اقتصاديات صندوق الاستثمارات

صندوق الاستثمارات.. الاتجاه محليًا

أربع أحداث مهمة قادمة، كأس آسيا 2027م والألعاب الشتوية 2029م وأكسبو 2030م وكأس العالم 2034م، وهذه الأحداث تحتاج استثمارات ضخمة.

 

يعتزم صندوق الاستثمارات العامة تقليص حصته في الاستثمارات الخارجية بنسبة تصل إلى الثلث، في خطوة تهدف إلى إعادة التركيز نحو دعم الاقتصاد المحلي، مما سيكون لها جملة من الانعكاسات الإيجابية في دعم القطاعات الواعدة والعوائد المرتفعة، مثل: البنى التحتية والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة والتعدين والرياضة والمركبات والطيران والقطاع العقاري والاتصالات والتكنولوجيا، وغيرها من القطاعات الناشئة.

 

ولتحقيق ذلك أسس الصندوق في الفترة الأخيرة أكثر من 92 شركة جديدة تستثمر في قطاعات كبرى لم تكن موجودة من قبل، ويهدف الصندوق إلى استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويًا في الداخل، وحاليًا يشرف على مجموعة من المشاريع الضخمة، في حين يطور قطاعات جديدة، بما في ذلك السياحة، والرياضة، والتعدين، والتصنيع، وذلك في طور الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، تتمثل في استضافة سلسلة من الأحداث الدولية، بما في ذلك كأس آسيا لكرة القدم في عام2027م، والألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029م، ومعرض إكسبو 2030م، وكأس العالم 2034م.

أسرع دول العشرين نموًا

ويؤمن القائمون على الصندوق بأنه من الضروري إعطاء الأولوية للقطاعات التي تقود التحول من تقنيات الجيل القادم الخضراء وابتكارات الرعاية الصحية إلى مشاركة الشباب من خلال الرياضة، وكدليل عملي على تلك النوايا، انخفضت قيمة حيازة صندوق الاستثمارات العامة المتداولة من الأسهم في الولايات المتحدة من حوالي 35 مليار دولار في نهاية عام 2023م إلى 20.5 مليار دولار في نهاية يونيو.

وقبل إطلاق رؤية 2030م، كانت نسبة استثمارات الصندوق الأجنبية نحو %2، وزادت هذه النسبة إلى %30، وحاليًا يستهدف الصندوق إلى أن تكون هذه النسبة بين 18 إلى %20 من إجمالي الأصول تحت الإدارة، والتي تتجاوز 900 مليار دولار، مستفيدًا من كون الاقتصاد الوطني يُسجل أحد أسرع الاقتصاديات نموًا في العالم، وكان في عام 2022م، كان أسرع اقتصاد نموًا ضمن مجموعة العشرين، ومن المتوقع أن يستمر في صدارة الأكثر نموًا ضمن مجموعة العشرين للعام 2024م.

ويؤكد المحلل المالي والمتخصص في الأسواق المالية العالمية، علي الجعفري، على أن توجه صندوق الاستثمارات العامة نحو الداخل، سيكون له عديد من التأثيرات الإيجابية على الاقتصاد الوطني خلال السنوات القليلة المقبلة، قائلاً: “لا يجب أن نغفل حجم الاستثمارات الكبيرة في الداخل، فالمملكة كانت في العام الماضي، أسرع دول العشرين نموًا، ومن المتوقع أن يستمر ذلك مع نهاية 2024م، وتشهد المملكة نقلة كبيرة في المشاريع الضخمة والعملاقة، تدار بأفكار ربحية وتجارية، وتكون ركيزة للاستثمارات المحلية، المشاريع الضخمة القائمة أو التي ستأتي لاحقًا تحتاج لاستثمارات ضخمة، خاصة وأن المملكة مُقبلة على أحداث عالمية قادمة، تحتاج لبنى تحتية أكبر”.

علي الجعفري

وشدد الجعفري على أن الموردين وأصحاب المنشآت المتوسطة سيستفيدون كثيرًا من التوجه الجديد للصندوق، ويضيف: “هذا التوجه سيكون له تأثير إيجابي على المنشآت الصغيرة، التي ستلعب دور المورد والداعم اللوجيستي، سيكون حجم العمل كبيرًا، وفرصة العمل أوسع”، وقال إن لدينا أربع أحداث مهمة مقبلة، كأس آسيا 2027م والألعاب الشتوية 2029م، وأكسبو 2030م وكأس العالم 2034م، وهذه الأحداث تحتاج استثمارات ضخمة، ومشاريع عملاقة، لن نبدأ من الصفر ولكن مازال هناك الكثير من المشاريع تحتاج للبناء، الرؤية قلصت كثير من الطريق ولكن مازلنا نسعى نحو تحقيق الهدف الأكمل”.

وأكد الجعفري أنه على الرغم من أن صناديق الاستثمار دائمًا ما يكون لها رؤية طويلة الأمد، ولا تفكر في الأرباح السريعة، إلا أنها حققت أرباحًا ضخمة بنحو 20 مليار دولار في العام الماضي.

قفزات هائلة في إيراداته

وقد نجح الصندوق بشكل لافت في تحقيق قفزات هائلة في إيراداته بنسبة %100 في عام 2023م، وهو ما أهلَّه ليكون من بين أكبر الصناديق السيادية حول العالم، ويعمل على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي في مختلف القطاعات والمجالات، وفي ظل توجه المملكة نحو تعزيز شراكاتها العالمية، وخلال السنوات القليلة الماضية، استثمر الصندوق في مشاريع كبرى مثل: نيوم والبحر الأحمر، والقدية، التي بدأت مراحلها التشغيلية والتجارية.

ويقترب الصندوق من مستهدفه بوصول حجم الأصول تحت الإدارة إلى 4 تريليونات ريال بنهاية عام 2025م، علمًا أن خط الأساس لهذه الأرقام كان 1.5 تريليون ريال تم تسجيلها عام 2020م.

وكان الصندوق قد قال في بيان له مطلع يوليو 2024م، إن قفزة الإيرادات في الفترة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 2023م جاءت مدعومة بنمو القيمة السوقية لمحفظته الاستثمارية، وكشفت القوائم المالية الموحدة للصندوق لعام 2023م والمنشورة وفقًا لمتطلبات الإدراج في بورصة لندن، ارتفاع قيمة الموجودات بنسبة %28، لتصل إلى 3.7 تريليون ريال (990 مليار دولار)، بنهاية 2023م، مقارنة بـ2.9 تريليون ريال في نهاية 2022م، مدعومة بالاستحواذ وتحويل نسبة من أسهم شركة “أرامكو” لشركة في محفظة الصندوق.

وحقق صندوق الاستثمارات العامة، خلال عام 2023م، صافي ربح بلغ 74 مليار ريال (19.7 مليار دولار)، ووصل صافي دخل الصندوق – بما في ذلك الدخل الشامل – 138 مليار ريال (36.7 مليار دولار)، بدعم من الأداء المالي والاستثماري القوي خلال العام الماضي.

وبحسب البيان، فإن عام 2023م شهد تعزيز صندوق الاستثمارات العامة لاستراتيجيته الهادفة لتنويع مصادر تمويله من خلال أدوات الدين، وجمع الصندوق خلال تلك الفترة 45 مليار ريال إضافية (11.9 مليار دولار)، كما حصلت بعض شركات محفظة الصندوق على تمويل لعدد من عمليات الاستحواذ.

وثمة عديد من العوامل التي أسهمت في ارتفاع مستويات الأرباح والإيرادات والدخل الصافي للصندوق، في مقدمتها التخطيط الجيد واتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، من قِبَل إدارة الصندوق، واستغلال الفرص الاقتصادية المتاحة، إضافة لتنويع المحافظ الاستثمارية، وتوزيع للاستثمارات على مختلف الأصول للتقليل من المخاطر وزيادة العوائد، وأيضًا التعاون مع شركاء موثوقين ومؤسسات مالية متميزة محليًا ودوليًا، والنجاح في التكيف مع التغييرات في البيئة الاقتصادية والسياسية للاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر.

خالد السهيل

انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني

ويؤكد المحلل الاقتصادي، خالد السهيل، أن توجه الصندوق القوي نحو الداخل سيكون له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، وسيفيد القطاع الخاص بشكل فعال، ويقول إن “الاستثمارات العملاقة المتوقعة للصندوق لن تتعارض مع استثمارات القطاع الخاص، بل من المؤكد أنها ستعطيه مزيدًا من الثقة بأهمية ضخ استثمارات إضافية والمشاركة في دعم الاقتصاد، وبالتالي المصدر الرئيس لمئات الآلاف من فرص العمل في الأعوام العشرة المقبلة”، ويشدد السهيل على أن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة الموجه للداخل تتكامل مع مشاريع ضخمة قائمة بشكل فعَّال، ويضيف بأن الصندوق لم يغب عن الداخل، ففي السنوات الخمس الماضية ضخت فيها الدولة المليارات في مختلف مناطق الدولة، مثل القدية وبوابة الدرعية والبحر الأحمر، ونيوم، وغيرها من المشاريع الضخمة التي يدعمها الصندوق سواء بشكل مباشر أو عبر شركات يملك نسبة كبيرة فيها”، لافتًا إلى أن مشاركة صندوق الاستثمارات العامة في النهوض بالاقتصاد كانت ولا تزال مسألة حتمية لتلبية الاحتياجات المُلحة، التي تساعد على ترجمة طموحات رؤية 2030م.

ياسين الجفري

وقد كشف تقرير لفايننشال تايمز، في أغسطس 2024م، عن أن المملكة، وضعت خططًا جديدة لخطواتها الاستثمارية، أهمها المطالبة بتوظيف موظفين محليين واستخدام بعض التمويل على الأقل للاستثمار في الشركات والمشاريع المحلية، وأكدت الصحيفة على لسان خبراء عالميين، أن المملكة تريد أن ترى إعادة الاستثمار في المملكة لكي تلتزم بتمويل جديد.

وحاليًا يضم الصندوق ستُّ محافظ استثمارية أساسية، منها أربع محلية واثنتان عالمية، وهي محفظة الاستثمارات العالمية المتنوعة، ومحفظة الاستثمارات العالمية الاستراتيجية، ومحفظة المشاريع السعودية الكبرى، ومحفظة الاستثمارات في المشاريع العقارية ومشاريع تطوير البنية التحتية في السعودية، ومحفظة الاستثمارات الهادفة إلى تطوير القطاعات الواعدة وتنميتها، ومحفظة الاستثمارات في الشركات السعودية، كما تضم محفظة الشركات التي أسسها أو يملكها الصندوق نحو 92 شركة في 13 قطاعًا استثماريًا، بالإضافة إلى توفيره أكثر من 644 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، كما تجاوزت قيمة الأصول التي تخضع لإدارة الصندوق 2.63 تريليون ريال.

وخلال عام 2024م، بدأ الصندوق يوسع من حضوره الداخلي، بعد أن استحوذ على حصة تبلغ %16، في أرامكو السعودية بعد نقل الملكية إلى محافظ شركات مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، واستحوذ الصندوق أيضًا على حصة تبلغ %51، من شركة أبراج الاتصالات من مجموعة STC، وانتقلت أيضًا ملكية الشركة السعودية للحديد والصلب (حديد) بالكامل من سابك إلى صندوق الاستثمارات العامة.

ويسعى الصندوق من خلال عمليات الاستحواذ هذه إلى تحقيق مستهدفات رؤية 2030م، كمحرك أساسي للاقتصاد والاستثمار في المملكة، وتهدف تنمية أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى أن يصبح من أكبر الصناديق السيادية العالمية.

ويؤكد المحلل المتخصص في أسواق المال، ياسين الجفري، أن تركيز صندوق الاستثمارات العامة على السوق المحلية، وضخ ما معدله 150 مليار ريال سنويًا، سينعش السوق المالية السعودية بشكل كبير، مشددًا على أنه متى ما زادت السيولة سيتحسن وضع السوق ويقول: “لاشك أن هذا التحول في توجه صندوق الاستثمارات العامة سيكون له تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد السعودي خاصة وأنه يملك حاليًا ما يوازي ثلث قيمة السوق المالية، وسيعزز توجه الصندوق من الثقة في السوق السعودية، ويزيد من طرح الشركات فيه”، ويضيف بأن هذه الأموال ستوفر سيولة أكبر للسوق، ولكن التأثير لن يكون سريعًا، بل سيحتاج لبعض الوقت، لأنه سيكون من الصعب تسييل استثماراته الخارجية بسهولة، نحن نتحدث عن مبلغ 40 مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ ضخم جدًا، وسيساعد في دعم حركة الاقتصاد المحلية بشكل كبير، هذا دور مهم يلعبه الصندوق، أسوة بالصناديق العالمية التي تركز على دعم سوقها المحلي.