تحليل

من “بافيت” إلى “ترامب”.. آبل تخطف الانظار

المعركة الكبيرة بين الرئيس “ترامب” والشركة العملاقة “آبل”، هدفها عودة مصانع الشركة إلى أمريكا، وهذه المهمة تُعدُّ صعبة جدًا على عملاق التكنولوجيا، والذي استثمر كثيرًا في الصين على مدى سنوات طويلة إلى درجة أن “آبل” استطاعت أن توفر 5 ملايين وظيفة هناك، وهذا يدل على عمق العلاقة القوية مع الصين والتي أخذت وقتًا طويلاً لبناء هذه العلاقة.

ومن الصين إلى الهند التي أصبحت حاليًا المكان الذي سيجري تصنيع غالبية أجهزة الآيفون المباعة في الولايات المتحدة، أو بمعنى آخر أن الآيفون الأمريكي سيُصنع في الهند.

وكانت “آبل” تلقت ضربة كبيرة في أسواق المال، عندما تخارج “وارن بافيت” أهم مستثمر في العالم بشكل كبير من السهم، عندما باع أكثر من نصف حصته في شركة “آبل”. طبعًا هنا نتكلم عن المحفظة الاستثمارية لشركته “بيركشاير هاثاواي”، وكان السهم لعب دورًا كبيرًا في نمو ثروة “بافيت” منذ بدأ الاستثمار فيه عام 2016م، على الرغم من التردد الكبير في الاستثمار في أسهم التكنولوجيا والقناعة التي كانت موجودة لدى “بافيت” وشريكه آنذاك “تشارلي مونجر” في البدايات عن هذا القطاع، والسبب أنهما لم يفهما تمامًا طبيعة هذه الصناعة. طبعًا بعدها تم الدخول تدريجيًا على السهم، وبناء مركز قوي في المحفظة، إلى أن أصبحت “آبل” تشكِّل في وقت من الأوقات أكثر من %60 من المحفظة.

وعلى صعيد القيمة السوقية، لا يزال الصراع موجودًا بين الشركات العملاقة الثلاث مايكروسوفت وإنفيديا وآبل على لقب أكبر شركة في العالم، وتلعب الأخبار الآتية من الصين، دورًا كبيرًا على حركة هذه الأسهم وخصوصًا تلك المتعلقة بتطورات الذكاء الاصطناعي هناك والاكتشافات الجديدة، بالإضافة إلى سوق الهواتف الذكية مع التطورات التي ذكرناها بالنسبة للتواجد القوي لشركة آبل في الهند والصين.

وعندما يُتخذ القرار بالاستثمار بسهم معين على المدى الطويل، وهنا نتكلم لسنوات طويلة، من الطبيعي أن نتأكد وننظر إلى سلامة الوضع المالي للشركة، وتطورات هذا الوضع في المستقبل، ونأخذ بالاعتبار تعامل الشركة مع ديونها على المدى القصير وعلى المدى الطويل وسرعة استجابة الشركة وتحركاتها وتحوطها عند تعرضها للأزمات إن كانت أزمة عامة في السوق أو أزمة داخلية تخص بالشركة. طبعا هناك أصول الشركة وكل المؤشرات المالية التي تربط الأرقام المهمة للشركة، بالإضافة إلى كل ذلك، لا يكفي أن تختار شركة جيدة بل أيضًا هناك سعر السهم مهم جدًا، لذلك يجب أن تأخذ بالاعتبار، ماذا تشتري وبكم تشتري أيضًا؟

بشكل عام، وحسب عدة مدارس استثمارية، الاستثمار بالسهم على المدى الطويل، يأخذ بالاعتبار عدة عوامل منها: النظرة المستقبلية للشركة للسنوات القادمة، والتوسعات الحالية والقادمة، جاذبية القطاع التي تنتسب إليه ومركزها بين الشركات المنافسة لها، بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة تساؤلات رئيسة عن مثلاً الأسواق المتواجدة فيها الشركة، وهل هناك أسواق جديدة تنوي الوصول إليها، وماذا عن منتجاتها؟ هل ستستمر المبيعات وتنمو في السنوات المقبلة؟ ومن هم عملاؤها وهل سيستمر الطلب بقوة؟

أما بالنسبة للقوة المالية للشركة، فمن الطبيعي التركيز على شركات تتمتع بمركز مالي قوي، يؤدي إلى استمرارية الشركة خصوصًا أنك تستثمر في شركة مفروض تظل موجودة وقوية لسنوات طويلة.

وبالنسبة لـ”وارن بافيت”، والذي يقول إن أفضل أوقات الشراء والحصول على صفقة جيدة يكون عند انهيار الأسواق، ففي تلك الأوقات يستطيع أن يحصل على الشركات القوية التي تتناسب مع فلسفته الاستثمارية، لأن السوق بحسب ما يقول، يكون أساء تقدير قيمة هذه الشركات في وقت من الأوقات، ويعتبر ذلك كأنك تشتري بضاعة جيدة في موسم التسوق، حيث تذهب وتشتري الأفضل والتي عليها خصومات مهمة، وبالتالي تكون سعيدًا أنك حققت صفقة جيدة. التعامل مع الأسهم الجيدة وقت التراجعات القوية، يشبهها “بافيت” بالبضاعة التي تشتريها، وصرح بذلك وقت الأزمة العالمية عام 2008م عندما قال في اجتماع مع المساهمين: “سواء كنا نتحدث عن الجوارب أو الأسهم، أحب شراء سلع ذات جودة عندما تكون هناك عروض وتخفيضات على الأسعار.

وفعلاً أثبت “بافيت” ذلك في عدة محطات من مسيرتها الاستثمارية الطويلة التي استمرت بأكثر من 60 عامًا منذ عام 1965م واستطاع أن يبني شركته الاستثمارية “بيركشاير هاثاواي” ووصولها إلى قيمة سوقية تخطت التريليون دولار، أثبت أنه قادر على اصطياد شركات قوية وجيدة تعرضت أسهمها لانهيارات ثم عادت هذه الأسهم ومحت خسائرها وحققت ارتفاعات كبيرة، محققًا فيها ثروات كبيرة مع الاحتفاظ بالأسهم لعقود طويلة من الزمن، ويقول أكثر من ذلك، بأن فترة الاحتفاظ بالأسهم المفضلة لدينا، هي إلى الأبد.

“بافيت” الذي ينسب إليه أنه مستثمر القيمة، كانت له صفقات قوية أثناء الأزمات، مثل حصة كبيرة في بنك اوف أمريكا، والدور الكبير الذي لعبه في إنقاذ البنك عندما كان بحاجة إلى سيولة، واستثماره 5 مليارات دولار وقتها.

ونختم مع أهم نصيحة لـ”وارن بافيت” في مجال الاستثمار وهي: القاعدة الأولى: لا تخسر المال أما القاعدة الثانية فهي: لا تنسَ القاعدة الأولى.