نافذة

عصر الجيوب

فجأة باتت كثير من العصائر والمشروبات في السوق من غير سكر، أو ليست محلاة، كما رأينا في سلسلة إعلانات جديدة انطلقت مع شروع الهيئة العامة للزكاة والدخل في تطبيق ضريبة %50 من سعر بيع التجزئة للمستهلك النهائي للسلع الانتقائية على المشروبات المحلّاة ذات الضرر على الصحة.

ويتبادر السؤال غير البريء: من أين يأتي هذا الطعم الحلو في هذه المشروبات؟ أمن مرارة الرغبة في الاستمرار في الربح وكسب السوق التي ستتأثر حتما برفع السعر؟ أم تراه من تحسينات جينية جذرية في تلك الفواكه “المدعاة” التي تدخل في مكونات هذه العصائر التي حتى “المعصور” منها من فاكهة حمضية تجد فيه حلاوة؟.

نعرف يقينا أن كثيرا من العصائر ليست عصيرا، وسبق أن ألزمت الحكومة المنتجين بتوضيح ذلك، للتفريق بين المنتجات الطبيعية “المعصورة”، وتلك المصنعة من مركزات معينة أو مركبات ومنكهات، لكن كثيرا من المستهلكين يلجؤون إلى العصير هربا من المشروب الغازي، في كلٍ نصيبه من السكر، السبب الأساسي في الضرر الذي أوصل نسب الإصابة بمرضي السكري والسمنة إلى المستويات “الثلثية” أو ما يقاربها من عدد السكان.

أفكر بصوت مقروء، وأقول لو أن كل العصائر وغيرها من المنتجات التي تدعي أنها من مصادر طبيعية صادقة، لاحتجنا إلى عشرة كواكب أخرى مع كوكبنا لمقابلة هذا الاستهلاك، وهي يجب أن تكون كواكب لا تعاني من انحسار الأراضي الزراعية، والتصحر، والتغير المناخي، والزيادة المضطردة في عدد السكان.

لطالما تفكرت من أين تأتي شركات الشامبو والصابون وسوائل النظافة المختلفة بكل هذا الليمون أو الزيتون أو جوز الهند أو الصبار لتضعه في منتجاتها؟ والسؤال ينطبق على أهل العصائر الذي ينتجون عصائر من فواكه معظمها مستورد، وقيمته نعرفها جميعا لأننا نشتري الفاكهة، أو لا يزال بعضنا يفعل!.

نريد أن نعرف مصدر هذه “التحلية” إذا كان غير السكر وغير المحليات المعروفة، التي أشار إليها القرار بـ”المحليات الأخرى”؟ هذا مطلبنا من الشركات، أم مطلبنا من الحكومة التي تسعى جاهدة لتطبيق مبدأ الوقاية، وهو جهد مشكور، فنريد قرارات مماثلة على كثير من الحلويات التي تباع لأطفالنا، وهي لا تعدو كونها مجرد سكر وألوان صناعية، وأزعم أن أضرارها تعادل أو تفوق أضرار المشروبات الغازية؟،

لعلكم لاحظتم خلال السنوات الأخيرة انتشار “فكرة” شراء الحلويات أو الشوكولاتة المحلاة المستوردة لنفس الماركة التي تباع محليا ولكن بسعر أعلى، بدعوى الجودة الأفضل، والسكر الأقل! وإذا كانت بالفعل كذلك، فلماذا لا تفرض نفس المواصفات، إن كانت بالفعل موجودة وليست وهما سوَّقه مستوردوها أو المتخصصون فيها.

التقارير الصحية بح صوتها واصفرت أوراقها منذ سنين، وهي تقول بالنتائج السلبية لاستهلاك الفرد للمشروب المحلّى، ومن قبل لاستهلاكه لكثير من المنتجات وفي مقدمتها المشروبات الغازية، لكن “ماكينة” التسويق التي تساعدها تروس التعود واللا مبالاة نجحت في وضع هذه الحقائق جانبا، والتركيز على “متعة” الاستهلاك، المتعة التي تصبح داء إنسانيا كونيا مع مرور الوقت، ومع تغلغل “الحداثة السائلة” في الوجدان الإنساني إجمالا على هذا الكوكب.

رفع الضريبة يهدف إلى تقليل الاستهلاك، وتغيير خارطة الإنتاج، وكلاهما بيد الفرد الذي لن يتغير سلوك المنتجين إلا بتغيير سلوكه، وهنا يمكن اعتباره تغيير نمط حياة، فلا عصير موثوقا وصحيا ومفيدا أكثر من ذلك المنتج في المنزل بيد “ست الحبايب” أو “سيد الحبايب” إذا رأى المشاركة في هذا الجهد، عندها ستعود للفاكهة قيمتها، وصورتها الذهنية التي تشوهت كثيرا من كثرة الكذب عليها واستغلالها لعصر جيوب الناس.

يجب التدقيق والتمحيص في الرسائل الإعلانية الغذائية بشكل أكثر صرامة وموضوعية، بنفس القدر الذي ستطبق به الضرائب، التي ستفقد هدفها الصحي إذا ركزت فقط على هدفها المادي، وربما نحتاج من الحكومة أو بعض مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الثالث إلى حملات مضادة تكشف بجرأة كل لعبة “حالية” من غير سكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.