رأي

القادم المُرعب!

الإنسان صاحب القدرات العقلية الفذة كائن مجبول على حب المعرفة وسبرعالم المجهول ومحاولة فهمه وبالتالي، تطويعه للوصول إلى حالة من التفوق والتميز على أقرانه. هذا الشغف المعرفي المتواتر قاده إلى محاولة إيجاد مكون “اصطناعي” مواز له بالمعرفة ليحل محل جهده البشري في مواضع متعددة وقادر على تطوير ذاته -تلقائيًا- من خلال بيانات وبرمجيات وحوسبة متقدمة بغية وصوله إلى درجة من الذكاء العلمي والتقني تحاكي الذكاء البشري، بل تتفوق عليه أحيانًا من حيث حجم القدرة الاستيعابية وتنوع المجالات المعرفية وبالتالي، تفوقه بتقديم الحلول والأنظمة المبتكرة والقيام بالمهام نيابة عن الإنسان في شتى المجالات كالتعليم والتفكير والابتكار والاقتصاد والصناعة (بما فيها العسكرية)، والتجارة والطب والهندسة والمحاماة والرياضة وتحسين التنبؤ واتخاذ القرارات ومحاكاة الاستشعار العصبي للإنسان وتطوير التقنية.

تصور لو تم تحميل علوم ونظريات واختراعات ومبتكرات وآراء وسلوك أمهر الأشخاص في العالم (من هم على قيد الحياة أو عدمه)، على شكل بيانات برمجية وتمت معالجتها بمحتوى برمجي رقمي فائق التقنية يحاكي ذكاء وتفكير وسلوك تلك العقول البشرية الماهرة (منفردة ومجتمعة)، فإن ذلك يعني احتمالية توليد أو استنباط أفكار ألكترونية جديدة مقاربة أو منسجمة مع أفكار تلك العقول وإعطاء إجابات عن الأسئلة المطروحة عليها أيضًا!

وتصور مرة أخرى استطاعة العلم فك شفرة الموجات الكهربائية للدماغ البشري (هناك محاولات ناجحة لفك تشفير عمليات مسح الدماغ)، وعُمل على إيجاد خوارزمية قادرة على التواصل مع تلك الموجات فإن النتائج  ستكون “مرعبة” بالقدرة على قراءة أفكار الإنسان أو حتى التخاطب مع تلك الأفكار؟!. ربما يعد هذا الطرح خياليًا للبعض إلا أنه أحد اهتمامات ومستهدفات ما يسمى بالذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence-AI)!

التطبيقات الإلكترونية الحالية للذكاء الاصطناعي التي تقدم خدماتها للعامة ما هي إلا تطبيقات “بسيطة جداً” موازنة مع ما تمتلكه الدول المتقدمة من علومه (AI) وبما سيقدمه الذكاء الاصطناعي للعالم في المستقبل والذي بدأت أبحاثه منذ عام 1956م، وأستمر تطويره من وقتها وفي العقود الأخيرة استخدمت تقنياته تجاريًا من قبل الشركات والمؤسسات في تطبيقات التحليل الضخم للبيانات وتحسين العمليات وتطوير المنتجات والخدمات والتعلم الآلي والطب والتصنيع والتجارة والتسويق والترفيه، ومن المتوقع أن يستمر استخدامه وتطويره وبالتالي، زيادة الاعتماد عليه في الحياة العامة!

وكعادة الأشياء حينما تحتمل وجهين اعتمادًا على طبيعة استخدامها، فالذكاء الاصطناعي ليس مستثنى من هذه القاعدة فهناك محاذير ومخاطر ومخاوف يطلقها المختصون حوله، بعضها يتعلق بهاجس الدول من انتهاك أمنها القومي وخصوصية الأفراد لما للذكاء الاصطناعي من قدرة فائقة على جمع البيانات والمعلومات وتحليلها، كما أن المخاوف تطال الحياة الاجتماعية والاقتصادية للناس بعد تحول العمليات الآلية واحتمالية فقدان الوظائف التقليدية.

وهناك جوانب أكثر حساسية حينما يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الفجوة التقنية بين الدول والشركات والأفراد مما يعني تفاقم العدالة الاجتماعية. وأشد المخاطر حينما يخرج الذكاء الاصطناعي عن دائرة السيطرة البشرية والتقنين أو يتم استغلاله بشكل غير مسؤول وأخلاقي!

وقفات:

  • أخطر تطبيقات للذكاء الاصطناعي حينما تستخدم تقنياته للتأثير أو السيطرة على سلوك الناس!.فضلاً عن إسهام بعض تطبيقاته المجانية أو المدفوعة بهدم روح الابتكار والتفكير للإنسان من خلال زيادة الاتكال عليها بأداء المهام!

 

  • التاريخ يخبرنا أن من يمتلك زمام المبادرة والتفوق العلمي والاقتصادي هو من يفرض أجندته على الآخرين بغض النظر عن أي محاذير قد يراها غيره!