تتأثر أسعار النفط بالتوترات السياسية أكثر من العوامل الاقتصادية، لاسيما في الفترة المقبلة وأن الأسواق باتت حساسة للغاية لأي حدث عالمي مؤثر.
قد تنخفض الأسعار مع زيادة الإنتاج، ولكنها سوف تعود إلى الاستقرار بسبب توازن العرض والطلب وزيادة استقرار السوق على المديين القريب والمتوسط.
تواجه أسعار النفط جملة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية ذات الأثر الكبير على موجاتها بالارتفاع والانخفاض، فقد حققت ارتفاعات ملحوظة في بداية شهر أكتوبر الماضي، مدعومةً بالتوترات والمخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي بتقلصها وهدوء وتيرتها تراجعت الأسعار بأكثر من %6 لتصل إلى أدنى مستوى لها في أواخر أكتوبر، وثمة توقعات باستقرار الأسعار عند هذه الحدود حتى نهاية العام وإلى منتصف عام 2025م مرهونًا بانحسار وتيرة الاضطرابات الجيوسياسية ومدعومًا بعديد من العوامل الاقتصادية كوجود فائض معتدل في المعروض وآخر بالطاقة الإنتاجية في كبرى الدول المُنتجة.
وكانت وكالة الطاقة الدولية قد خفضت سبتمبر 2024م، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط خلال ما تبقى من عام 2024م، وقالت في تقريرها الدوري، إنها تتوقع نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 900 ألف برميل يوميًا، ليسجل قرابة 103 ملايين برميل يوميًا في 2024م، مقارنة بتقديرها في التقرير السابق عند نمو قدره 970 ألف برميل يوميًا، وذكرت الوكالة أن نمو الطلب العالمي على النفط يواصل التباطؤ بوتيرة حادة مقارنة بالمعدلات المسجلة عقب انتهاء أزمة الوباء، وأن السبب الرئيس في ذلك هو التباطؤ الكبير في نمو الطلب الصيني، الذي سيكون العامل الأكثر إسهامًا في إخماد الطلب العالمي.
وأبقــــت الوكالــــة على توقعــــها بنمــــو الطلــــب العالمي على الذهــــــب الأســــود في 2025م بنحـــو 950 ألـــف برمــيــــل، متوقعــــةً أن تشهــــد ســـوق النفـــط فائضًـــــا في المعروض العام القادم حتى إذا أبقى تحالف “أوبك بلص” على قيود الإنتاج الحالية.
توقعات أوبك هي الأعلى بين تقديرات قطاع النفط
وخلال النصف الأول من العام الجاري نما الطلب العالمي على النفط بمقدار 800 ألف برميل يوميًا على أساس، ليسجل أدنى وتيرة للزيادة منذ عام 2020م، ويعادل ذلك قرابة ثُلث النمو المحقق خلال الفترة المناظرة لها عام 2023م مع تعويض الزيادة في إنتاج غيانا والبرازيل ودول أخرى للانخفاض في الإمدادات الليبية بسبب المشكلات السياسية، والنرويجية والكازاخستانية بسبب أعمال الصيانة، وتراجع استهلاك الصين من النفط بمقدار 280 ألف برميل يوميًا على أساس سنوي للشهر الرابع على التوالي.
وقد تماشى تقرير وكالة الطاقة مع تقرير منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الذي خفض أيضًا بدوره من توقعاته بشأن نمو الطلب العالمي على النفط فيما تبقى من العام الجاري، كما قلص توقعاته للعام 2025م في ثاني تعديل بالخفض من المجموعة، وجاءت هذه التوقعات متسقة مع انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية لتصل لأدنى مستوى لها منذ عام 2021م في النصف الأول من العام، قبل أن تعود وتشهد ارتفاعات ملحوظة في الفترة الأخيرة.
وقالت أوبك في تقريرها إن الطلب العالمي على النفط سيرتفع 2.03 مليون برميل يوميًا في عام 2024م ليمثل انخفاضًا من نمو قدره 2.11 مليون برميل يوميًا في توقعات أعلنتها قبلها بشهر، فيما خفضت أوبك أيضًا تقديراتها لنمو الطلب العالمي في عام 2025م إلى 1.74 مليون برميل يوميًا من 1.78 مليون برميل يوميًا.
وربما يرجع هذا الخفض في التوقعات بسبب الشكوك في نمو الطلب على الخام وكذلك الخلافات حول الصين ووتيرة انتقال العالم إلى وقود نظيف، وعلى الرغم من ذلك لا تزال توقعات أوبك هي الأعلى بين تقديرات قطاع النفط رغم الخفض، وذلك بالنظر إلى المستقبل، فمن المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي في الصين مدعومًا على نحو جيد.
وبعد انخفاض نسبي مستقر في شهري يوليو ويونيو ومطلع سبتمبر 2024م، عند مستوى 76 دولارًا لخام برنت و72 دولارًا لخام غرب تكساس، عادت لتنتعش مجددًا في مطلع أكتوبر بدعم من التوترات في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ سجلت أسعار النفط أكبر مكاسب لها في أكثر من عام، وحقق خام برنت مكاسب تجاوزت %8 وهو أعلى ارتفاع أسبوعي منذ يناير 2023م، بينما قفز خام غرب تكساس الوسيط بنسبة %9.1 وهو أعلى مستوى له منذ مارس 2023م، وكانت شركة الوساطة “StoneX” توقعت ارتفاعًا في أسعار النفط ما بين 3 إلى 5 دولارات للبرميل في حال تعرضت البنية التحتية النفطية الإيرانية لخلل بسب التوترات الحاصلة، وهو ما يعني تعطل إنتاج نحو 3.2 مليون برميل يوميًا، بما نسبته %3 من الإنتاج العالمي.
حدثان أساسيان مختلفان في التأثير على النفط
ويؤكد الخبير في أسواق النفط العالمية، الدكتور عبدالسميع بهبهاني، أن أسعار النفط تتأثر بالتوترات العسكرية والسياسية، أكثر من العوامل الاقتصادية، لاسيما في الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن الأسواق باتت حساسة للغاية لأي حدث مؤثر، قائلاً: “ثمَّة حدثان أساسيان مختلفان في التأثير على النفط، الأول: انهيار الأسواق العالمية، والثاني: التوترات العسكرية”، مضيفًا أن الحدث الأول يشير إلى التباطؤ الاقتصادي وإلى استمرار انهيار الأسعار، أما التوترات العسكرية فسيكون الحدث عكسيًا، حيث تأثر أسعار النفط بالعمليات العسكرية كان بسيطًا إذ انخفض ثم ارتفع قليلاً، وتابع بقوله إن استمر هذا التراجع الاقتصادي في موسم زيادة الطلب والذي يمثله الربع الرابع 2024م، سيؤثر على أسعار النفط أكثر في الربع الأول لعام 2025م، حيث ينخفض الطلب عادة، ولكن الاعتقاد الأقرب إلى المنطق الاقتصادي أن انخفاض الأسواق ضمن الدورة التصحيحية، وإن صدق ذلك فإن قفزة أسعار النفط العكسية ستكون كبيرة.
وقال الدكتور بهبهاني إن التوقعات حول مستقبل النفط في الأشهر الـ 12 المقبلة، تشهد كثيرًا من التباينات، بسبب عدم وضوح الرؤية حول أمكانية تطور التوترات العسكرية في المنطقة، موضحًا أن وكالة الطاقة افترضت عندمنا توقعت أن يصل الطلب لـ 109 ملايين برميل يوميًا في 2040م أن التحدي الأكبر المقبل سيكون انتشار السيارات الكهربائية بمعدل نمو تصنيع يتراوح بين 30 و%40 وبمعدل شراء %3، وإنه على فرض أن المتوافر من السيارات الكهربائية 9 ملايين حاليًا، فإنها تسلب من إنتاج العالمي للنفط أقل من %1 في عام 2025م، بنسبة متفائلة، ولكن حتى هذه لا يبدو أن هناك إجماعًا عليها، فالتقديرات تتفاوت بحدة، وهو ما دفع “وود ماكينزي” للتأكيد على الحاجة إلى استثمارات جديدة للنفط في إنتاج 23 مليون برميل يوميًا، إضافية من المصادر الجديدة لتعويض النقص المقبل.
وأشار إلى أن هذا التباين في تقدير ذروة الطلب والقدرة الإنتاجية ساق الشركات الاستكشافية الكبرى للنفط إلى التحوط وتقليص ميزانياتها الرأسمالية إلى %60، بالإضافة إلى إفلاس الشركات الصغيرة، وهذا كله أدى إلى توقعات لظهور نقص في إنتاج النفط والغاز يصل إلى أكثر من %25، وبالتالي فإن مستقبل النفط يعتمد على الاقتصادات الناشئة والنامية بنمو يقدر بـ %4.4 عام 2025م، والبتروكيماويات تسهم في %60 من نمو الطلب بمعدل يصل إلى %5 سنويًا، متصورًا أن الحاجة مُلِحَّة جدًا لزيادة القدرة الإنتاجية للنفط، برغم تفاؤل تقارير الطاقة البديلة المتناقضة.
عدم وضوح رؤية التقديرات واتساقها مع الأسعار
ويسهم الكثير من العوامل في عدم وضوح رؤية التقديرات واتساقها مع الأسعار، ففيما تسود توقعات بارتفاع تكلفة تأجير ناقلات النفط، إذا نفذ تحالف “أوبك بلص” تعهده بإنهاء خفض الإنتاج، بعدما شهدت تكاليف شحن النفط وأسهم شركات الناقلات ارتفاعًا كبيرًا، تؤكد تقارير رسمية أن تصاعد التوترات العسكرية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد أكثر من ثلث الإنتاج العالمي، سيكون لها الدور الفعال لأن يدفع بعض التجار في أنحاء العالم إلى تأمين احتياجاتهم من الخام بشكل عاجل، خاصة بعد قرار “أوبك بلص” في سبتمبر عام 2022م على تمديد تخفيضاتها الطوعية الإضافية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا لمدة شهرين حتى نهاية نوفمبر الجاري، بعدها سيتم إنهاء هذه التخفيضات تدريجيًا على أساس شهري بدءًا من أول ديسمبر 2024م، ويتوقع الدكتور بهابهاني أن تمدد المجموعة الخفض مماثلة حتى الأول من 2025م، لمنع الأسعار من الانهيار.
وقد ترتفع نسبة تشغيل ناقلات النفط إلى %90 العام المقبل إذا نفذ “أوبك بلص” تعهده بإلغاء تخفيضات الإنتاج، حسب مذكرة بحثية كبتها محللون لدى شركة “جيفريز”، ونشرتها “بلومبيرغ”، والتي توقعت أنه بحلول عام 2027م، سيحدث استخدام كميات كبيرة من مخزونات النفط، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في تكاليف نقل النفط.
ويبدو أن هذا التباين في الأسعار، والتراجع الذي حدث في منتصف العام، جاء تحت ضغط فشل تطورات الاقتصاد الكلي في تقديم دعم حقيقي للنفط، وأيضًا لقيام روسيا بالإفراط في الإنتاج في أبريل على الرغم من التزاماتها بخفض الإنتاج مع أعضاء “أوبك بلص” عام 2024م، وثمَّة اعتقاد بأن تفكيك تخفيضات الإنتاج قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في مخزونات النفط العالمية.
ومن المرجح أن تعتمد توقعات أسواق النفط على ما تبقى من العام على ما إذا كانت هناك أي علامة على أن الطلب يمكن أن يرتفع بشكل مستدام، ليتناسب مع ما يبدو أنه عرض وافر ومتزايد للغاية، ولكن بحسب المختصين حتى الآن، يصعب اكتشاف هذه العلامات.
الأحداث الجيوسياسية يكون لها تأثير مؤقت
وتشير معظم التوقعات إلى أن أسعار النفط سترتفع بعيدًا عن فرضية العرض والطلب، لأسباب عديدة بعضها ليس اقتصاديًا، إذ توقع بنك غولدمان ساكس، قفزة أسعار النفط بمقدار 20 دولارًا للبرميل خلال العام المقبل، وذلك إذا تعرضت الحقول النفطية في إيران لأي تعطل وارد حدوثه، وأشار إلى أن هذا السيناريو يفترض أن تحالف “أوبك بلص” لن يستجيب بزيادة الإنتاج، وأن استجابة دول رئيسة في “أوبك بلص”، مثل المملكة والإمارات قد تؤثر في هذه التوقعات.
وتراوحت أسعار النفط القياسي الأمريكي في الغالب بين مستويات الـ 76 و84 دولارًا للبرميل، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما لم يكن هناك دليل واضح على أن خفض أسعار الفائدة قد يحدث في وقت أقرب مما تتوقعه الأسواق حاليًا.
ويؤكد من جهته الخبير النفطي وعضو لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى سابقًا، الدكتور فهد بن جمعة، أن ارتفاع أسعار النفط سيحدث فور حدوث أي خلل قد يحدث لمصافي النفط في إيران، ويقول: “قد تصل إلى 90 وربما إلى 100 دولار للبرميل، وذلك حسب كمية تعطل الإنتاج الإيراني إن حدث”، وأضاف بقوله إن مثل هذا النوع من الأحداث الجيوسياسية يكون له تأثير مؤقت لأسابيع أو شهر، ولكن ليس لعدة أشهر، لأنه بعد فترة ستكون هناك زيادة إنتاج من أوبك، ومن غيرها لتعويض النقص الحاصل، وشدد على أن التذبذبات الحادة في أسعار النفط ناتج لوجود اضطرابات في الأسواق سواء بسبب الإعصار فرانسين وانخفاض المخزون الأمريكي، وثمَّة معلومات تضغط على الأسعار وأخرى تدعمها ولكن الأسعار تراقب مستوى التضخم في أمريكا وما سيقدم عليه الفيدرالي الأمريكي إذا قرر استمرار خفض الفائدة أم لا، ولكن بالنظر إلى أساسيات السوق فلا يوجد نقص في جانب العرض والطلب خاصة من جهة الصين التي لا يوجد هناك أي مؤشرات تشير إلى تحسن الاقتصاد الصيني بجانب مؤشرات على ضعف الاقتصاد الأمريكي أيضًا واقتصاد أوروبا، وبالتالي لا توجد قوة في الطلب تدعم أسعار النفط.
وأضاف بن جمعة بأنه قد تنخفض الأسعار مع زيادة الإنتاج، ولكنها سوف تعود إلى الاستقرار بسبب التوازن بين العرض في دول مجموعة “أوبك بلص” والدول خارجها ما يؤدي إلى توازن العرض والطلب وزيادة استقرار السوق على المديين القريب والمتوسط، خاصة، وأن “أوبك بلص” شددت على أهمية الامتثال والتوافق الكامل والتعويض، وأنه سيتم تقييم ظروف السوق تباعًا واتخاذ القرارات المناسبة.
وحاليًا يبلغ إنتاج “أوبك بلص” أدنى مستوى له في عام 2024م بتراجع 400 ألف برميل يوميًا إلى 26.14 مليون برميل يوميًا، مع توقف إنتاج ليبيا الذي يبلغ 1.2 مليون برميل يوميًا.
المخزونات العالمية المرصودة
وفي مطلع العام 2024م، كانت التوقعات تشير إلى أن سعر خام برنت سيتداول فوق مستوى الـ 90 دولارًا للبرميل في النصف الثاني منه، تم تداول أسعار النفط بالفعل فوق هذا المستوى عدة مرات هذا العام، قبل أن تتراجع ولا يزال المحللون يتوقعون أن يتم تداول أسعار النفط لفترة وجيزة فوق ذلك المستوى في الربع الرابع، ومع ذلك من غير المرجح أن تستمر أسعار النفط في مواصلة الارتفاع، في العام المقبل، فمع حلول نهاية العام من المرجح أن يشعر المستثمرون بالارتياح لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدأ فعليًا في تخفيض فقط لأسعار الفائدة، الأمر الذي يشجع النشاط الاقتصادي العالمي، لأنه متى ما خفض الفيدرالي الأمريكي الفائدة ستلحق به دول أوروبا وآسيا، تفاديًا لحرب عملات محتملة وهو ما يعني طلب أكثر على الطاقة.
وتحاول في غضون ذلك منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين الإبقاء على تخفيضات كبيرة في الإنتاج لدعم الأسعار، فيما هناك أخرون يفضلون ضخ مزيد من النفط، لجني مزيد من المال، وسط توقعات أن يتم تمديد معظم التخفيضات حتى عام 2025م في اتفاق معقد تم التوصل إليه في وقت سابق من يونيو، ولكن سيبدأ الإلغاء التدريجي لعنصر يسمى “الطوعي” ابتداءً من نوفمبر الجاري، من جانب آخر أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج “أوبك بلص” يمثل الآن الحصة الأقل من حجم العرض العالمي، وهو يختلف عما كان عليه منذ تأسيسها في عام 2016م، الأمر الذي يقلل من قبضتها على السوق، ولكن ليس بالشكل الذي تطمح له الولايات المتحدة والصين، فمازالت أوبك تملك هيمنة كبيرة على السوق، وقادرة على إعادة التوازن للسوق، خاصة مع استمرار الصراع بين موسكو وكييف واحتدام الصراعات في الشرق الأوسط.
وقد ارتفعت خلال الأشهر القليلة الماضية المخزونات العالمية المرصودة، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أغسطس 2021م، وتحركت المخزونات البحرية بوتيرة سريعة، مع انخفاض حاد في النفط على الماء، بينما ارتفعت المخزونات البرية إلى أعلى مستوى في 30 شهرًا، قبيل الارتفاع الموسمي في نشاط المصافي في الشتاء، وتشير البيانات غير الرسمية إلى انخفاض مخزونات النفط العالمية بمقدار 18.1 مليون برميل في يونيو مدفوعة بانخفاض قدره مليون برميل يوميًا في النفط الخام.
الاستمرار في التخفيضات الكاملة
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة أن تنتج “أوبك بلص” كميات أقل من النفط الخام عن الأهداف المعلنة للمجموعة خلال بقية الفترة المتوقعة، مما سيخفض مخزونات النفط العالمية حتى منتصف عام 2025م ويبقي مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بالقرب من قاع النطاق، وانخفضت مخزونات النفط العالمية 0.8 مليون برميل يوميًا في المتوسط من الربع الثالث من عام 2024م، حتى الربع الأول من عام 2025م، وأيضًا تتوقع بأن يعود السوق تدريجيًا إلى تراكم المخزون المعتدل في عام 2025م، بعد انتهاء تخفيضات إمدادات “أوبك بلص” الطوعية في الربع الرابع من عام 2024م، وبعد أن يبدأ نمو العرض المتوقع من دول خارج “أوبك بلص” في تعويض النمو في الطلب العالمي على النفط، وبدءًا من الربع الثالث من عام 2025م تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات النفط العالمية سترتفع بمتوسط 0.3 مليون برميل يوميًا وستزيد بمقدار 0.4 مليون برميل يوميًا في الربع الرابع من عام 2025م، وأن يبلغ متوسط أسعار النفط 91 دولارًا للبرميل في الربع الأول من عام 2025م، و88 دولارًا للبرميل في عام 2025م حيث يؤدي تزايد المخزونات إلى انخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من العام المقبل.
كما يتوقع بنك ING الهولندي تداول أسعار النفط بمتوسط الـ 80 دولارًا للبرميل لعام 2025م، بأكمله والخطر الرئيس لهذا الرأي هو إذا قررت “أوبك بلص” الاستمرار في التخفيضات الكاملة، لأن هذا من شأنه أن يترك السوق مرتفعًا حتى عام 2026م، هذا وحذر البنك الدولي من أنه إذا تحول الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع إقليمي، فإن أسعار النفط قد ترتفع إلى 150دولارًا في نهاية عام 2024م، فيما احتفظت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية على المدى البعيد بتوقعات متحفظة لتوقعات أسعار النفط لعام 2030م، عد مستوى 73 دولارًا للبرميل، و80 دولارًا للبرميل في عام 2035م و87 دولارًا للبرميل في عام 2040م، و91 دولارًا للبرميل في عام 2045م، و95 دولارًا للبرميل في عام 2050م.
دراسة أنماط النطاق السعري
ويشير الدكتور بهبهاني إلى إنه يمكن قراءة التوقعات المستقبلية من خلال دراسة أنماط النطاق السعري، الذي يتقارب في نطاق أضيق حتى ينفجر السعر، إما في اتجاه الترند (الاستمرار) أو في الاتجاه المعاكس (الانعكاس)، وتحتاج حركة السعر إلى التحرك في سلسلة من القمم المنخفضة والقيعان المرتفعة لتشكيل نمط المثلث، وقال يُعد نمط المثلث بشكل عام في طور التشكل عندما يتضمن خمس لمسات من الدعم والمقاومة على الأقل “ثلاث لمسات لأحد هذه الخطوط واثنين للآخر”، ويُظهر المثلث انخفاضًا في التقلبات، والتي قد تتوسع في النهاية مرة أخرى، وهذا يوفر رؤية تحليلية للظروف الحالية، ونوع الظروف التي قد تكون مقبلة.
ويؤكد على أن المثلثات واحدة من أكثر أنماط الرسوم البيانية اتباعًا على نطاق واسع، على الرغم من وجود كثير من الأنماط التي يمكن أن تتوقع مسار السوق، على سبيل المثال بالنظر إلى الرسم البياني لخام غرب تكساس الوسيط، فإن المقاومة تقع عند مستويات الـ 83 – 84 دولارًا للبرميل، بينما يقع الدعم عند مستوى الـ 75 دولارًا للبرميل، ويتداول السعر بين المتوسطين المتحركين لمدة 200 يوم و50 يومًا، ولم يتم تحديد الموجة الخامسة لخام برنت بشكل جيد بعد، حيث تتراوح المقاومة بين مستويات الـ 89 و90 دولارًا للبرميل.
جملة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية
وبشكل عام لقد واجه القطاع النفطي خلال العام الجاري جملة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي قد تؤثر على الأسواق بشكل كبير، ولا يتوقع أن تنحل تلك المعوقات خلال العام المقبل، بل على العكس من ذلك يتوقع أن تتزايد مدفوعة بالتوتر العسكري في الشرق الأوسط.
ويؤكد رئيس المعهد الدولي للطاقة والبيئة والتوقعات الاستراتيجية، الدكتور راشد أبانمي، على أن الأمر يخضع لعديد من الأمور ولا يمكن حرصها بالتكهنات فقط، مشددًا على أن الأمر بفوق العرض والطلب، وإنه في حالة كانت الأوضاع هادئة وطبيعية، يكون العرض والطلب هو المتحكم في الأسعار، ولكن في حالة الاضطرابات والقلاقل في مصادر إنتاج النفط يتجاوز الأمر ذلك، حاليًا الشرق الأوسط يعاني من قلاقل ونزاع واضح، يؤثر على مضيقي هرمز وباب المندب، وهو مسار أكثر من %40 من النفط العالمي، ولا يمكن قياس التوقعات بل هناك زيادة في الطلب أو العرض، هذه التوترات هي ما ستتحكم في الأسواق خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تهديد منابع النفط في المنطقة، هذا يجعل الأمر في إطار الأزمات، قد ترفع الأسعار بسبب قلة الإنتاج، بأكثر مما يتصوره الاقتصاد.
وقال الدكتور أبانمي إن النفط سيعاني من تأثر الإمدادات لو حدث أي نقص وسيكون لها تأثير كبير، ويضيف بقوله إن أوبك لن تستطيع أن تكبح جماح الأسعار في حال حدوث خلل حقيقي في الإنتاج، ولا يمكن أن تبعد أي إنتاج من المنظومة، الخروج القسري سيعني أنه سيؤثر على حركة الناقلات في مضيق هرمز، ناهيك عن باب المندب، وبالتالي الأمر يفوق التكهنات، وفي تصوري أن السياسيين أكثر حنكة من استهداف مصافي النفط الرئيسة في المنطقة، فهم من سيتأثر أولا، الأمر سيكون أكبر من قدرة أوبك على السيطرة عليه.
وأشار الدكتور أبانمي إلى أن استمرار تمديدات خفض الإنتاج الطوعي من قبل تحالف “أوبك بلص” أسهم في زيادة السحب من مخزونات النفط الخام خلال العام الجاري بشكل أكبر من التوقعات السابقة، وهو ما أدى إلى سوق أكثر استقرارًا في عام 2024م، وتوقعات باستمرار ذلك في عام 2025م، بفضل استمرار نمو الإنتاج خارج التحالف، مع تباطؤ الوتيرة مقارنة بالأعوام السابقة، حيث قد يصل إلى مليون برميل يوميًا في كل من عام 2025م، وهو ما يمثل نصف معدل النمو في عام 2023م، غير أن هذا لن يكون صافيًا من التحديات، سيواجه تحالف “أوبك بلص” تحديات في إدارة الإمدادات في ظل ارتفاع طاقة الإنتاج خارج منظمة الدول المصدرة للنفط والمخاطر الجيوسياسية في مناطق العبور الرئيسة مثل البحر الأحمر وهي ما تشكِّل عقبات كبيرة أمام السيطرة على الأسعار، وعلى الرغم من هذه التحديات فقد حافظت منظمة الدول المصدر للنفط بقيادة المملكـــة على استقــرار سوق النفط في عام 2024م، بشكل كبير مجنبة إياه من الانهيار.