تحليل

هل يكون دائمًا الاستثمار بحذر ناجح؟

هناك الكثير من الأفراد يسمعون دائمًا بالاستثمار دون أن يكون لديهم خلفية عن ذلك، وبالتالي يجب أولاً أن يكون لديهم وعي عن هذا المجال، والقراءة عنه، ومعرفة مخاطره، وكيفية إدارة المخاطر قبل أن يتسبب دخولهم في هذا المجال إلى خسارة لا يستطيعون التعامل معها، ويؤدي بعد ذلك إلى أزمة مالية شخصية، تأخذ سنوات طويلة من العمر، لكي يستطيع الخروج منها. إذًا فإدراك المخاطر، مع دراسة عميقة إلى أي مدى ممكن أن تصل الأمور؟ مع اللجوء إلى مستشار مالي معترف، أو إلى بيوت الخبرة العالمية، قبل اتخاذ أي قرار.
من البداية يجب التعامل مع الموضوع بإعطاء الأفضلية لإدارة المخاطر، ومعرفة وتحديد حجم الخسارة التي يمكن أن يتعرض لها في أسوأ الأحوال، قبل التفكير بالعوائد والمكاسب الكبيرة، التي يريد أن يحققها.
بهذه الطريقة يكون على دراية تامة بماذا ينتظره وألا يحصل معه مفاجآت في ذلك، بالإضافة إلى ذلك هناك المبلغ الذي يود أن يستثمره، يجب أن يكون متوافقًا مع وضعه المالي وألا يكون تهور في الاستثمار بمبالغ ضخمة، أو الاستدانة بسبب ذلك.
من الأفضل أن يكون هناك ادخار في مرحلة أولى، وأن يكون لديك مبلغ لست بحاجة إليه، ويكون الدخول على مراحل، ويكون بذلك هناك تنويع في الدخول التدريجي أو أيضًا بالتنويع في القطاعات، وتحديد نسب متفاوتة للشركات التي يجب أن يكون لديها مركز مالي قوي ولديها معدلات نمو مهمة مع خريطة طريق واضحة لمستقبل الشركة ودون أن تكون غارقة في الديون ولديها طلب عالٍ ومستدام على منتجاتها.
طبعًا بالإضافة إلى ذلك معرفة المخاطر المستقبلية للشركة، هو من أهم العوامل التي على المستثمر ألا يتجاهلها، فمخاطر الشركة هي المخاطر التي ستتعرض له محفظتك الاستثمارية، وبالتالي هنا تكمن أهمية إدارة المخاطر، فلكل قطاع له مخاطره الخاصة به، وأصبحت الآن المتغيرات سريعة جدًا وتؤثر بقوة، ويحصل مفاجآت لم تشهدها الأسواق من قبل، وبالتالي يجب أن تأخذ ذلك بالحسبان، فضلاً عن توقيت بناء مراكز للاستثمار على المدى الطويل.
سنشهد دائمًا انهيارات في الأسواق المالية، وهذه تأتي ضمن دورات الأسهم، ففي تلك الحالة يحصل هلع وذرع، ينتج عنها موجات بيع عشوائية تشمل الأسهم الجيدة والأسهم غير الصالحة للاستثمار معًا، طبعًا الفرص دائمًا موجودة، خصوصًا للمستثمر الذكي الذي ينتظر بشغف هذه الأوقات، لكي يقتنص الأسهم الجيدة، بأسعار مغرية بعدما تدهورت إلى مستويات غير منطقية.
هنا يكون دخول المستثمر على الأسهم دون خوف، ولا يشارك الجو العام السائد، ولا سياسة القطيع بالبيع، وهو متأكد بأن هذه الأسهم لا بد أن تستعيد قيمتها، بعدما فقدتها بسبب الهبوط العام للسوق وليس بسبب مشكلات جوهرية تتعلق بمستقبل الشركة، وهنا نتذكر مقولة “وارن بافيت” أهم مستثمر في العالم: (سواء كنا نتحدث عن الجوارب أو الأسهم، أحب شراء سلع ذات جودة، عندما تكون هناك عروض وتخفيضات على الأسعار).
وإذا ألقينا نظرة على فرص الاستثمار في السنوات الأخيرة، نرى كثيرًا من التقارير منها، والتي تتحدث عن، إذا استثمرت مثلاً في ألف دولار في سهم آبل قبل 10 سنوات، وتركتهم طوال المدة أصبحت قيمة استثمارك أكثر من 8 آلاف دولار.
غيرها مثلاً في إنفيديا أو أمازون وتسلا وكل ذلك يؤكد أن الاستثمار كان هو الطريق الأفضل، بعيدًا عن المضاربات السريعة، والتي ممكن ان تفقد رأسمالك بالكامل، بسبب التحرك الكبير في الأسعار.
طبعا هناك كثير من المضاربين، حققوا عوائد كبيرة من المضاربة، أبرزهم “جورج سوروس”، والذي اشتهر بأنه الرجل الذي كسر بنك إنجلترا، بعدما كسب أكثر من مليار دولار، ولكن تبقى المضاربة مهمة صعبة أمام الاستثمار، فالمضارب يجب أن يكون ملمًا بالتحركات على المدى القصير، ومراقبة الكثير من المؤشرات والنماذج، أما المستثمر فيكفي أن يختار شركة رائعة يضيفها إلى محفظته بسعر مغرٍ، ويحتفظ فيها لفترة طويلة، وفي كثير من الأحوال يحقق عوائد جيدة، وليس بحاجة إلى متابعة الأسعار بشكل يومي وفي كل لحظة، فالتقلبات موجودة دائمًا، ولكن في المقابل، ليس كل ذلك أكيدًا، فممكن أيضًا ألا يعطي الاستثمار على المدى الطويل، عائدًا مقبولاً يستحق كل هذه المدة التي انتظر فيها المستثمر.
وكما يقال دائمًا أنه عند الأزمات تصنع الثروات، وخير مثال على ذلك خلال الأزمة العالمية بالنسبة إلى الأمثلة على الاستثمار وقت الأزمات، نشاهد أن “بافيت” استفاد كثيرًا من الأزمة العالمية في عام 2008م، وذلك عندما استطاع الدخول في صفقات ضخمة، وتحقيق مكاسب كبيرة، فمثلاً قام بضخ ثلاث مليارات دولار في شركة جنرال الكتريك، بعدما واجهت الشركة نقصًا كبيرًا في السيولة، وعانت منه الشركة العملاقة. استطاع بافيت بعدها تحقيق عائد وصل إلى 1.5 مليار دولار.
ونذكر هنا شركة وجاء ذلك بعدما قام بافيت بضخ بافيت 5 مليارات دولار في بنك جولدمان ساكس، وفي النهاية يبقى الاستثمار بعقلانية وبدون تهور، هو المثال الأصح مع الأخذ بالاعتبار الأحداث المتسارعة.