المملكة تسعى إلى جذب 100 مليار دولار سنويًا كاستثمار أجنبي مباشر بحلول عام 2030م .
منتجات وخدمات المملكة تمثل %57 من سوق الاتصالات في الشرق الأوسط و%53 من صناعة تكنولوجيا المعلومات.
منطقة الشرق الأوسط ستشهد جذب استثمارات تُقدر بـ 75.63 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة حتى عام 2030م.
قطاع النفط والغاز في الدول العربية استقطب 406 مليارات دولار خلال 22 عامًا.
تتفق العديد من التقارير المعنية بتصنيف البلدان الأكثر احتمالاً لجذب الأموال على أن المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من أبرز المناطق الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، وأن هناك سبعة قطاعات باتت هي الأكثر جذبًا للاستثمارات في المنطقة.
ويتصدر هذه القطاعات قطاع الرعاية الصحية بنسبة %24، ثم قطاع تكنولوجيا المعلومات بنسبة %19، وفي المركز الثالث قطاع الطاقة الشمسية والرياح بنسبة %18، ثم على التوالي، قطاع إنتاج الغذاء %17، وقطاع النفط والغاز %13، وقطاع البنوك %6، وأخيرًا، قطاع التعدين والذهب بنسبة %3.
ووفقًا لمؤشر “كيرني” لثقة الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024م، فإن الولايات المتحدة جاءت في المرتبة الأولى على مستوى العالم، وهو ما يرجع لمعدلات النمو المستمرة للاقتصاد الأمريكي، وكونها الأسرع نموًا في مجموعة السبع، واستحوذت كندا، على المركز الثاني، فيما قفزت الصين إلى المركز الثالث، بعد أن كانت تحتل المركز السابع، ويليها في المركز الرابع المملكة المتحدة، ثم ألمانيا وفرنسا واليابان.
واستحوذت المملكة على المركز الـ 14، متقدمةً بذلك عشرة مراكز، بعد أن كانت تحتل المرتبة الـ 24، وهو ما يعكس الأولوية الخاصة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر؛ حيث تسعى المملكة لتحقيق تدفقات بقيمة 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030م.
وتٌعد المملكة أحد أهم الوجهات المحتملة للمستثمرين، إذ تهتم المملكة بتطوير البنية التحتية للقطاعات الاستثمارية، وتسهيل الإجراءات اللازمة لبدء الأعمال التجارية، وإتاحة بيئة استثمارية فاعلة تشجع الشركات والمستثمرين، فضلاً عن تعزيز دور القطاع الخاص في تنشيط الاقتصاد المحلي، واستضافة عديد من المنتديات والمعارض الاستثمارية، التي توفر منصة لتبادل المعرفة والخبرات وتبرز الفرص المتاحة.
أولاً: قطاع الرعاية الصحية
ويأتي قطاع الرعاية الصحية من أبرز القطاعات الجاذبة للاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط، حيث يستحوذ على %24 من الاستثمارات، وقد بلغت قيمة سوق خدمات الرعاية الصحية على مستوى العالم حوالي 11.3 تريليون دولار عام 2022م، ومن المتوقع أن تصل إلى 19 تريليونًا بحلول عام 2028م، بنمو سنوي مركب بنسبة %8.96، أما في منطقة الشرق الأوسط، فيشهد الطلب على خدمات الرعاية الصحية نموًا كبيرًا؛ ففي تقرير لمنصة “فورتشن بيزنس إنسايتس”، بلغ حجم سوق خدمات الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 226.97 مليار دولار عام 2023م، ومن المتوقع أن يصل إلى 412.25 مليارًا في 2032م، بمعدل نمو سنوي مركب %6.9.
وبالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية في بعض بلدان الشرق الأوسط، قد يستمر الارتفاع في نصيب الفرد من الإنفاق على قطاع الصحة، إذ أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي أن الإنفاق على الرعاية الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها، سيصل إلى 135.5 مليار دولار بحلول عام 2027م.
وينمو سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هذا القطاع بصورة واضحة، وهو ما يرجع إلى عديد من العوامل، وعلى رأسها تزايد عدد السكان، والإقبال على شراء الخدمات الصحية عالية الجودة، والوعي المتزايد بأهمية الرعاية الصحية الوقائية، وظهور وانتشار عديد من الأمراض، وكذلك المبادرات الحكومية لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية، وقيام بعض الحكومات بجعل التأمين الصحي إلزاميًا، إدراكًا لأهمية الدور الذي تلعبه الرعاية الصحية في تحقيق واستدامة التنمية.
وفيما يتعلق بالمملكة، يحتل قطاع الرعاية الصحية وعلوم الحياة المركز الثالث من حيث حجم الإنفاق في الميزانية العامة، إذ رصدت له المملكة أكثر من %20 من إجمالي موازنة عام 2025م، وبموجب رؤية 2030م تخطط الحكومة لاستثمار أكثر من 65 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للرعاية الصحية في البلاد، وإعادة تنظيم وخصخصة الخدمات الصحية والتأمين، وإطلاق 21 مجموعة صحية، والتوسع في تقديم خدمات الصحة الإلكترونية.
وبالإضافة إلى ذلك، تهدف المملكة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الرعاية الصحية من %40 إلى %65 بحلول عام 2030م واستهداف خصخصة 290 مستشفى ونحو 2300 مركز صحي أولي، مما يخلق فرصًا تجارية كبيرة للشركات في سوق الرعاية الصحية بالمملكة.
وبشكلٍ عام، فإن قطاع الخدمات الصحية والرعاية الطبية المتقدمة بالمملكة العربية السعودية يشهد تزايدًا في الطلب، وهو ما دفع الحكومة إلى تطوير هذا القطاع من خلال جذب الاستثمارات وتوفير البنية التحتية والتسهيلات اللازمة، خاصةً أن هناك فرصًا استثمارية في إنشاء وتشغيل المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات الخاصة، وتقديم الخدمات الطبية المتخصصة والجديدة، وتطوير الأبحاث العلمية والتكنولوجيا الحيوية لتحسين معايير الرعاية الصحية.
كما يرتبط بقطاع الرعاية الصحية وعلوم الحياة، قطاع الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، وهو قطاع يحظى بدعم الحكومة، من خلال دعم جهود تعزيز الابتكار وتطوير الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية المحلية، وتقديم التسهيلات اللازمة للبحث والتطوير وتوفير البنية التحتية، وتشجيع فرص الاستثمار في إنشاء مصانع لإنتاج الأدوية والمستحضرات الطبية، وتطوير التقنيات الحيوية المتقدمة، وتقديم الخدمات الطبية المتطورة.

ثانيًا: تكنولوجيا المعلومات
ويستحوذ قطاع تكنولوجيا المعلومات على المرتبة الثانية، ضمن القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمار في الشرق الأوسط، بنسبة %19، ويُقدر حجم سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة عام 2024م بحوالي 183.5 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 250.3 مليار دولار أمريكي عام 2029م بمعدل نمو سنوي مركب قدره %6.41.
وقد شهد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خاصةً مع تبنى الشركات في المجالات المختلفة، لأدوات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والاتصالات وحلول التكنولوجيا، وعلى سبيل المثال، فقد أصبحت الشركات والمؤسسات التجارية، تعتمد على البيانات والتجارة الإلكترونية، وزاد الاعتماد على الخدمات الصحية الإلكترونية والهاتفية، وكذلك الاستشارات الافتراضية ومراقبة المرضى عن بعد وخدمات الصحة الإلكترونية.
وبلا شك فإن الاعتماد المتزايد على الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة من الطبيعي أن يؤدي إلى نمو خدمات الاتصالات المتنقلة، كما أن الاعتماد المتزايد لحلول الاتصالات المستندة إلى السحابة سيدفع النمو في قطاعات الحوسبة السحابية والبرمجيات.
وفيما يؤكد المدير الاستشاري الأول في مؤسسة “جارتنر”، وهى شركة أمريكية متخصصة في الأبحاث والاستشارات، “إياد طاشوالي”، أنه من المتوقع أن يقوم الرؤساء التنفيذيون لشؤون المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بزيادة الإنفاق على الخدمات السحابية، فإن نائب الرئيس التنفيذي للتحليلات في المؤسسة نفسها، “ميريام بيرت”، توضح أن قادة تكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اتفقوا على تقديم مزيد من الخدمات المهنية والاستشارية لتهيئة شركاتهم للانتقال إلى السحابة واستخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقات إنترنت الأشياء؛ والاستفادة من فرص تسييل البيانات والناتجة عن التقارب بين هذه التقنيات.
ويُعد السوق السعودي أحد أبرز أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ إذ تمثل منتجات وخدمات السوق أكثر من %57 من إجمالي سوق الاتصالات في الشرق الأوسط و%53 من صناعات تكنولوجيا المعلومات، وشهد سوق تقنية المعلومات والتقنيات الناشئة في المملكة نموًا متسارعًا ليصل حجم السوق في العام 2022م نحو 81 مليار ريال، مع توقعات بأن تبلغ 103 مليارات ريال عام 2025م.
ويؤدي قطاع تقنية المعلومات والاتصالات دورًا محوريًا في دفع عجلة النمو والابتكار والتنوع الاقتصادي في المملكة، وتسعى الحكومة لتطوير هذا القطاع وتحقيق التحول الرقمي في البلاد، وتوفير البنية التحتية المتطورة والتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطوير البرمجيات والتطبيقات، وتقديم خدمات الاتصالات والإنترنت، وتنمية الحلول التقنية الذكية، وهو ما يمكن المستثمرين من الاستفادة من اعتماد المملكة على التكنولوجيا والرقمنة في قطاعات مختلفة وتحقيق عوائد مالية مجزية.
ويشير تقرير لمركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” إلى ارتفاع حجم الإنفاق على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة، خلال عام 2024م، متوقعًا أن يصل بنهاية عام 2024م إلى 46.6 مليار دولار، نتيجة النمو القوي في قطاعات الحوسبة السحابية، والاتصالات المتنقلة، واعتماد تقنيات الجيل الخامس وغيرها من التقنيات الرقمية.
وفي إطار تنويه هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية بأبرز فرص سوق البرمجيات في المملكة، وأثرها الإيجابي في تعزيز التحول الرقمي في القطاعات، وتمكين نماذج أعمال الاقتصاد الرقمي، أشارت الهيئة إلى أن عدد الشركات التقنية المدرجة في السوق المالية ارتفع إلى 18 شركة، كما وصل عدد المنشآت المسجلة في منصة “تك” إلى مايزيد على الـ 1000 منشأة تقنية، والـ 150 منتجًا تقنيًا محليًا.
وكان وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمملكة، المهندس “محمد الربيعان”، قد صرح بأن القطاع التقني، هو من أهم الروافد في الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وعلى سبيل المثال، فإن قطاع الحوسبة السحابية جذب 16.5 مليار ريال إلى المملكة، أما “العنود العبد الواحد”، مديرة الإدارة العامة لتبني التقنية في المملكة، فقد أشارت إلى أن برنامج “التقنيات العميقة” يستهدف أكثر من 400 شركة بحلول 2030م لابتكار مايزيد على الـ 100 حل تقني.
ثالثًا: الطاقة الشمسية والرياح
احتل قطاع الطاقة الشمسية والرياح المركز الثالث بنسبة %18 ضمن أكثر القطاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجاذبة للاستثمارات، وتستأثر المنطقة بما يتراوح من %22 إلى %26 من إجمالي الإشعاع الشمسي على كوكب الأرض، ويمكن لكل كيلومتر مربع من هذه المنطقة أن يستخدم طاقة شمسية تعادل ما ينتجه 2-1 مليون برميل من النفط سنويًا؛ ما قد يسد نصف احتياجات العالم من الكهرباء، فيما تتميز 3 أرباع المنطقة بسرعات رياح تتجاوز المقياس الأدنى المطلوب لمشروعات طاقة الرياح واسعة النطاق.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها السنوي الصادر في يوليو 2024م أن تتجاوز الاستثمارات في تكنولوجيا الطاقة الشمسية الكهروضوئية الـ 500 مليار دولار، عام 2024م، وهو ما يفوق الاستثمارات في جميع مصادر الإنتاج “الكهربائي” الأخرى مجتمعة.
وتُقدر الوكالة أن العالم أنفق عام 2024م نحو ألفي مليار دولار للحصول على الطاقة النظيفة، أي أكثر مرتين من الإنفاق على الوقود الأحفوري (ألف مليار).
وفي تقرير لمجلس صناعات الطاقة في سبتمبر 2024م، أكد التقرير أن منطقة الشرق الأوسط تشهد ضخ استثمارات تُقدر بـ 75.63 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة حتى عام 2030م، وهذه الاستثمارات ستشمل 116 مشروعًا للطاقة المتجددة، بما في ذلك توليد الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح البرية، والطاقة الكهرومائية، وإنتاج الهيدروجين، واحتجاز واستخدام وتخزين الكربون، والطاقة الحرارية الأرضية، وأنظمة تخزين الطاقة والبطاريات.
وفي المملكة فإن قطاع النفط والغاز إذا كان قد أصبح محركًا قويًا للاقتصاد على مدى عقود وأسهم في فرص استثمارية هائلة في المملكة، إلا أن التوقعات تشير إلى أن قطاع الطاقة المتجددة سيستحوذ على استثمارات قدرها 300 مليار ريال بحلول 2030م.
رابعًا: قطاع إنتاج الغذاء
يُعد قطاع الصناعات الغذائية من القطاعات المهمة في اقتصادات الدول، باعتباره من الصناعات الأساسية التي تسهم في تأمين الأمن القومي الغذائي، وقد جاء قطاع إنتاج الغذاء في المرتبة الرابعة، بنسة %17، ضمن أبرز القطاعات الجاذبة للاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط.
ويُعد قطاع الصناعات الغذائية في المملكة قطاعًا أساسيًا، ومن المتوقع أن ينمو بسرعة أكبر في السنوات المقبلة مع ارتفاع الطلب المحلي والإقليمي والدولي على المنتجات الغذائية المصنعة بالمملكة، في ظل شهرة المملكة بمنتجاتها الغذائية “الحلال”، وهو ما يتيح لها الريادة في صناعة السوق العالمية للأطعمة الحلال والتي تبلغ قيمتها 1.3 تريليون دولار.
وتُعد المملكة من أكبر المنتجين للحبوب والخضراوات في المنطقة، وتمتلك موارد طبيعية غنية وتربة خصبة، وتعزز الحكومة الاستثمار في قطاع الزراعة، من خلال توفير التسهيلات والحوافز المالية والضريبية، وهناك فرص استثمارية كبيرة في تطوير الزراعة العضوية والمستدامة، واستخدام التقنيات الحديثة، مثل الزراعة المائية والزراعة بالدفيئات، واستغلال الموارد المائية المتاحة بشكل فعال، من خلال الاستثمارات في مشروعات الري والتحلية.
وتشير التوقعات إلى نمو سوق الصناعات الغذائية في المملكة من 41 مليار دولار في عام 2019م، إلى 57 مليار دولار بحلول عام 2030م، بمعدل نمو سنوي يقدر بـ %3؛ حيث يأتي هذا النمو مدفوعًا بزيادة إنفاق المستهلكين على المأكولات والمشروبات بنسبة %1.4 والنمو السكاني بنسبة %1.73.
وفي هذا الإطار، يؤكد وزير الصناعة والثروة المعدنية، “بندر الخريف”، أن المملكة تسعى لجذب مشروعات استثمارية بقيمة 20 مليار دولار في قطاع الصناعات الغذائية بحلول عام 2035م، وأنها تستهدف مضاعفة قيمة الصادرات من 3.7 مليار دولار عام 2022م، إلى 10.9 مليار دولار عام 2035م وذلك وفقًا لمستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصناعة.
خامسًا: قطاع النفط والغاز
يستحوذ قطاع النفط والغاز على %13 من الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما جعله يحتل المركز الخامس، ضمن القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط، وفي تقرير لوحدة أبحاث الطاقة، فإن الإنفاق على الطاقة في الشرق الأوسط سيصل إلى 199 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الـ 5 الممتدة من 2026م إلى 2030م، ورغم أن استثمارات الطاقة النظيفة في المنطقة قد شهدت زيادة كبيرة، فإن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن تُخصص %20 من الاستثمارات الموجهة للطاقة في الشرق الأوسط لمصادر الطاقة المتجددة، بينما يُنفق الجزء الأكبر من الأموال على قطاع النفط والغاز.
وتوضح “المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان)”، أن قطاع النفط والغاز في الدول العربية استقطب 610 مشروعات؛ بتكلفة استثمارية إجمالية بلغت نحو 406 مليارات دولار، نفذتها 356 شركة أجنبية وعربية في المنطقة، خلال الفترة يناير 2003م، ومايو 2024م؛ أي على مدار نحو 22 عامًا.

وتصدرت الولايات المتحدة قائمة أبرز الدول المستثمرة في المنطقة العربية بقطاع النفط والغاز، (85 مشروعًا)، بنسبة %14، بينما تصدرت روسيا على صعيد التكلفة الاستثمارية بقيمة 61.5 مليار دولار، بنسبة %15.2 من إجمالي التكلفة، أما على صعيد توقعات الاحتياطات والإنتاج والتصدير للنفط والغاز والمنتجات البترولية، فمن المتوقع، تراجع الاحتياطات المؤكدة من النفط في المنطقة العربية، وكذلك بلوغ الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي في المنطقة العربية نحو 58 تريليون متر مكعب بنسبة %26.8 من الإجمالي العالمي، مع توقعات بتراجعها بمعدل 7.5 في المائة إلى 53.53 تريليون متر مكعب عام 2030م.
وبالنسبة للمملكة فإن قطاع الطاقة يشكل الركيزة الأساسية، وذلك بسبب البنية التحتية الراسخة للقطاع؛ وكون المملكة أحد أكبر منتجي النفط في العالم، وبالطبع فإنه لايمكن الحديث عن الاستثمار في قطاع النفط بالمملكة، دون التطرق لشركة أرامكو السعودية، التي تبلغ قيمتها السوقية في المتوسط حوالي 7.5 تريليون ريال، وتم إدراج أسهمها في سوق الأسهم السعودية في نهاية 2019م، في واحدة من أضخم الصفقات والفرص الاستثمارية على مستوى العالم.
سادسًا: قطاع البنوك
استحوذ قطاع البنوك على %6 من الاستثمارات الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن شهد عديد من بلدان المنطقة نموًا ملحوظًا في قطاع البنوك، خاصةً في ظل التحول الرقمي ومبادرات الشمول المالي.
وشهد القطاع المصرفي السعودي، على سبيل المثال، خلال السنوات الماضية تطورًا ملحوظًا، في حجم الأصول ومحافظ الإقراض، وفي إدخال عديد من التقنيات الحديثة والاستثمار في شركات “الفنتك”.
واستفــــــادت الشركــــــــات الصغيــــــــرة والمتوسطة في المملكة بشكل هائل من تطور قطاع الخدمات المالية؛ حيث استفادت من تأسيس بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة عام 2021م، ومن الدور المتزايد لشركات التمويل وإعادة التمويل العقاري، والتي نمت محفظتها التمويلية، خلال عامين فقط حتى نهاية 2023م بـ %24 لتصل إلى 85 مليار ريال.
وخلال الفترة من عام 2018م، وحتى نهاية أبريل 2024م، قفزت قيمة ملكية المستثمرين الأجانب في سوق الأسهم السعودية بنحو %400 لتلامس 410 مليارات ريال، وأسهمت النتائج المالية الإيجابية والأرباح التي حققها قطاع البنوك وشركات الطاقة في صعود مؤشر الأسهم بالمملكة.
سابعًا: قطاع المعادن والذهب
يُشكل قطـاع التعديــــــن أهمية بالغة في الاقتصـــــاد، ويصفه الكثيــــرون بأنه المحرك الأول للاقتصاد العالمي، كما يُعـــــــد جــــــزءًا أساسيًا في مجالات الحيـــــاة اليوميــــة، إذ يدخــــل في عديد من المنتجات الرئيسة، مثل السيـــــارات، والمنشــآت، والمنتجــــات الاستهلاكية، وغيرها.
وجاء قطاع التعدين والذهب في المركز السابع، ضمن أبرز القطاعات، التي تجذب الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بنسبة %3، ووفقًا للتقديرات، فإن الطلب الكبير بقطاع التعدين عالميًا، يحتاج إلى استثمارات بقيمة 6 تريليونات دولار خلال السنوات الـ 10 المقبلة.
وتستثمر الحكومات والشركات ورجال الأعمال في قطاع التعدين ما يقرب من تريليون دولار سنويًا؛ حيث يعتمد اقتصاد ما يقرب من 70 دولة على الاستثمار في هذا القطاع، لأهميته البالغة في تطوير البنية التحتية وتوفير زيادة الإيرادات، من خلال الإنتاج والصادرات والضرائب داخل الدولة.
وتحظى المملكة بثروات طبيعية من المعادن، مثل الذهب والفضة والنحاس والزنك والفوسفات، ومن الملاحظ أن معدلات النمو في قطاع التعدين قد ارتفعت بالفعل بشكل كبير، بالتزامن مع تحقيق مستهدفات رؤية 2030م، فيما يتعلق بتوفير البنىة التحتية الأساسية وتشجيع الاستثمار في قطاع التعدين وتطوير الصناعات المعدنية المختلفة، واستغلال الابتكارات التكنولوجية والتركيز على التنمية المستدامة لتحقيق نمو واستدامة في هذا القطاع.
وتسعى المملكة إلى زيادة مساهمة القطاع إلى نحو %15 في الناتج المحلي بحلول 2030م وللترويج لاستكشاف المعادن على مساحة 50 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الغنية بالمعادن، كما أعلنت المملكة عام 2022م، أنها تخطط لجذب 32 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة في قطاع التعدين وإنتاج المعادن عبر 9 مشاريع مختلفة، مستفيدة من النمو المتوقع لإنتاج المعادن عالميًا بنحو %500 حتى عام 2050م، وكذلك من نمو ثرواتها المعدنية، التي تضاعفت قيمتها لتصل إلى أكثر من 9.3 تريليون ريال، نتيجة إلى تطوير البنية التحتية والتشريعية وعمليات الاستكشاف المستمرة والطلب المحلي فضلاً عن الموقع الإستراتيجي للمملكة.
ويتوقع وزير الصناعة والثروة المعدنية، “بندر الخريف”، خلال تصريحات له ضمن أعمال مؤتمر التعدين الدولي، الذي استضافته الرياض في يناير 2025م، أن يحدث نموًا في “القريب العاجل” في حجم الاستثمار بقطاع التعدين في المملكة، مشيرًا إلى أن المملكة لا تتعامل مع القطاع كنشاط مستقل، وإنما تتبنى نظرة شاملة لكامل سلسلة التوريد، والتي تمتد من استخراج المعادن إلى التكرير وإعادة التدوير.
جدير بالذكر أن السعودية، سجَّلت تقدمًا كبيرًا في التقييم العالمي لمخاطر الاستثمار في قطـــــاع التعديـــــن الصــــادر عن MineHutte بالتعاون مع مايننج جورنال، الصادر في 2024م محرزة أسرع نمو عالمي في تطور البيئة التنظيمية والأساسية الجاذبة للاستثمارات، خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك نتيجة تطوير البنية التشريعية واللوائح التنظيمية للقطاع، وتحسن تقييم المملكة في مؤشر السياسات المالية، وكذلك في مؤشر التراخيص التعدينية؛ حيث جاءت ثاني أفضل دولة في بيئة منح التراخيص.
الفرص والتحديات
لا شك أن المستثمرين لديهم أولوياتهم فيما يتعلق باتخاذ قرار الاستثمار في منطقة ما، وفي دولة دون أخرى، وفي الوقت الحالي، من الملاحظ أن المستثمرين يعطون الأولوية القصوى لمستوى التكنولوجيا وقدرات الابتكار، إلى جانب سلاسة العمليات القانونية والتنظيمية، وسهولة نقل رأس المال من وإلى البلاد، فضلاً بالطبع عن العوامل الجيوسياسية، إذ من الطبيعي أن تؤدي التوترات وعدم الاستقرار السياسي إلى التأثير على قرارات الاستثمار.
وفيما يتعلق بالفرص، فإنه من المتوقع زيادة الشراكات بين القطاع العام والخاص في تمويل مشروعات الرعاية الصحية مقارنةً بنموذج الاقتصار على التمويل الحكومي، وهو ما يتطلب من الحكومات تقديم المزيد من الحوافز الضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية لهذا القطاع، ولا سيما في التخصصات الهامة، مثل رعاية القلب والأوعية الدموية وعلاج السرطان، وكذلك تشجيع الاستثمارات لتوفير جامعات طبية على مستوى وجودة عالية.
أما الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة، فعلى الرغم من أن هناك مخاوف من أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى عرقلة تدشين مشروعات جديدة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الاستثمارات ستتضاعف في هذا القطاع تقريبًا مقارنةً بالوقود الأحفوري، بفضل تحسين سلاسل إمدادات الطاقة وانخفاض تكاليف التقنيات النظيفة في عام 2024م.
أما قطاع صناعة النفط والغاز، فوفقًا لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن التكنولوجيا الرقمية في هذا القطاع يمكن أن توفر بما يقرب من 1.6 تريليون دولار، ويمكن أن ترتفع لتوفر 2.5 تريليون دولار في حالة تخفيف القيود التنظيمية والتشغيلية.
وعلى الناحية الأخرى، فإن هناك العديد من التحديات، التي تواجه جذب الاستثمارات الأجنبية إلى منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام، بعضها تحديات تتعلق بالقطاعات ذاتها، وعلى سبيل المثال، صناعة النفط والغاز، ومستوى الاحتياطي واحتمالات النضوب، وكذلك قطاع التعدين والذهب، في ظل عدم وجود تقديرات دقيقة للاحتياطيات فضلاً عن تكاليف الاستخراج والإنتاج.
وهناك تحديات عامة، تتعلق بالاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، مثل حالة الاستقرار الجيوسياسي من عدمه وومستوى الفساد وضعف الخدمات المساندة والبنية التحتيـــة للخدمـــــات اللوجستيـــــة وارتفاع تكاليفها، ومدى سهولة ممارسة الأعمال التجارية والعقبات البيروقراطية، وطول فترة إنهاء المنازعات التجارية بين المستثمرين وخصومهـــم، وعـــدم كفايــــة المعلومات والبيانات، وضعف المنشآت التسويقية، ومشكلات التضخم.
ولذلك، فإن التغلب على تلك العقبات والتحديات يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والانفتاح الاقتصادي وتطوير البنىة التحتية وإطلاق حزم من الحوافز التشريعية والضريبية، وتطوير التشريعات والأنظمة وتسريع إجراءات التقاضي في حل المنازعات التجارية، وتوفير قواعد معلومات وبيانات شاملة وتحديث الجوانب التنظيمية والإجرائية، ونشر مراكز خدمة المستثمرين وتدريب العمالة وتأهيلهم لسوق العمل.