مفتاح

ميزانية الـ «تريليون» و«رسالة» 2019

بميزانية إنفاق تتخطى التريليون ريال، تدخل «المملكة» 2019. عامَها الجديد بـ «رسالة» واضحة تؤكد الدولة من خلالها أن «التنمية» خيارُها الإنساني والاجتماعي والاقتصادي الأول، وأن «مواطنَها» هو هدَفُها الاستراتيجي، وأنها عازمة على استكمال مسيرتها في طريق التنمية، وحيث تضع المواطن مشغلاً رئيساً لمحركات الاقتصاد الوطني.

وتتحدَّث الموازنة الجديدة بالأرقام، وبتفاصيل جديدة كلها تُعطي إشارات متفائلة، إيجابية، وكاشفة، عن نمو إيرادات العام الماضي 30%، مقارنة بما هو متوقع، كما قدّرت إيرادات تصل إلى نحو تريليون ريال للعام الجاري، بالإضافة إلى زيادة متوقعة في الإيرادات غير النفطية تدور حول 9%، وفي الوقت نفسه تشير إلى انكماش في العجز يُقَدّرُ بـ 131 مليار ريال، إضافة إلى مؤشرات عدة إيجابية أخرى.

وما كشفته الموازنة ــ بين سطورها وأرقامها ــ على صعيد الأهداف والاستراتيجيات، هو الأكثر أهمية، وهو الأجدر بأن ننظر فيه، وأن نتأمّله، إذ جاءت لتقول بوضوح إنه، وعلى الرغم من كافة التحديات الماثلة حالياً، على الصعيد الداخلي والخارجي، وفي مقدِّمتها تراجع أسعار النفط، والتوترات السياسية في المنطقة، إلا أن المملكة تجعل عيونها على طموحها، وأنها تضع ما خطَّطت له أمامها، وأنها مستمرة في العمل من أجله، يعكس طموحَها وخُطَطَها وعملَها، ما قدرته من إنفاق قوامه 1106 ملايين ريال.

ويأتي الإعلانُ ــ في نهاية العام المنصرم ــ عن تأسيس عدد من الأجهزة الحكومية الجديدة، من المنتظر قيامها العام الجديد، ليشرح لنا ببساطة تطلعات اقتصادنا للمستقبل بدءاً من العام الحالي، فإنشاء هيئة مستقلة للمعارض والمؤتمرات، يعكسُ توجّها قوياً إلى تفعيل «حضور» إنتاجنا الوطني في الأسواق الخارجية، وتحقيق رغبة الدخول والاختراق عبر مظلة حكومية مستقلة، بعد أن كانت معلَّقة بجهود محدودة في ردهات وزارة التجارة والاستثمار، أو تتوقّف على اجتهادات مشكورة من الغرف التجارية وشركات القطاع الخاص.

هناك أيضاً هيئة أخرى للمحتوى، تقوم على الضبط والاهتمام بمستوى المنتج من المشتريات الحكومية، بما يؤدي إلى رفع مستوى الجودة للصناعات المحلية، وزيادة تنافسيتها وجاذبيتها، لتتسق مع إنشاء جهاز جديد، هو هيئة التجارة الخارجية التي سيناط بها تحقيق هدف وصول الصناعة الوطنية إلى آفاق الاقتصاد العالمي، وتفعيل مئات الاتفاقيات الثنائية مع الدول.

الرسالة واضحة من إنشاء الهيئات الجديدة، وتعني أن الهيكلة الاقتصادية مستمرة في أركان القطاع الحكومي، بما يواكب تطلعات رؤية 2030، ودفع الاقتصاد السعودي إلى مزيد من التنوُّع في الموارد والإمكانات، والسعي نحو التحرر من هيمنة المصدر الوحيد للدخل الوطني.

السير حثيثاً بهذه السياسة ــ التي تعتمد على إعادة ترتيب البيت الاقتصادي الحكومي من الداخل، بآليات الإصلاح والهيكلة المستمرة، والمضي في الأداء بموازنة إنفاقية قوية في جوانبها الاجتماعية ــ سيضمن، بمشيئة الله، تفاعل القطاع الخاص بكافة مكوناته، ما يُقوي اقتصاد المملكة، ويفرض واقعاً جديداً من التنمية القائمة على قواعد مؤسسة ومتكاملة ستعمل جميعها كمصدات طبيعية أمام عواصف التقلّبات والمتغيّرات السلبية الطارئة، المحسوبة وغير المحسوبة المقبلة من «الخارج»، والتي يتأثّر بها «الداخل»، لولا الأداء والتخطيط والعمل.

قصي البدران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.