كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي، وانشغل الإعلام بذلك بشكل كبير ودخل المحللون والخبراء في مباريات أشبه بالمنازلات، وتسابقوا على تحديد تداعيات الركود وتأثيراته على الاقتصاد العالمي وما هي الدول التي ستتأثر بقوة أو بمعنى آخر الدول التي ستمر اقتصادياتها بفترة عصيبة.
تطورات عدة أدت إلى حصول هذا الموقف شبه الجماعي من الخبراء حول موضوع الركود، ولكن الأبرز كان هو انعكاس منحنى العائد، والذي أصبح المؤشر الأول لهذا الحدث، طبعا هناك عناوين كبيرة تتصدر المشهد الاقتصادي، أبرزها الحرب التجارية والتباطؤ الاقتصادي، عدا عما يحصل من ناحية السندات ذات العوائد السالبة والقيمة الكبيرة لهذه السندات التي وصلت إلى 16 تريليون دولار حسب دويتشه بنك، وأيضا باتت تشكل ثلث قيمة السندات العالمية منها، دول صناعية كبيرة في أوروبا، إضافة إلى اليابان الغارقة في مشكل إيجاد هو تضخم في البلاد، والخروج من وضعية الرجل المريض، والتي يردد الخبراء حاليا أن بعض الدول الأوروبية بدأ ينتقل إليها المرض الياباني.
هذه القيمة الكبيرة من السندات السالبة، والتي تزداد منذ فترة، دخلت على الخط في دعم بعض من ارتفاعات أسعار الذهب، عندما انطلق من 1400 دولار إلى ما فوق 1500 دولار، رغم أن الذهب لا يقدم أي عائد، إذا لم يكن هناك ارتفاعات، وبالتالي لوحظ إقبال كبير على المعدن الأصفر، بسبب هذه التطورات خصوصا، أن الحكومات مع السندات السالبة لا تدفع للمستثمر مقابل اقتراضها، بل المستثمر يدفع للحكومات مقابل شراء هذا النوع من السندات، ويبقى السؤال الأهم: هل فعلا انتهى الموضوع وسنشهد ركودا اقتصاديا عالميا بعد سنتين أو أكثر بسبب هذا المنحنى؟.
طبعا، تاريخيا كان يأتي الركود عندما تحصل هذه الإشارات، ولكن أيضا أعتقد أن العوامل تختلف، فمثلا لم يكن في السابق برامج تيسير كمي من البنوك المركزية بهذه الأحجام والقوة، وبالتالي فإن المقارنات يجب أن تكون فيها العوامل التي تضغط على الأقل متشابهة، أو قريبة من بعض، وأيضا ما هو موقف البنوك المركزية من ذلك، خصوصا أنه أصبحت لديها خبرة كبيرة في التعامل مع التحديات، أو مع اندلاع أزمات بالمعنى الكامل للأزمة، وخير دليل على ذلك الأزمة العالمية.
أريد أيضا أن أقول إنه قد يحصل ركود اقتصادي عالمي. نعم قد يحصل، ولكن الفكرة أن هذا الحدث برأي ليس أكيدا، رغم أن هناك نسبة كبيرة لحصوله.
عدا عن موضوع الركود، فإن الأسواق تتعامل مع أية صدمة سريعة تأتي، بأن يكون ردها تقلبات عالية، وتذبذبات على المدى القصير، رغم أنها يمكن أن تحصل للمرة الأولى في تاريخها، وبالتالي تكون التحركات في بضع ساعات، تعادل ارتفاعات أو تراجعات على مدى سنتين أو ثلاث سنوات، وهنا تنتقل الخطورة بقوة إلى المستثمرين الذين معظمهم أو النسبة الأكبر منهم لا يجيد التعامل مع تلك الحالات، أو منهم من كان يريد أن يستفيد من هذه الحركة الكبيرة، فتكون النتيجة سيئة بالنسبة إليه.
ليس فقط المستثمرين، بل الدول أيضا، عندما تشهد مثلا أسعار النفط قفزات كبيرة، نأخذ مثالا على ذلك اليابان، التي لديها وضعية خاصة، فهي من جهة هي بحاجة إلى كل نقطة نفط لتحرك اقتصادها، فعند الارتفاع تزداد فاتورتها، وفي نفس الوقت ـ وقت الجيوسياسية ـ عملتها مرشحة للصعود لأنه سيكون هناك إقبال على عملات الملاذات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري، وبالتالي أحيانا ـ وقد حصل ذلك بالفعل ـ فإن فاتورتها من النفط أقل على مستويات 70 دولارا للبرميل، مثلا من أسعار 60 دولارا على سبيل المثال، كيف ذلك؟
فيمكن أن نشهد ذلك إذا حلق الين وارتفع بشكل كبير مثلا، وقت كارثة فوكوشيما، حصل هناك طلب كبير على الين، وعمليات تسييل على الأصول، مما أدى إلى ارتفاعات صاروخية خلال جلسات قليلة، ويكون بطريقة ـ مثلا ـ تعوض أية ارتفاعات في مستويات أسعار النفط، فتصبح فاتورة البلاد من النفط أقل.
وقت ارتفاعات أسعار النفط، فإن عملات بعض الدول المصدرة مثل النرويج، وكندا وروسيا لم تعد تتحرك بقوة مثل السابق، فمثلا الروبل الروسي كان يعتبر سعر النفط العامل الأول في تحركاته، أما في السنوات الأخيرة، فقد أصبحت العقوبات هي التي تحدد توجهه، وأي خبر عن المزيد منها، يؤدي إلى ترنح الروبل، غير مبالي إذا كان هناك “رالي” لأسعار النفط في نفس الوقت. ويجد الروبل الروسي أيضا صعوبة في الخروج من مناطق تداوله، بسبب عوامل تتناول اقتصاد روسيا مثل معدلات النمو، وأيضا هناك المشكلة القديمة، وهي خروج الأموال بمعدلات كبيرة سنويا.
وإضافة إلى اليابان هناك كوريا الجنوبية والهند والصين طبعا من أهم الدول التي تحافظ على الطلب العالمي للنفط، ومن اهم الزبائن، وبالتالي فإن أي شيء يحصل في الأسواق، تجد هذه الدول معنية مباشرة، لأن اقتصادياتها تتأثر بقوة مع التقلبات الحادة لأسعار النفط. عدا أن عملة الهند تترنح هي أيضا مثل عملة روسيا، بينما عند اليابان يحدث العكس، بسبب الإقبال الكبير على الين وقت الأزمات كما أشرنا.