علماء روس يبتكرون طريقة لتحويل النفايات البلاستيكية إلى منتجات بترولية.
وزارة الطاقة الأمريكية تعلن عن طريقة مبتكرة لتحويل النفايات البلاستيكية إلى ديزل نظيف.
حاويات النفايات البلاستيكية تتحول إلى “نفط المستقبل” وتوفر فرص واعدة للمستثمرين.
يبدو أن العالم بالفعل يعيش “عصر النفايات”، خاصةً أن التجارب العلمية لإعادة تدويرها وحسن استغلالها لا تتوقف عند حدٍ معين، حيث تعاني معظم دول العالم من مشكلات في التخلص منها، وما ينتج عن ذلك من أضرار بيئية وصحية جسيمة، لذا فإن الحل الذي توصل إليه الجميع هو تحويلها إلى قيم مضافة، وتسخيرها لتحقيق فوائد اقتصادية هائلة.
ولعل آخر التجارب التي تسعى جاهدةً إلى الاستغلال الأمثل للنفايات وخاصة البلاستيكية، ما أعلنه علماء في جامعة بيرم الوطنية للأبحاث التقنية في روسيا، عن ابتكارهم وحدة لتحويل النفايات البلاستيكية إلى منتجات بترولية، باستخدام الماء في حالته السائلة.
محاولات متعددة
وأشار الباحثون إلى أن هذه الوحدة لديها القدرة على معالجة أكثر من 100 نوع من النفايات البلاستيكية، لافتين إلى أنها تتطلب مساحة عمل أقل بأربع مرات من مرافق المعالجة الحالية، باستخدام أدوات محلية الصنع.
ويمكن القول إن محاولات العلماء في جامعة بيرم لتوليد الطاقة من النفايات البلاستيكية ليست هي الوحيدة؛ ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت سلسلة من الشركات اليابانية في بناء مصانع تحويل البلاستيك إلى نفط، ولكن بسبب الحرائق والحوادث الصناعية والمشكلات الاقتصادية اضطرت هذه المصانع إلى الإغلاق.
وفي منتصف عام 2022م، ابتكر باحثون في مركز “كراسنويارسك” العلمي التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، طريقة لمعالجة النفايات البلاستيكية لتكون صديقة للبيئة، من خلال تحويلها إلى هيدروكربونات خام، وتعتمد على حرق البوليمر بالغاز، وبعد ذلك يبقى الغاز الاصطناعي وكمية صغيرة من الرماد، وعند تسخينها، تتحلل البوليمرات إلى مركبات ذات سلسلة جزيئية أقصر، حيث يؤدي التحلل الحراري للنفايات إلى توليد الغاز، والذي يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة.
وفي عام 2023م، أعلن مركز إعادة التدوير في نيويغو بولاية ميتشيغان الأمريكية، عن خطط لفتح منشأة جديدة لإعادة التدوير الكيميائي للنفايات البلاستيكية، بالشراكة مع “كلين سيز”، الرائدة في مجال التكنولوجيا النظيفة، والتي سيتم من خلالها تحويل البلاستيك إلى مواد أولية للوقود.
وفي العام نفسه، أعلن رجل أعمال كيني يدعى “جيمس موريتو” مدير شركة “بروجرين إننوفيشن ليمتد”، عن تحويل النفايات البلاستيكية إلى وقود لتشغيل السيارات والمحركات بكافة أنواعها، من خلال تسخين البلاستيك في درجات حرارة عالية جدًا في غياب الأكسجين (وهي العملية المعروفة باسم التحلل الحراري)، حيث يتم تحويل النفايات مرة أخرى إلى سائل زيتي أو هيدروكربوني، وأن أحد المنتجات الثانوية لهذه العملية هو الفحم الحيوي الذي يستخدم بعد ذلك لتشغيل الأفران.
وقال موريتو “نحن ننتج نوعين من الوقود البديل، الوقود الأول هو البنزين البديل الذي يستخدم للآلات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والثاني هو وقود الديزل البديل الذي يمكن استخدامه في محركات الديزل الثقيلة (المولدات)، ويتم استخدامه بواسطة المركبات كما هو الحال في سيارتي الخاصة”.
وسائل مبتكرة
وأعلن مختبر “ايمز” الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية عن طريقة مبتكرة لتحويل النفايات البلاستيكية الضارة إلى ديزل نظيف، وذكر “آرون سادو”، الذي قاد فريق تطوير التكنولوجيا، قائلاً: “نحن نقترب من أزمة تزداد سوءًا بسبب الانبعاثات التي تؤثر على جودة الهواء وتغير المناخ والتي تتطلب منا استخدام مواردنا الطبيعية بكفاءة أكبر، بما في ذلك الموارد التقليدية المستخدمة في صناعة البلاستيك والوقود السائل، لكن من خلال النظر بشكل شامل إلى الطاقة والوقود والمواد الكيميائية وإمدادات المواد الطبيعية، يمكننا تصميم حلول مستدامة لنفايات البلاستيك ومشكلات الطاقة لدينا”.
ويؤكد مختصون على الحاجة الماسة لابتكار وسائل جديدة لمعالجة النفايات البلاستيكية، بالنظر إلى أنها أصبحت اليوم مشكلة متنامية وبأبعاد هائلة، ففي جميع أنحاء العالم، يتم إنتاج 400 ألف طن سنويًا، يتم إعادة تدوير %9 فقط وحرق %19، وما يتبقى من هذه النفايات، يتم دفنه في المكبات أو تتسلل إلى النظام البيئي، حيث تتسبب في إتلاف النظم البيئية والإضرار بصحة الإنسان.
وعلى الرغم من المخاوف العالمية بشأن تراكم النفايات البلاستيكية، فإن الدافع لإنتاج بلاستيك جديد لا يظهر أي علامات على التباطؤ، فوفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تضاعف إنتاج البلاستيك السنوي في العالم في العقدين الماضيين، ومن المقرر أن يتضاعف ثلاث مرات حتى عام 2060م، بسبب النمو الاقتصادي وزيادة عدد السكان.
حماية الكوكب
وفي هذا السياق، أكد الخبير البريطاني في مجال الطاقة والكهرباء، “أندرو هيرينج”، أهمية التجارب والتقنيات المبتكرة لتحويل النفايات البلاستيكية إلى وقود كوسيلة للحد من النفايات، حيث يمكن استخدام الوقود المُنتج ليحل محل مصادر الطاقة التقليدية، وبالتالي يمكن أن يساعد هذا التحويل في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مشيرًا إلى تزايد الاهتمام بتكنولوجيا تحويل البلاستيك إلى وقود بخطوات متسارعة في المملكة المتحدة، حيث يتيح مشروع قانون الطاقة الجديد دعم الوقود الكربوني المعاد تدويره.
وشدد “هيرينج”، على ضرورة أن تتم عمليات تحويل النفايات إلى وقود وفقًا لضوابط ومعايير صارمة تتضمن عدم إطلاق مواد سامة في الغلاف الجوي أو التربة وإمدادات المياه، بالنظر إلى أن المياه المستخدمة في أنشطة التبريد معرضة لخطر التلوث بشكلٍ كبير، مع ضرورة التخلص الآمن من المخلفات الناتجة عن هذه العمليات، لافتًا إلى وجود مشكلة أخرى تتعلق بتقطيع وتجفيف النفايات البلاستيكية، وعمليات التحلل الحراري، وإزالة التلوث وتخصيب منتجات الوقود، والتي تتطلب كمية هائلة من الطاقة.
ويمكن القول إن المزايا البيئية لتحويل النفايات البلاستيكية إلى وقود تعد “هائلة”، فهي تقلل من انبعاثات الكربون المرتبطة بأساليب التخلص من النفايات بالطرق التقليدية، في حين تقدم بديلاً قابلاً للتطبيق يمكنه أن يحل محل الوقود التقليدي، ويتماشى هذا التأثير المزدوج مع الجهود العالمية للتخفيف من تغير المناخ والانتقال إلى الاقتصاد الدائري، هذا فضلاً عن الآثار الاقتصادية الهائلة، والتي تتمثل في خلق فرص للصناعات لتبني التكنولوجيا الخضراء، ودفع الابتكار وتوفير فرص العمل في قطاع إعادة التدوير، ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي.
وفي عالم يتصارع مع تلوث البلاستيك وعواقبه بعيدة المدى، تعد هذه التجارب كبارقة أمل، لا يمكن التقليل من أهمية إمكاناتها لإحداث ثورة في ممارسات إعادة التدوير العالمية واستراتيجيات إدارة النفايات، وبينما نشهد القوة التحويلية للابتكار، فإننا نتذكر المسؤولية الجماعية عن حماية كوكبنا للأجيال القادمة.
وأكد الخبير في معهد “ماكديارميد” للمواد المتقدمة وتكنولوجيا النانو في نيوزيلندا، “أنجي إف جيه تان”، أهمية تقنيات تحويل النفايات البلاستيكية التي يصعب إعادة تدويرها إلى مصدر كثيف للطاقة، لكنه نبه إلى خطورة انبعاث ثاني أكسيد الكربون أثناء عمليات التحويل، مشددًا على أهمية تطوير تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون والاستفادة منه، نظرًا لدورها كحل جاهز قوي في جعل عمليات التحويل أكثر استدامة، وإطلاق العنان للإمكانات الهائلة لاستخدام البلاستيك المهدور كمصدر للطاقة، مشيرًا إلى أن هذا النهج يسهم في تحقيق الاستفادة الدائرية من الموارد، ويبرز المزايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لتقنيات استخدام النفايات البلاستيكية، ويدعو إلى تنفيذها خاصةً في المناطق المحرومة اقتصاديًا.
مساعي المملكة
وبهدف تحقيق أهداف الاستدامة البيئية للمملكة نحو مستقبل أكثر اخضرارًا، والتخفيف من التلوث وحماية الموارد الطبيعية، من خلال خطوات مصممة بعناية في كافة قطاعاتها، بما في ذلك الاستراتيجية الوطنية للبيئة، وقَّعت شركة استشارات ألمانية اتفاقية مع شركة “إنباور” النرويجية، لمعالجة حوالي 3 ملايين طن من النفايات البلاستيكية سنويًا لإنتاج وقود مشتق من النفايات في ست محافظات، مما سيسهم في خفض انبعاثات الكربون بحوالي 1.8 مليون سنويًا، وهو ما يشير إلى أن المملكة ليست بمنأى عن مواجهة مشكلة هذه النفايات بطرق مبتكرة وذات عوائد اقتصادية.
يأتي ذلك في الوقت، الذي أعلنت فيه وزارة البيئة والمياه والزراعة عن خططها لإعادة تدوير ما يصل إلى %95 من النفايات، وهي الخطوة التي من المستهدف أن تسهم في تحقيق عوائد بقيمة 120 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، كما سينتج عنها توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل في القطاع، ضمن جهودها لإعادة تدوير حوالي 100 مليون طن من النفايات سنويًا.
ويمكن التأكيد على أن حاويات النفايات البلاستيكية يمكن أن تتحول إلى حقول للنفط في المستقبل، وربما تساعد التجارب والتقنيات التي يحاول الباحثون تطويرها في تغيير المشاهد الكارثية لإلقائها في المحيطات، وتحويلها إلى فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة، وبالتالي تفتح الباب واسعًا أمام الشركات والمستثمرين للدخول إلى هذا القطاع، الذي يعده الخبراء “واعدًا” في الأجل القريب.