خلايا الوقود كرييتڤ

خلايا الوقود.. البديل القادم!

 

يرجع الفضل إلى “ويليام روبرت جروف” وهو قاضٍ وعالم فيزياء بريطاني، في اختراع أول خلية وقود هيدروجينية عام 1838م، وقبل ذلك بـ 42 عامًا، اخترع عالم الفيزياء الإيطالي “أليساندرو فولتا”، البطارية الكهربائية الحديثة، ومنذ ذلك الحين، تتنافس التقنيتان في توليد الطاقة للمركبات، حتى أثبت محرك الاحتراق الداخلي سهولة استخدامه، وظن البعض أن المسألة حُسمت على مدار 140 عامًا تقريبًا، لكن يبدو أن هذه المنافسة اشتعلت من جديد بين هذه الأنظمة، خاصةً مع الاهتمام العالمي المتزايد بالتوسع في استخدام تقنيات خلايا الوقود.

منافسة حامية الوطيس

ويتم توليد الطاقة الكهربائية في المركبات المزودة بخلايا الوقود، من خلال تفاعل الهيدروجين المُخزّن مع الأكسجين من الهواء، ولا ينتج عن هذه العملية سوى الماء، وبالتالي تعد حلاً خاليًا من الانبعاثات، تمامًا مثل المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، واعتبرها مختصون بمثابة ثورة في حلول الطاقة النظيفة، والتخفيف من الآثار الضارة لأنظمة الوقود على البيئة.

وتشهد السنوات الماضية، منافسة حامية الوطيس بين الشركات المعنية بصناعة وتطوير المركبات ووسائل النقل البحري وحتى الجوي لتطوير خلايا الوقود، إذ أعلنت شركة “إيه في إل” إحدى الشركات العالمية الرائدة في تكنولوجيا التنقل، عن تعاونها مع “ريد بُل” للتكنولوجيا المتقدمة، والمسؤولة عن تطوير محركات سيارات “فورمولا 1″، لتطوير جيل جديد من خلايا الوقود عالية الكثافة والأقل وزنًا من خلايا الوقود التقليدية، مما يعد بمثابة تطور هائل في صناعة السيارات والطيران، خاصةً مع تحقيق صافي انبعاثات صفرية.

وتتعاون “أدفنت تكنولوجيز هولدينجز”، وهي شركة أمريكية متخصصة في تطوير أنظمة خلايا الوقود المتكاملة، مع شركة “إيرباص” الرائدة في تصنيع الطائرات، لتطوير أنظمة خلايا وقود الهيدروجين عالية الحرارة (تعمل في درجات حرارة أعلى من 180 درجة مئوية)، وذكر “إيموري دي كاسترو”، الرئيس التنفيذي للشركة: “يسرنا الإعلان عن المرحلة الثانية من مشروعنا مع شركة إيرباص، تُدرك الشركتان الإمكانات الهائلة لأنظمة الدفع النفاث التي تعمل بخلايا الوقود، نتطلع إلى مواصلة هذا العمل الثوري مع إيرباص”.

ووقعت “بوش”، الشركة العالمية الرائدة في تكنولوجيا السيارات، مؤخرًا، اتفاقية مع “جونسون ماثي”، وهي شركة بريطانية متخصصة في التحول إلى الطاقة النظيفة، لتطوير أنظمة خلايا الوقود، وذكرت “بيت جروتا”، نائبة الرئيس التنفيذي لحلول هندسة الطاقة في “بوش”، أن خلايا الوقود للتطبيقات المتنقلة جاهزة تقنيًا للاستخدام على نطاق واسع، وتهدف شراكتنا إلى تعزيز أداء وكفاءة مجموعات خلايا الوقود بشكل أكبر”.

ويليام روبرت جروف

السفن والشاحنات الثقيلة

أنظمة خلايا الوقود ليست مقتصرة على المركبات، لكنها تسللت إلى مجال النقل البحري، حيث أطلقت شركة “ماير ويرفت” الألمانية لبناء السفن، مشروعًا بحثيًا جديدًا يركز على تقنية خلايا الوقود التي تعمل بالميثانول الأخضر كنظام طاقة صديق للبيئة ومنخفض الانبعاثات للسفن السياحية، وهو المشروع الذي تموله وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الاتحادية، بقيمة 17.8 مليون يورو.

وكشفت “هورايزون فيول سيل تكنولوجيز”، وهي شركة سنغافورية متخصصة في تصنيع خلايا وقود الهيدروجين، مؤخرًا، عن خلية الوقود المتطورة “في إل إس آي في”، بقدرة 400 كيلوواط، والتي لديها القدرة على خفض استهلاك الهيدروجين في الشاحنات الثقيلة بنسبة تصل إلى %20، بالإضافة إلى توفير طاقة كافية لشاحنات الطرق الثقيلة ومختلف المعدات الثقيلة الأخرى التي تواجه تحديات في مسارات إزالة الكربون.

وأعلنت “بلو وورلد تكنولوجيز”، الشركة الدنماركية المطورة لأنظمة خلايا الوقود، عن إنهاء الاختبارات الخاصة بنظام خلايا الوقود عالية الحرارة بقدرة 200 كيلوواط والتي تعمل بالميثانول الأخضر، ونظام آخر بقدرة 1 ميجاواط، لإنتاج الطاقة للسفن، حيث من المخطط تركيبه في إحدى السفن التابعة لشركة “إيه بي مولر ميرسك، خلال النصف الأول من عام 2026م.

وستوفر تقنيات خلايا الوقود عادةً ما بين %20 و%30 من استهلاك الوقود، كما تسمح باحتجاز الكربون بنسبة تصل إلى %100، سواءً للاستخدام في إنتاج الوقود الأخضر أو للتخزين، وفقًا لشركة “بلو وورلد”.

وأعلنت وزارة الطاقة الأمريكية، أواخر العام الماضي، عن تمويل بقيمة 46 مليون دولار لتسريع تطوير تقنيات الهيدروجين النظيف وخلايا الوقود، في إطار مساعيها لإزالة الكربون في القطاعات التي تواجه تحديات، وأبرزها قطاع النقل.

وأكد أستاذ الهندسة الكيميائية والبيولوجية في جامعة دركسل الأمريكية، “جوشوا سنايدر”،  أن خلايا الوقود تتمتع بإمكانيات هائلة كحل للطاقة النظيفة، إلا أن اعتمادها على نطاق واسع قد أعاقته التكلفة والمتانة وتحديات التصنيع، لافتًا إلى أنه يعمل حاليًا ضمن فريق بحثي، تقوده جامعة كاليفورنيا، وشركة كابوت، المتخصصة في الكيماويات، وشركة “بوش”، بهدف تحسين عمليات تصنيع أقطاب غشاء خلايا الوقود، وهي مكون رئيسي يُمَكن الخلايا من توليد طاقة نظيفة.

وأضاف أن هذا المشروع يهدف كذلك، إلى دفع تكنولوجيا خلايا الوقود قدمًا بطريقة تجعلها أكثر عملية وقابلية للتطوير”، وتابع: “من خلال تحسين كيفية بناء هذه الأنظمة وكيفية تفاعل مكوناتها على المستوى الذري، نعمل على ابتكار خلايا وقود أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، يمكنها تشغيل كل شيء من الشاحنات إلى الآلات الصناعية”.

أليساندرو فولتا

خلايا الوقود تتفوق على البطاريات

وحول مزايا خلايا الوقود مقارنة بالبطاريات الكهربائية، أوضح “سنايدر”، أن هناك ميزتين رئيستين لاستخدام خلية وقود الهيدروجين لتشغيل المركبات مقارنةً بالبطاريات، الأولى سرعة إعادة التزود بالوقود، والثانية زيادة مدى القيادة، وينطبق هذا بشكلٍ خاص على المركبات الأكبر حجمًا، مثل الحافلات، والتي تتميز بأوزان أكبر، فمع زيادة وزن المركبة، تصبح زيادة وزن حزمة البطارية المطلوبة غير ممكنة، أما بالنسبة للمركبات التي تعمل بخلايا الوقود، فنظرًا لأن وزن الهيدروجين وخزان تخزينه ضئيلان جدًا مقارنةً بوزن المركبة، يُمكن زيادة مدى القيادة بشكل كبير دون زيادة وزنها الإجمالي، لافتًا إلى أنه يمكن إتمام عملية “إعادة شحن” مركبة خلية الوقود عن طريق إعادة ملء خزان الهيدروجين في وقت مماثل للوقت المطلوب لملء خزان بالبنزين.

ومن جانبه، يرى الخبير الألماني في مجال السيارات والفضاء، ” إريك شميدت”، أن للمركبات التي تعمل بالبطاريات وخلايا الوقود عديدًا من المزايا والعيوب، فكلاهما صديق للبيئة للغاية، وأرخص في التشغيل من المركبات التي تعمل بالوقود التقليدي، ويتطلب صيانة أقل، وبعضها سريع للغاية، مشيرًا إلى أن البطاريات تواجه بعض المشكلات المتعلقة بمدى محدوديتها، وعمرها الافتراضي، وتكلفتها، وحاجتها إلى فترات شحن طويلة، ومن المفارقات أن البطاريات يمكن أن يكون لها أيضًا تأثير بيئي سلبي بسبب استخدام مصدر توليد كهرباء غير مستدام للشحن، والعمليات والمواد المستخدمة في إنتاجها.

وأضاف أن البطاريات الكهربائية لا تزال تواجه بعض المشاكل التي يجب التغلب عليها، لكن تقنية خلايا الوقود لا تعاني من نفس هذه المشكلات، بل تقدم مزايا أكثر؛ على سبيل المثال، تُعادل إعادة تعبئة الخلايا بالوقود، عملية تعبئة الوقود الأسبوعية العادية في محطات الوقود، لافتًا إلى أن تقنية خلايا الوقود لديها نطاق واسع من الاستخدامات، فقد أصبح هدف صناعة الطيران والفضاء في نهاية المطاف استبدال محركات الطائرات التي تعمل بالوقود التقليدي ببدائل تعمل بالكهرباء واقعيًا بشكلٍ متزايد، موضحًا أن خلايا الوقود تعمل كالبطاريات، لكنها لا تنفد ولا تحتاج إلى إعادة شحن؛ فهي تُنتج الكهرباء طالما يتوفر الوقود.

وشهد العامان الماضيان، تراجعًا حادًا في مبيعات مركبات خلايا الوقود، بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها ارتفاع تكلفة محطات التزود بالهيدروجين وعدم موثوقيتها، والتقدم المستمر في مجال المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، وعلى الرغم من تراجع أسعار مركبات خلايا الوقود بنسبة %50 تقريبًا أو أكثر في مناطق مثل كاليفورنيا وكوريا الجنوبية، إلا أن المبيعات السنوية انخفضت بنحو %66، من 15 ألف مركبة في عام 2022م، إلى 5 آلاف مركبة فقط في عام 2024م، وفي الوقت نفسه، تجاوزت مبيعات المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والهجينة القابلة للشحن 10 ملايين و4 ملايين مركبة على التوالي.

وعلى النقيض من ذلك، ثمة توقعات بأن يصل حجم السوق العالمية للمركبات الكهربائية العاملة بخلايا الوقود إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2045م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %17.7، كما بلغت قيمة سوق خلايا الوقود الثابتة عالميًا نحو1.2 مليار دولار في عام 2023م، ومن المتوقع أن تتجاوز 8 مليارات دولار بحلول عام 2035م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %16.7.

 

المملكة تقود المنطقة نحو الاستدامة

وفي إطار جهود المملكة لخفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز وسائل النقل المستدام، اتساقًا مع مستهدفات رؤية 2030م، تعاونت الشركة السعودية للنقل العام (سابتكو)، مع شركة “هيونداي موتور”، لتقييم تقنية التنقل المعتمد على الهيدروجين، من خلال تشغيل حافلات “هيونداي يونبيفيرس”، التي تعمل بخلايا الوقود، لمدة شهرين في المنطقة الشرقية.

كما أبرمت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، شراكة استراتيجية مع شركة عبد اللطيف جميل للسيارات، وشركة تويوتا موتورز، لتطوير أبحاث خلايا وقود الهيدروجين في المملكة.

وجاء انضمام المملكة إلى مبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود، ليعكس ريادتها في قيادة المنطقة نحو مستقبل أكثر استدامة، من خلال تعزيز التعاون بشأن أبحاث وتقنيات خلايا الوقود، باعتبارها البديل الواعد لتسريع خطوات تحقيق الحياد الصفري، وفقًا لمختصين.