حجم سوق المستودعات في المملكة وصل إلى 9.3 مليار دولار عام 2022م ومن المتوقع أن يصل إلى 13.2 مليار دولار بحلول عام 2030م.
مع زيادة انفتاح وتوسع الخدمات اللوجستية وزيادة مشاركة القطاع الخاص قامت صناديق الاستثمار العقاري (REITs) بضخ استثمارات كبيرة في قطاع التخزين بالمملكة.
في عالم متسارع النمو، أدت التغيرات في الاقتصاد العالمي وازدياد الحركة الدولية للبضائع خلال العقود الأخيرة إلى ظهور قطاع التخزين كأحد القطاعات المحورية في الإطار اللوجستي الداعم للتجارة والتبادل التجاري، ورفع كفاءة سلاسل التوريد وضمان التدفق السلس للسلع والخدمات، والذي تغير من قطاع يقدم خدمات تخزين طويلة الأجل إلى قطاع يركز على إدارة تدفقات البضائع، وأخذ يُشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية في أي دولة، إذ يشمل قطاع التخزين كافة الأنشطة المتعلقة بتخزين البضائع والمواد، وتنظيمها، وإدارة مخزونها، من خلال المخازن والمستودعات والمراكز اللوجستية.
ويؤدي قطاع التخزين المتنامي دورًا حيويًا في تسهيل التجارة الداخلية والدولية وتسهيل حركة البضائع والسلع، ويحتل مكانة متزايدة الأهمية في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن دوره في توفير فرص العمل في مختلف المجالات.
وتُعدُّ العلاقة بين النمو في القطاع الصناعي وقطاع التخزين علاقة متبادلة وتكاملية، فمع نمو الإنتاج الصناعي وازدهاره، تزداد كميات السلع والمنتجات المصنعة، الأمر الذي يتطلب ضرورة مواكبة قطاع التخزين لذلك، بتوسيع قدراته لتلبية الطلب المتزايد، والتوسع في البنية التحتية وزيادة الاستثمارات في المرافق اللوجستية والتخزينية لاستيعاب السلع والمنتجات.
احتياج أكبر لمساحات التخزين والمستودعات
وتحتاج المصانع والشركات إلى تخزين المواد الخام، قبل بدء عمليات الإنتاج، مما يزيد الطلب على التخزين، مع ازدهار الإنتاج الصناعي، كذلك، فإن المصانع تقلل من تكاليفها التشغيلية وكفاءتها، من خلال تكنولوجيا المعلومات ومن خلال الاعتماد على الأنظمة المتقدمة لإدارة المخزون.
وعلى الجانب الآخر، فإن التخزين الكفء والآمن، يسهم في تقليل الفاقد الناتج عن تأخر الشحنات أو نقص المخزون، كما يلعب قطاع التخزين دورًا حيويًا في كفاءة النقل وتحسين سلاسل الإمداد، بإسهاماته في تنظيم وتوزيع السلع والمنتجات بين المصانع والأسواق.
ومع انطلاق رؤية 2030م والتي استهدفت الصعود بترتيب المملكة لتكون ضمن أفضل 10 دول في مؤشر الأداء اللوجستي، ساعيةً في هذا الإطار، إلى تنمية صناعة الخدمات والقدرات اللوجستية، وتحسين وتطوير البنية التحتية، بتطوير الموانئ وتحسين شبكة الطرق، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وتوسيع فرص الاستثمار، وتكريس الشراكة مع القطاع الخاص، ما أدى حدوث نمو ملحوظ في القطاع الصناعي، وبالتالي احتياج أكبر لمساحات التخزين والمستودعات.
وجدير بالإشارة إلى أن من بين أبرز الاستثمارات الضخمة في المجال اللوجستي، إطلاق مشروع المخطط العام للمراكز اللوجستية، على مساحة تتجاوز الـ 100 مليون متر مربع، والذي يضم 59 مركزًا لوجستيًا، منهم 12 مركزًا في منطقة الرياض، و12 في منطقة مكة المكرمة، و17 مركزًا في المنطقة الشرقية، و18 مركزًا في بقية مناطق المملكة، كما تم الترخيص لـ 1500 شركة لوجستية محلية وإقليمية ودولية.
ومن جانب آخر، فقد حرصت المملكة، إلى جانب ضخ الاستثمارات الحكومية، على تحسين الإطار التشريعي والقانوني، وتطوير وتحديث قوانين النقل، ومعايير السلامة، ومتطلبات تسجيل المنشآت، ومع زيادة انفتاح وتوسع الخدمات اللوجستية في الشرق الأوسط، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، قامت صناديق الاستثمار العقاري (REITs) بضخ استثمارات كبيرة أيضًا في قطاع التخزين بالمملكة.
تطوير مرافق التخزين المتقدمة تقنًيا بالمملكة
ومن المهم أيضًا الإشارة في هذا السياق، إلى أن جائحة كوفيد19- أدت إلى تسريع نمو التجارة الإلكترونية بشكل كبير، وزيادة الطلب على حلول التخزين والمستودعات والخدمات اللوجستية، وهو ما دفع في اتجاه تطوير مرافق التخزين المتقدمة تقنًيا بالمملكة، ومن المشروعات البارزة في هذا الإطار، المشروع المشترك ASMO بين أرامكو السعودية وشركة DHL لسلسلة التوريد، والذي تم إنشاؤه بهدف تلبية خدمات سلسلة التوريد المستدامة والفعالة.
وفي سبتمبر من العام الحالي 2024م أكد تقرير صادر عن شركة “نايت فرانك”، أن المملكة تواجه نقصًا ملحوظًا في قطاع التخزين والمستودعات، وخاصةً في المدن الكبرى، مثل: العاصمة الرياض، مشيرًا إلى أن إشغال المستودعات في المملكة وصل إلى مستويات غير مسبوقة، مسجلاً نسبة %97 بنهاية النصف الأول من عام 2024م، كما ارتفعت بشكل ضخم معدلات الإيجار الشهرية المتوسطة لكل متر مربع، نتيجة ارتفاع الطلب بشكل كبير على المستودعات والوحدات الصناعية الخفيفة.
كما أشار تقرير لمركز كين للأبحاث، تم نشره في فبراير 2024م إلى أن حجم سوق المستودعات في المملكة وصل إلى 9.3 مليار دولار عام 2022م، وبأنه سيصل إلى 13.2 مليار دولار بحلول عام 2030م بنسبة نمو %4.5 سنويًا، نتيجة التوسع في التجارة الإلكترونية، والمبادرات الحكومية الرامية إلى الاعتماد على القطاعات غير النفطية وتنويع الاقتصاد.
وإذا كان قطاع التخزين يمثل محورًا رئيسًا في الإطار اللوجستي الداعم للتجارة والتبادل التجاري، فإن المدن الكبرى، مثل: الرياض وجدة والدمام والخبر تُعد هي المدن الرئيسة في العمليات اللوجستية، إذ تبلغ المساحة التخزينية في الرياض حوالي 7 ملايين متر مربع، فيما تبلغ في جدة 4 ملايين متر مربع، وفي الدمام 3 ملايين متر مربع.
الصناعات المخدومة من جانب قطاع التخزين
وفيما يتعلق بالمستودعات والمواقع والصناعات، التي تتم خدمتها، يشير تقرير كين إلى أن المستودعات العامة تبلغ نسبتها في السوق %60، تليها منشآت التخزين المخصصة %25، أما المستودعات الخاصة، فتبلغ %15.
وإذا أخذنا الرياض كمثال، باعتبارها الأكبر بين مدن المدن المملكة في قطاع التخزين، سنجد أنها تمتلك 28 مليون متر مربع من المساحات المخصصة للمستودعات، فضلاً عن 820 ألف متر مربع من المساحات الصناعية واللوجستية قيد الإنشاء.
وفيما يتعلق بأسعار الإيجار للوحدات الصناعية الخفيفة ومساحات المستودعات من الفئة الثانية، فقد حققت الرياض الأداء الأكثر ارتفاعًا على مستوى المملكة، بعد أن شهدت زيادة سنوية بنسبة %10.4، وبلغت أسعار الإيجارات في القطاع 210 ريالات سعودي لكل متر مربع، فيما سجل مشروع “لوجستيك بارك الرياض” أعلى معدل للإيجار في المدينة، إذ وصل السعر إلى 290 ريالاً سعوديًا لكل متر مربع.
وتعمل مشروعات جيجا في الرياض على تعزيز الطلب على التخزين، ليس فقط لتلبية احتياجات تخزين مواد البناء والتشييد، بل أيضاً لتحفيز ظهور مراكز صناعية ولوجستية جديدة ومخصصة.
ويُعد قطاع البيع بالتجزئة والتجارة الإلكترونية هو أكبر القطاعات والصناعات المخدومة من جانب قطاع التخزين بنسبة %40، يليه قطاع التصنيع بنسبة %25 وصناعات الأغذية والمشروبات بنسبة %15.
مواكبة النمو الصناعي الكبير في المملكة
وكما ذكرنا، فإن قطاع التخزين في المملكة يواجه عجزًا ونقصًا بسبب عدم قدرته على مواكبة النمو الصناعي الكبير في المملكة، بعد أن بلغت نسبة الإشغال في جميع أنحاء المملكة %97، ومن المتوقع، وفقًا لبعض التقديرات، أن يستمر ارتفاع أسعار المستودعات، على الأقل على المدى القصير، نتيجة نقص المعروض، لاسيما أن زيادة المعروض، خاصةً من المساحات اللوجستية والتخزينية الفئة (أ)، يتطلب استثمارات ضخمة والتعاون بين المطورين المحليين والدوليين، علمًا أن المساحات من هذه الفئة محدودة أصلاً بسبب السلوك الحذر من ملاك الأراضي للاستثمار في هذه الفئة.
وهكذا، فقد أصبح واضحًا أن قطاع المستودعات والخدمات اللوجستية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية يشهد خلال الفترات الأخيرة، نموًا في مستويات الإشغال ونقصًا في مساحات التخزين واللوجستيات، ولم تعد المراكز اللوجستية الكبرى في الرياض وجدة والخبر كافية لاستيعاب الطلب.
ومن أسباب هذا العجز، المعدلات السريعة للنمو الاقتصادي والنمو الصناعي الكبير، الذي لم يستطع قطاع التخزين مواكبته، وكذلك بسبب التوسع المتسارع في التجارة الإلكترونية، وارتفاع الطلب الاستهلاكي، ومبادرات رؤية 2030م الطموحة، والطلب المتزايد على حلول الخدمات اللوجستية الحديثة، والاستثمار الحكومي في المشروعات الضخمة، مثل مدينة “نيوم” الذكية ومشروع البحر الأحمر، وكلها عوامل تزيد من الطلب على مساحات التخزين في السعودية، وتسهم في زيادة الحاجة إلى مرافق تخزين حديثة ومتطورة.
السلوك الاستثماري الحذر لملاك الأراضي
كما أن أحد أسباب ذلك النقص في المستودعات، هو السلوك الاستثماري الحذر لملاك الأراضي، الذين يترددون في القيام بمشاريع تطوير بسبب الافتقار إلى الخبرة في تطوير العقارات، التي تلبي المعايير الدولية.
ومن العوامل المهمة لتحسين القدرات اللوجستية وتحسين كفاءة العمليات في قطاع التخزين، هو التطور التكنولوجي والرقمنة، إذ زاد الاستثمار في أنظمة إدارة مستودعات التخزين، وتحسين وإدارة التدفق التشغيلي اليومي للمستودعات.
وأسهمت التكنولوجيا في تطوير أنظمة إدارة المخزون وتتبعه، وتحسين إدارة سلسلة الإمدادات، واستخدام الروبوتات في عمليات التحميل والتفريغ، كما ظهر ما يُعرف بـ “التخزين الذكي”، الذي يشمل استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة.
ومن خلال الرقمنة، استطاع الوسطاء الجمركيون ووكلاء الشحن استيراد البضائع وتخزينها وتسليمها ضمن الوقت المحدد دون تأخير، كما أصبح بمقدور موظفي المستودعات التعامل مع المخزون بسرعة، وتعبئته وشحنه بكفاءة.
ويمكن دمج “تقنيات إنترنت الأشياء” في سير عمل المستودعات، وهو ما يتيح التتبع المتقدم على طول سلسلة التوريد، ومن خلال البيانات المتوفرة أيضًا حول مكان وحالة المخزون، يمكن الانتباه إلى أي تأخيرات محتملة في الشحن بسبب الحوادث أو العقبات أو التوقفات المفاجئة.
وتمثل التكاليف التشغيلية، بما في ذلك تكاليف العمالة والصيانة، أحد التحديات البارزة في قطاع التخزين والمستودعات، إلى جانب التحديات المتعلقة بعدم كفاية القوى العاملة الماهرة، والثغرات في البنية التحتية، والعقبات التنظيمية، والحاجة إلى اعتماد التكنولوجيا على نطاق أوسع لتعزيز الكفاءة، وللتغلب على عقبة المسافات الشاسعة ودرجات الحرارة المرتفعة.
ويُعد التنافس المتصاعد من أبرز التحديات، التي تواجه هذا القطاع، خاصةً مع دخول الشركات الأجنبية، كما باتت الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه تحديات أكبر، فيما يتعلق بالتطورات التكنولوجية، والتي تتطلب استثمارات كبيرة، لا تستطيع تلبيتها تلك الشركات.
وإذا كان قطاع التخزين في المملكة يواجه بعض التحديات، إلا أن هذا القطاع أمامه في الوقت نفسه، فرص واعدة للنمو والازدهار، للعديد من الأسباب والعوامل الداعمة لهذا النمو، لعل أبرزها، رؤية 2030م الساعية لتنويع الاقتصاد، وفتح آفاق جديدة للاستثمار في قطاع التخزين والمستودعات، وطموحات المملكة في الحصول على مركز متقدم دوليًا في صناعة الخدمات اللوجستية، ومبادرات الاستدامة والشراكات بين القطاعين العام والخاص وتنمية رأس المال البشري، وهو ما يخلق بيئة مواتية لنمو قطاع التخزين.