مبادرات وبرامج عدّة أطلقتها المملكة في ضوء «رؤية السعودية 2030»، خلال السنوات القليلة الماضية.. كلها تهدف إلى «تسريع» وتيرة التحوُّل الرّقمي الذي يفتح أوسع الآفاق أمام المملكة للانضمام إلى نادي الدول الأكثر تقدُّماً، والأسرع تحقيقاً للنمو الاقتصادي في العالم.. إنه نادي الـ 15 دولة الأسرع إنجازاً للتقنيات المعاصرة، والأكثر امتلاكاً لمفاتيح التطور والتقدم العلمي والحضاري.. أهم ما تصنعه هذه البرامج والمبادرات هو توفير «البيئة» أو البنية التحتيّة للنموذج الرّقمي المنفتح على المستقبل بكل ما فيه من تغيّرات وتحديات.. «الاقتصاد» ترصد أبرز التحوُّلات السعودية في مجال تطوير وتنمية «البيئة» الاستثمارية مجال التقنيات الحديثة بالمملكة، وكيف تخطو البلاد نحو صدارة دول العالم في التحوُّل الرقمي والابتكار..
12 مليار دولار حجم سوق تقنية المعلومات بالمملكة وسوق التقنيات الناشئة أكثر من 10 مليارات دولار
«مراس» و«تيسير» و«طموح» و«اعتماد» تعزِّز نجاح التحوُّل الرقمي في المملكة والإقبال أبرز المؤشّرات
توقعات بوصول إجمالي الأثر الاقتصادي للثورة الصناعية الرابعة في السعودية لـ 4 مليارات دولار
يرى الخبراء أن التقنيات الحديثة بمختلف مسمياتها: الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، التحوُّل الرقمي، هي التي ترسم الآن معالم الطريق لدول العالم إلى المستقبل. هي جسر المرور للمواطنين نحو آفاق أرحب وخدمات أفضل في أسرع وقت وأكثر أمناً عن أي زمن مضى. وأجهزة الحواسيب والهواتف الذّكية أصبحت هي مصباح علاء الدين الذي روَّجت عنه الحكايات والأساطير السرعة الفائقة في مساعدة صاحبه على قضاء حوائجه وتسهيل أمور حياتية شتى في أي وقت بلمسة زر واحدة في «غمضة عين». هكذا أصبحت التكنولوجيا الحديثة التي بات العالم المتقدم يعتمد عليها ويستثمر في تطويرها باستمرار، وهذا ما أصبح عليه دورها، في ضوء المنافسة الحادة والساخنة بين الدول للحاق بركب المستقبل.
إنه الواقع ولم يعد حلماً
إذن، فلم يعد الأمر مجرد حلم وردي.. نتمنى تحقيقه دون أن نعرف أنسب السبل لذلك. فبعد ثلاث سنوات من تدشين ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – لرؤية 2030، والتي تحظي بإشادات وتقدير بالغ من كبرى المؤسسات الاقتصادية في العالم، وفي طليعتها البنك الدولي، والمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، كونها ستسهم في استدامة النمو الاقتصادي في السعودية، فقد ظهرت للجميع بشائر الخير التي تحملها تلك الرؤية للمواطن السعودي والمقيم أيضاً، وأن المملكة تمضي بالفعل على الدرب الصحيح، وأن الاستراتيجية التي تنتهجها في التحوُّل الرقمي والابتكار بفضل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – سيجني كل مواطن سعودي ثمارها في القريب العاجل، وتشمل بناء حكومة رقمية، واقتصاد رقمي يسهم في تحقيق التنمية الشاملة، ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة، ودعم المشروعات المبتكرة لروَّاد الأعمال، وما أكثر الخير والمكانة التي يتوقع الجميع بعون الله أن تصبح عليها المملكة في مصاف أفضل 15 نموذجاً عالمياً في التحوُّل الرقمي بحلول عام 2030 من خلال تقديمها خدمات رقمية ذات قيمة عالية بطريقة سلسة وسهلة توفر مزيداً من الجهد والوقت والمال على المستفيدين.
الخطوات العملاقة التي قطعتها المملكة لتحقيق ذلك تُعد قياسية وفريدة قياساً بما تنتهجه دول المنطقة من حولنا، حيث يُقدَّر حجم سوق تقنية المعلومات في المملكة بنحو 12 مليار دولار، وسوق التقنيات الناشئة بأكثر من 10 مليارات دولار، وفقاً للأرقام الصادرة عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ومن المرجح بحلول عام 2030 أن تبلغ مساهمة مشاريع المدن الذكية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بأكثر من 2 مليار دولار وأن يسهم القطاع الصحي الرقمي بنصف مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي، وأن يصل إجمالي الأثر الاقتصادي المتوقع للثورة الصناعية الرابعة في المملكة لنحو 4 مليارات دولار، مما يعزِّز مكانة المملكة كأكبر سوق رقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويزيد من فرص جذب الاستثمارات وتوسع حجم المشروعات الناشئة.
ووفقاً لدراسة صادره عن مؤسسة «هيتاشي داتا سيستمز» فإن مبادرات التحوُّل الرقمي التي تعتمدها غالبية دول العالم وفي طليعتها رؤية السعودية 2030 ستسهم بدور فعال في توليد فرص استثمارية ضخمة في السوق العالمية للبيانات الكبيرة تناهز قيمتها 7 تريليونات دولار بحلول العام 2021 وذلك لاعتمادها على استخدام التقنية الحديثة لتعزيز كفاءة الأجهزة الحكومية وتقديم الخدمات بصورة أسهل تختصر المسافة والوقت لصالح المستخدمين.
برامج ومبادرات
يعزِّز من فرص نجاح برنامج التحوُّل الرقمي في المملكة تلك البرامج والمبادرات الرقمية التي تم تدشينها في الفترة الماضية ولاقت رواجاً وإقبالاً كبيراً من قبل جمهور المستخدمين، وأبرزها: إطلاق الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت»، والمرحلة الثانية من برنامج «طموح للتجارة الإلكترونية»، الهادف إلى تمكين وتحفيز المنشآت الناشئة ومتناهية الصغر في أنشطة محددة، ثقافية، صحية، رياضية، ترفيهية، ومهنية في المملكة بالاعتماد على التقنية والقنوات الإلكترونية في العمليات التجارية؛ وذلك لتوسيع قاعدة عملائها وأعمالها وزيادة انتشارها بطريقة احترافية.
ويشجع البرنامج المنشآت المستهدفة على تبني الاستراتيجيات الذكية التي تؤهلها لتجاوز التحديات بما يمكنها من النجاح، وصولاً إلى رفع إنتاجية هذه المنشآت وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 20 إلى %35 بحلول عام 2030. وقد سبق ذلك إطلاق وحدة التحوُّل الرقمي لمبادرة «فكرة Tech»، والتي تستهدف جميع الأفراد والشركات والمؤسسات داخل المملكة، من خلال منصة تفاعلية تمكن المواطنين والمقيمين من الإسهام في التحوُّل الرقمي الوطني ومشاركة أفكارهم ومشاريعهم الرقمية لمواجهة تحديات يتم طرحها في المنصة.
كما تعد مبادرة برنامج «مراس» في طليعة برامج التحوُّل الرقمي الناجحة، فقد أطلق من قبل اللجنة التنفيذية لتحسين أداء الأعمال في القطاع الخاص (تيسير). ويقدِّم هذا البرنامج جميع الخدمات المقدّمة من الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة والتي تفيد رائد الأعمال في بدء عمله التجاري بيوم واحد فقط، ويتميز «مراس» بتقديم خدمات إلكترونية مترابطة باستخدام تقنيات حديثة.
كذلك تم تدشين منصة «اعتماد» الرقمية من قبل وزارة المالية السعودية، وتتيح للجهات الحكومية والقطاع الخاص الاستفادة الكاملة والمباشرة من الخدمات الإلكترونية لوزارة المالية، بمزايا عالية، ومواصفات تقنية متقدِّمة وتنافسية، وتضم «اعتماد» خمس خدمات أساسية هي: إدارة الميزانية، وإدارة المنافسات والمشتريات لطرح المناقصات وفحص العروض والترسية إلكترونياً، وتمكين القطاع الخاص من الاطلاع على المناقصات واستقبال الدعوات وشراء الكراسات والتقديم عليها إلكترونياً، إضافة إلى إدارة العقود والتعميدات، وإدارة الحقوق المالية، وإدارة المدفوعات.
كما أطلقت الاتصالات السعودية STC مؤخراً تقنية «الاتصال الجوي» وتتيح هذه الخدمة البث من الاتصال الجوي بنقل الإنترنت والنطاق العريض إلى الطائرات، باستخدام إشارات مرسلة من المحطات الأرضية تعتمد معايير (LTE)، والتي تمتلك عديداً من المميزات مقارنة بالتقنيات القديمة التي تعتمد على الأقمار الصناعية.
توقعات: المدن الذكية تسهم في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بـ 2 مليار دولار ونصف مليار للقطاع الصحي
ارتفاع حجم سوق التكنولوجيا العالمية من 50.8 مليار دولار في 2017 إلى 112 ملياراً في 2018
التكنولوجيا المالية
تمثل التكنولوجيا المالية ركيزة أساسية في برنامج التحوُّل الرقمي ضمن رؤية المملكة 2030. وقد شهدت المملكة في الفترة الأخيرة تطورات لافتة على صعيد التشريعات المنظّمة لخدمات التكنولوجيا المالية. انعكس ذلك إيجابياً على تعاملات الأفراد والشركات، فحسب إحصاءات مؤسسة النقد العربي «ساما»، فقد عالج نظام المدفوعات الإلكترونية «مدى» نحو 1.23 مليار عملية دفع إلكترونية على أجهزة نقاط البيع في المتاجر، خلال 2018 بارتفاع نسبته %46، مقابل 708 ملايين عملية دفع عام 2017، مما يعكس تسارع وتيرة التحوُّل الرقمي في المملكة، ويعزز فرص جذب حصة أكبر من سوق التكنولوجيا العالمية التى ارتفعت لنحو 112 مليار دولار، مقارنة بقرابة 50.8 مليار دولار في 2017 بارتفاع نسبته %120، وفقاً لتقديرات شركة «كي بي إم جي العالمية».
كما يعزز الدور الذي يقوم به «صندوق STV» الاستثماري المتخصص في رأس المال الجريء مكانة المملكة في مجال التقنيات الحديثة والتحوُّل الرقمي، حيث نجح خلال العام الماضي في قيادة جولات استثمارية بقيمة 250 مليون دولار، تُمثل نحو %30 من حجم استثمارات رأس المال الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المقدر بـ 893 مليون دولار. كما وصل حجم استثماراته المباشرة بعد عام على انطلاقه إلى نحو 100 مليون دولار، وتضم المحفظة الاستثمارية للصندوق منذ تأسيسه علامات تجارية بارزة مثل شركة «كريم»، المتخصصة في خدمة حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويضم أيضاً منصة «Unifonic»، المتخصصة في الاتصال السحابي، ومنصة (تلفاز 11)، المتخصصة في إنتاج محتوى مرئي رقمي بجودة عالية، وكذلك منصة «Vezeeta» للرعاية الصحية والخدمات الطبية التي تتيح للمستخدمين إمكانية البحث عبر تطبيق ذكي عن الطبيب أو مقدِّم الرعاية الصحية الذي يناسب احتياجاتهم، وتمكنهم من حجز المواعيد.
حاضنات الأعمال
تقوم حاضنات ومسرعات الأعمال في المملكة بدور فعال في تقديم الدعم لروَّاد الأعمال والشركات الناشئة، مما يعزز وتيرة تحقيق السعودية للتحوُّل الرقمي، فوفقاً للأرقام الصادرة عن «حاضنات السعودية» فإن مدن المملكة تشهد تواجد 17 حاضنة أعمال، و8 مسرعات أعمال، و29 مساحة عمل مشتركة. وهناك نماذج متميزة لتلك الكيانات أبرزها حاضنة «بادر للتقنية الحيوية» وهي أحد برامج مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وتأسست في العام 2010م، وتعمل على دعم وتأسيس وتطوير قطاع التقنية الحيوية في مجالات عدة، هي الصحة والطب والصيدلة والقطاع البيئي والزراعي، ومساعدة الباحثين والأطباء السعوديين في تأسيس وتطوير مشاريع استراتيجية في مجالات التقنية الحيوية. ووصل عدد طلبات الاحتضان منذ تأسيسها إلى أكثر من 500 طلب، فيما بلغ عدد المشاريع المحتضنة مع نهاية عام 2018 لنحو 30 مشروعاً تقنياً. وتوج برنامج بادر بجائزة أفضل حاضنة ومسرعة أعمال على مستوى السعودية لعام 2018، وفقاً لتصنيف جلوبال براندز العالمية.
وهناك أيضاً برنامج (واعد) التابع لشركة أرامكو، وقدَّم منذ نشأته قبل 8 سنوات تمويلاً بقيمة 112 مليون دولار إلى 114 منشأة في قطاعات مختلفة، أبرزها تقنية المعلومات والتعليم الاحترافي والقطاع الصحي، وتسهم هذه المشاريع في زيادة القيمة المضافة للاقتصاد السعودي وتعزيز التحوُّل الرقمي.
17 حاضنة أعمال و8 مسرعات أعمال و29 مساحة عمل مشتركة تُعزّز «تسريع» وتيرة التحوُّل الرقمي