة، وبصرف النظر عن بعض الاختناقات في سلاسل التوريد العالمية، فإن العامل الرئيس الذي يمنع مزيدًا من إنتاج المضخات الحرارية ونشرها حاليًا هو الطلب، الذي كان محدودًا بسبب التكاليف الأولية للمعدات بالإضافة إلى عدم إلمام الأسر بالتكنولوجيا، ففي المملكة المتحدة وبعض الدول الأخرى، تعد الكهرباء أيضًا أكثر تكلفة مقارنًة مع الغاز، مما يزيد من تكاليف التشغيل (على سبيل المثال، تصل تكلفة تركيب مضخة حرارية واحدة ما بين 19-10 ألف دولار في المملكة المتحدة)، في حين يقدم عديد من الحكومات إعانات لدعم استخدام هذه المضخات.

ويمكن القول إن المضخات الحرارية أضحت تقنية واسعة الانتشار في العالم، وتعمل الشركات المُصنعة على تحسين كفاءتها وخفض تكلفتها، مع سهولة تركيبها، واستخدام مواد تبريد وتدفئة أكثر توافقًا مع المعايير البيئية، وقد تم حتى الآن تركيب ما يقدر بنحو 200 مليون مضخة حرارية على مستوى العالم، وهي تحظى بشعبية خاصة في بلدان الشمال الأوروبي.

ميغيل موديستينو

فرص استثمارية واعدة

ولا شك في أن الدعم الحكومي وحجم السوق المستقبلي المُتوقع، جعل سوق المضخات الحرارية تجتذب مزيدًا من الاستثمارات من عدة مصادر، بما في ذلك المستثمرين في صناعة الغلايات التقليدية الذين يقومون بالتوسع أو إنشاء خطوط إنتاج جديدة، ففي نهاية عام 2023م، ذكرت الرابطة الأوروبية للمضخات الحرارية، أن جملة الاستثمارات المُخصصة للتوسع في إنتاجها والأبحاث ذات الصلة بهذه المضخات ستصل إلى 7 مليارات يورو على مدى السنوات الثلاثة المقبلة، وهو ما يشير إلى أنها تمثل فرص استثمارية واعدة.

وأعلنت شركة “بوش” عن خطط لإنشاء مصنع جديد بقيمة 225 مليون يورو في بولندا، من المقرر افتتاحه في نهاية عام2027م، وهو جزء من استثمار إجمالي بقيمة مليار يورو لزيادة قدرة إنتاج المضخات الحرارية الأوروبية خلال العقد الحالي، وفي عام 2021م، قامت شركة البنية التحتية الكندية العملاقة “بروكفيلد”، بشراء حصة الأغلبية في شركة تركيب المضخات الحرارية الألمانية “ثورموندو”، وفي عام 2023م، قامت شركة الخدمات المالية في بريطانيا، بالتعاون مع شركة “أكتوبس إنرجي”، بشراء شركة “كينسا” للمضخات الحرارية الأرضية، باستثمارات بلغت 70 مليون جنيه استرليني.

ويمكن القول إن المضخات الحرارية هي الحاضر والمستقبل، حيث من المتوقع التوسع في استخدامها في المنازل والمنشآت التجارية والصناعية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع الاستثمارات الضخمة المنتظرة، ومساعي الدول لتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة الأممية، باعتبارها الحل المثالي لأنشطة التبريد والتدفئة ذات الكفاءة العالية في حسن استغلال موارد الطاقة ذات الانبعاثات المنخفضة.