منذ إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” برنامج فرض التعريفة، فيما عُرف لاحقًا بيوم التحرر، وتسود الضبابية مشهد نمو الاقتصاد العالمي، في توقيت ترتفع فيه نبرة الحروب التجارية والحمائية التجارية والتعريفات الجمركية.
أما أدوات هذه الخلافات التجارية فقد امتدت إلى أسعار صرف العملات وتغيير سياسات البنوك المركزية وإعادة توزيع خرائط سلاسل الإمدادات، هذه الإجراءات كفيلة بإلحاق الضرر بفرص تحقيق نمو اقتصادي ملموس خلال العام، وهو بالفعل ما سيلحق بنسب النمو لاقتصاد الدول الكبرى والناشئة والنامية على حد سواء.
وتسمى هذه الحالة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية حالة (التعزيز المالي fiscal consolidation)، وهي حالة اقتصادية تسعى في المقام الأول إلى خفض الدين العام، فحالة التعزيز المالي تعتمد على ثلاث أدوات رئيسة، وهي: خفض الإنفاق، وزيادة المداخيل، وتقليص العجز المالي.
وربما تكون وسيلة التعريفة الجمركية أداه نحو تحقيق مداخيل للخزانة الأمريكية في أفضل السيناريوهات، إلا أنها حتمًا ليست أداة تقليص العجز المالي أو خفض الإنفاق.
هذه المهمة ليست بالسهلة على المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تقود إلى التقشف المالي للمستهلك مع مخاطر عدم خفض عجز ميزانية الدولة، إضافة إلى حالة المستهلك، فسيجد البنك المركزي (الفيدرالي الأمريكي) نفسه مضطرًا إلى وقف عملية خفض نسب الفوائد تحسبًا إلى إمكانية دخول الاقتصاد في مرحلة ركود اقتصادي.
ويعد اقتران مخاوف الركود الاقتصادي مع ضعف القوة الاستهلاكية للأسواق كفيلاً بحالة فقدان الثقة في تحقيق خفض ملموس للدين العام، وهو ما سيقود حتمًا إلى ضعف أساسات العملة، وهو ما شهدته الأسواق مؤخرًا مع تراجع مؤشر الدولار الأمريكي.
هذه الظروف في حال تفاقمت كفيلة بأن يدخل الاقتصاد الأمريكي في نفق ما يُسمى بفخ المديونية، وهي حالة اقتصادية تتعاظم فيها قيمة الديون حتى مع إجراءات التقشف الاقتصادي.
لا شك أن الظروف الاقتصادية تعطي مؤشرًا واضحًا بأن تحقيق نمو اقتصادي ملموس سيكون مهمة صعبة، بل إن صندوق النقد الدولي أصدر تقريرًا يشير إلى تنامي فرص دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود الاقتصادي.
لذلك نرى تهافت كبير من المستهلكين والبنوك المركزية على الملاذات الآمنة، مثل: الذهب والمعادن الثمينة في ظل ما تمر به العملات العالمية من تصحيح وخروج السيولة من أسواق الأسهم والسندات.
ومن اللافت أيضًا التنبيه إلى أن أسعار موارد الطاقة وعلى رأسها النفط لا تستطيع الارتفاع سعريًا في اقتصاد عالمي يتراجع، بل على عكس ذلك فإن دفع الاقتصاد العالمي باتجاه النمو يتطلب أسعار طاقة رخيصة تمكن من رفع الإنتاجية الصناعية والخدماتية لتحقيق ناتج إجمالي محلي إيجابي.