نافذة

هل تذكرون تجارة كهذه

عبد العزيز الذكير

نعم إنها تجارة في جزيرة العرب، دامت عقوداً وهي تجارة الزّلّ. وربما اتضح لنا أن الزل واقتناءه، بل والتغزل في وجوده لم يكن موجوداً في قديم أدبيات الشعر العربي والشعر النبطي. لكنني أعرف قصيدة سامرية لشاعر نجد الشهير المرحوم محمد العبدالله القاضي ـ 1224/1285هـ ـ في آخر القصيدة بيت يقول:

كلّنْ يقّلب عَشيره فوق فِرش الّزل

وأنا تقلب لَمَنّه يذّن التالي

وظهر لي أن الزل لا يقتنيه أو يفترشه الناس العاديون، بل إنه نوع من الدلال والترف. ولم أعثر على أثر يؤكد أن مفردة «الزولية» ومجموعها «زوالي» له أصل في الفصحى، فالذي قرأناه وعرفناه مفردات مثل: الفرش، الطنافس، الزرابيّ، البُسُط، والسجاد.

والمراقب أو المتتبع سيجد أن هواية حيازة واقتناء السجاد الأصلي لم تكن حكراً على أهل الشرق، لكننا وجدنا أن كثيراً من الغربيين يستثمر في شراء وبيع السجاد المسمى «كرمنشاه» أو «الكاشاني». والأخير لا يبلى ويحافط على بريقه، ومثل أية قطعة فنية يوجد في المزادات المخصصة لمحترفي بيع وشراء النوع الأصيل من السجاد، وأغلبهم ذو خبرة في اكتشاف الأصلي من الزائف والمغشوش. والغربي حساس ذوقياً، فهو يشتري السجاد من أجل الميزة أو التربّح. وفي لندن تظهر إعلانات من مقتني السجاد تعلن عن رغبة أحدهم في بيع «سجادة Genuine».

يقول دبلوماسي غربي يقتني السجاد الإيراني بانتظام، إن الصينيين وجدوا أن من المربح جـداً أن يقلِّدوا السجاد الإيراني والتركي، لأن المشترين قد يكونون شديدي الحساسية ومهووسين بهذه المنتجات، ويعرف الواحد منهم كيف يميِّز بين نسخة صينية وسجاد ممتاز آخر.

ويوجد ما يشير إلى أن أهل نجد كانوا يجلبون السجاد من الكويت فيما قبل الأربعين الميلادية من القرن الماضي. ولك أن تُقدّر أن تجارة الزل أثناء نقلها على ظهور الإبل لم تكن ذات جدوى، بسبب كون البعير لا يستطيع حمل سوى عدد محدود، وأمامها الصحراء، إلى جانب مخاطر الطريق بسبب اعتراض قاطعي الطرق لبضائع غالية كتلك، لكن هذه التجارة راجت عندما بدأ استعمال اللواري القوية وساد الأمن.

وبعض السيارات القادمة من الكويت تجلب الركّاب إلى القصيم مثلاً. والحالة أنهم يركبون على سطح الشاحنة الصندوق، ويعمد السائق إلى أن يجعل الحمل زلّ أو زوالي، وينجذب المسافر إلى لوري مُحمّل بالسجاد، لأن المسافرين سيحسون براحة أكبر إذا افترشوا تلك البضاعة، فتجد المسجلين على شاحنة يكون حملها من الزلّ أكثر من بقية السيارات التي تحمل بضائع صلبة كالأواني. وربما كان هذا من أسباب ازدهار تجارة الزل بين نجد والكويت.

وهناك دلالة واضحة تبيّن لنا اهتمام الناس بالبسط والزل. فمن أقدم الأسماء في الرياض سوق يقال له سوق «المقيبرة» الآن سوق «الزّل»، وجاءت تلك التسمية، لأن جُل ما يعرض في هذا السوق حالياً من الزّل، وهي المفروشات القديمة المصنوعة من الصوف من زوالي، ومساند، ومدّات، إضافة إلى تشكيلة أخرى من السجاد العربي الأصيل والمنتجات والتحف والسيوف الأثرية والأزياء الشعبية كالمشالح، والغتر، والصديريات، وغيرها كثير من نفائس التراث الضاربة في القِدم وغيرها. وعند زيارة هذا السوق، فلن تكون وحدك بل ستفاجأ بأفواج من السياح من مختلف الجنسيات جاءت للتبضع والفرجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.