كرييتڤ كهرباء

كهرباء الطوب!

شركة أمريكية تطور بطاريات حرارية قادرة على توليد وتخزين الكهرباء لفترات طويلة لمعالجة مشكلات المصادر المتجددة.

تكلفة تخزين الطاقة في “البطاريات الحرارية” 20 دولارًا وفي بطاريات الليثيوم أيون 140 دولارًا لكل ميجاواط / الساعة.

البطاريات المبتكرة تعد الحل الأمثل للقطاع الصناعي المسؤول عن مليارات الأطنان من انبعاثات الكربون سنويًا.

 

في إطار مساعي كافة دول العالم إلى مستقبل مستدام للطاقة، يعد دمج المصادر المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في شبكة الكهرباء أمرًا بالغ الأهمية، إذ تعاني هذه المصادر، على الرغم من وفرتها ونظافتها، من الانقطاع، حيث لا تتوفر دائمًا عند الحاجة إليها، لذا برزت في الآونة الأخيرة نجوم صاعدة لديها القدرة على تخزين الطاقة الحرارية، ومنها الطوب، حيث يستخدم هذا النوع المبتكر من البطاريات، طوبًا مصممًا خصيصًا قادرًا على تحمل درجات الحرارة القصوى، بحيث يمكنه بعد ذلك إطلاق الحرارة المخزنة بمرور الوقت لتوليد الكهرباء، مما يوفر حلاً لتخزين الطاقة قابلاً للتطوير وفعالاً من حيث التكلفة.

تقنية تخزين الكهرباء في طوب روندو إنرجي

الإبداع البشري

وأعلنت شركة “روندو إنرجي” الأمريكية، عن نظام رائد للبطاريات الحرارية، والذي يستخدم عناصر التسخين الكهربائية لتحويل الكهرباء إلى حرارة عالية مخزنة داخل آلاف الأطنان من الطوب، بحيث يمكن لهذه البطاريات التي تصل درجة حرارتها إلى 1500 درجة مئوية، توصيل الهواء الساخن أو البخار لتشغيل مجموعة واسعة من العمليات الصناعية، مما يسهم في خفض انبعاثات الكربون وتكاليف الإنتاج بشكلٍ كبير.

وتعد الابتكارات التي تقدمها “روندو إرنرجي” وغيرها، بمثابة خطوات كبيرة إلى الأمام لمعالجة تحديات قطاع الطاقة المتجددة، من خلال توفير حلول قابلة للتطوير وفعالة لتخزين الطاقة، من شأنها تمهيد الطريق لمزيد من تبني المصادر المتجددة، مما يسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية العالمية، فبينما يواصل العالم البحث عن حلول للطاقة المستدامة، فإن التقدم في تخزين الطاقة الحرارية يمثل شهادة على الإبداع البشري والسعي الدؤوب لتحقيق مستقبل أنظف وأكثر استدامة.

ووقعت شركة “أرامكو السعودية” مذكرة تفاهم في مايو الماضي، مع “روندو إنرجي”، لإجراء دراسات هندسية بشأن إمكانية استخدام “البطاريات الحرارية” لتقليل الانبعاثات في منشآت “أرامكو”، بالإضافة إلى ذلك، تعتزم الشركتان التعاون في إجراء بحث للاستفادة من تطبيقات أخرى محتملة لتكنولوجيا “روندو”، مثل إنتاج الهيدروجين، واحتجاز الكربون وتخزينه، ومشاريع التقاط الهواء المباشر.

وأعلنت الشركة الأمريكية في أغسطس 2023م، عن نجاحها في الحصول على تمويل بقيمة 60 مليون دولار، لتطوير بطارية حرارية، يمكن استخدامها على نطاق واسع في تخزين الكهرباء، بدعم من شركة “مايكروسوفت” الأمريكية و”أرامكو السعودية” ومجموعة “ريو تينتو” الأسترالية.

بطاريات الطاقة الحرارية

وتعمل البطارية الحرارية في البداية، بتقنية للحصول على الكهرباء من مصادر الطاقة المتقطعة وتحويلها إلى حرارة باستخدام عناصر تسخين كهربائية مماثلة لتلك المستخدمة في محمصات الخبز أو الأفران، وتقوم السخانات الكهربائية بتحويل الطاقة الكهربائية إلى حرارة بكفاءة %100، بعد ذلك، تبدأ السخانات الكهربائية في تدفئة الأشياء المحيطة بها من خلال الإشعاع الحراري، ويتم تخزين الطاقة بها لعدة أيام مع خسارة أقل من %1 يوميًا.

ويمكن للبطاريات الحرارية تخزين الطاقة بنصف تكلفة التقنيات الأخرى، مثل الهيدروجين الأخضر والبطاريات الكيميائية، وثمة آمال بأن يقلل نظامها من معدلات استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة، والذي يستهلك حاليًا ربع إجمالي الطاقة العالمية.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة “روندو إنرجي”، “جون أودونيل”، “لمواجهة تحدي المناخ، نحتاج إلى أدوات لبناء بنية تحتية كبيرة ومنخفضة التكلفة ونظيفة للطاقة بسرعة، حيث تعد هذه البطاريات واحدة من تلك الأدوات، سيساعدنا هذا الاستثمار في زيادة قدرتنا على تلبية طلب العملاء والبدء في البناء على نطاق واسع”.

توقيع مذكرة تفاهم بين أرامكو السعودية و روندو إنرجي

طاقة متجددة على مدار الساعة

وبالفعل، تم استخدام “بطاريات روندو” في مصنع لإنتاج الإيثانول في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ومن المقرر تركيبها في معامل التقطير في ولايتي “إلينوي وكنتاكي” المملوكة لشركة “دياجو”، كما أن هناك منشأة لإعادة تدوير البلاستيك قيد الإنشاء في ولاية تكساس، تابعة لشركة “إيست مان” المتخصصة في تصنيع المواد الكيماوية، وكل هذه المشاريع مدعومة بمنح من وزارة الطاقة الأمريكية.

وذكر الخبير الأمريكي في تقنيات الطاقة المتجددة، “جيف سانت جون”، أن البطاريات الحرارية تعد تكنولوجيا بسيطة نسبيًا، يمكن استخدامها الآن لحل تحديين كبيرين في مجال انتقال الطاقة، الأول: يمكن أن تحل محل التدفئة التي تعمل بالوقود التقليدي لمجموعة واسعة من الصناعات التي يصعب إزالة الكربون منها، أما التحدي الثاني: فيمكن أن تمتص طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي يتم توليدها عندما لا تحتاج إليها الشبكة وتخزن هذه الطاقة لحين الحاجة إليها، مما يتيح الطاقة المتجددة على مدار الساعة.

وأضاف “جون”، أن تخزين الطاقة باستخدام الطوب وعناصر التسخين الكهربائية أرخص من بطاريات الليثيوم أيون، التي أصبحت المصدر الأساسي لتخزين الطاقة في الشبكات الغنية بالطاقة المتجددة اليوم، وفي حين لم تكشف شركة “روندو” عن أية تفاصيل مالية بشأن تكلفة أنظمتها أو قيمة الطاقة التي تخزنها، فإن هناك تقديرات تشير إلى أن تكلفة تخزين الطاقة في هذه البطاريات في حدود 20 دولارًا لكل ميجاواط في الساعة، أي حوالي سُبع تكلفة حزم بطاريات الليثيوم أيون، والتي يبلغ سعرها حوالي 140 دولارًا لكل ميجاواط في الساعة.

ثلث انبعاثات الغازات

وفي السياق نفسه، أوضحت الباحثة الأمريكية المتخصصة في تقنيات الطاقة المبتكرة، “مادي ستون”، أن القطاع الصناعي الذي يشمل صناعة الملابس والأغذية والأسمنت والأسمدة، مسؤول عن حوالي ثلث انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، وتأتي معظم هذه الانبعاثات من حرق الوقود الأحفوري لتوليد الحرارة في المصانع، مشيرةً إلى أنه أثبتت بطاريات الحرارة من “روندو” قدرتها التنافسية من حيث التكلفة على نطاق واسع، فإنها قد تسهم في القضاء على مليارات الأطنان من انبعاثات الكربون التي تدخل الغلاف الجوي كل عام.

وأضافت “ستون”، أنه في حين أن الطوب المقاوم للحرارة هو تقنية صناعية معروفة، فإن استخدامه كبطاريات حرارية خالية من الانبعاثات سيتطلب بناء مزيد من محطات الرياح والطاقة الشمسية لتوليد كميات هائلة من الطاقة المتجددة الرخيصة، مشددةً على أهمية أن يتمكن مستخدمو هذه البطاريات من شراء الطاقة الرخيصة من الشبكة خلال أوقات اليوم عندما تكون الطاقة المتجددة وفيرة، وهو أمر غير ممكن في بعض الولايات الأمريكية التي تبيع الطاقة للمصانع فقط بسعر يومي ثابت.

وتمتلك اليوم شركة “روندو” بطاريات بقوة 2 ميجاواط/ ساعة، ويتم استخدامها في بعض مصانع كاليفورنيا، كما تعمل الشركة بالتعاون مع مجموعة “سيام” للأسمنت، لإنتاج ما يكفي من الطوب المقاوم للحرارة لتخزين 2.4 جيجاواط/ ساعة من الطاقة سنويًا، والتي يمكن أن توفر الطاقة الكهربائية لأكثر من 200 منزل في الولايات المتحدة، وتخطط الشركة لزيادة الإنتاج إلى 90 جيجاواط/ ساعة سنويًا في المستقبل، والتي يمكن استخدامها في المنشآت الصناعية الكبيرة خلال عامي 2025م و2027م.

بطاريات “روندو” تنتقل إلى أوروبا

في مدينة سكيف بالدنمارك، وبدلاً من المداخن الشاهقة، تحيط توربينات الرياح ومجموعة من الألواح الشمسية بمجمع “جرين لاب” الصناعي، لتزويد الشركات بالطاقة المتجددة، وذكر المدير التنفيذي للمجمع “توماس هيلجاون”، “أن كل ما نقوم به يتعلق بالكهرباء”، ويتألف المجمع من 7 شركات، منها شركة معالجة النفايات، وشركة إعادة تدوير البلاستيك، وشركات تنتج الغاز الحيوي ووقود الطيران المستدام والبروتين لتغذية الحيوانات.

وأضاف “هليجاون” بقوله “لقد بدأت الشراكة بين القطاعين العام والخاص قبل خمس سنوات لوضع الصناعات الثقيلة جنبًا إلى جنب مع توليد الطاقة المتجددة لجذب الشركات إلى المنطقة مع تعزيز انتقال الطاقة النظيفة”، مشيرًا إلى أن المجمع يحتوي حاليًا على 13 توربينًا للرياح ومنشأة شمسية تنتج مجتمعة حوالي 80 ميجاواط من الطاقة المتجددة.

جون أودونيل

ومع ذلك، هناك بعض العقبات التي يجب على “جرين لاب” التغلب عليها لتشغيل الشركات دون سحب الكهرباء من الشبكة، حيث لا تتوفر الطاقة المتجددة إلا عندما تهب الرياح أو تشرق الشمس، لذا فإن بعض أشكال تخزين الطاقة مطلوبة لتوفيرها على مدار الساعة، كما أن الكثير من الطاقة التي تحتاجها المصانع ليست كهرباء بل حرارة لتشغيل عملياتها الصناعية، لذا لجأ المجمع إلى شركة “روندو” للحصول على البطاريات الحرارية لتخزين الطاقة، بقوة 100 ميجاواط في الساعة، وتوصيلها بمصدر لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، ومن المتوقع أن تكون جاهزة للعمل في غضون عام تقريبًا، بحسب “هليجاون”.

 

تقنيات تخزين الطاقة

ومن جانبه، قال كبير مسؤولي الابتكار في “روندو”، “جون أودونيل”، في إشارة إلى مجموعة القطاعات الصناعية التي تفكر في استخدام البطاريات الحرارية كوسيلة لخفض الانبعاثات والاستفادة على نطاق أوسع من الطاقة الأرخص المتاحة بسرعة، “إن استبدال غلايات الفحم في مصانع الملابس في جنوب شرق آسيا هو من مهامنا الآن”، وأشار إلى أن تقنيات تخزين الطاقة التي لديها القدرة على الشحن بسرعة من المصادر الرخيصة والنظيفة في أوقات الذروة، يمكن أن تغير اقتصاديات الطاقة في القطاع الصناعي العالمي.

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن الطاقة المتجددة – وخاصة الطاقة الشمسية الكهروضوئية – هي الآن الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لتوليد الكهرباء، وفي الأماكن التي تتوفر فيها الطاقة المتجددة بكثرة، غالبًا ما يكون العرض من الطاقة أكبر من الطلب في أوقات معينة من اليوم.