مع جائحة الفيروس الجديد ـ حفظ الله الجميع منه وشفى حامليه جميعا ـ بدأت معظم الحكومات والمنظمات وكبرى الشركات وحتى بعض الأفراد بتقديم محتوى إعلامي يكاد يكون متشابها، لكنه يواصل الانتشار لوجود اهتمام دائم من المتلقي، ثم لفروقات التوقيت حيث نجحت دول في “الحرص المبكر” على مواطنيها ـ والحمد لله ـ أن بلادنا في مقدمتها، وأخفقت أخرى في قراءة الحدث، وتأخرت في إيصال المحتوى المهم والمطلوب.
وما بين هذا المحتوى الناري في سرعة انتشاره نتيجة الخوف، وبين ما يحدث على أرض الواقع في كثير من الدول، لمست الشعوب الفرق، وتأكد قول الفلاسفة حول مقاربة “اليقين المطلق” للجهل، وهنا أضيف أن “غرور القوة” الذي ساد بعض الدول أنساهم أن قوتهم نشأت أصلا على المعرفة والعلم، وأن العلم يتطور بالأسئلة أولا، وبعضهم لم يفكر حتى في السؤال والاستقصاء، كما فعلت الدول “الأحرص” على الإنسان أكثر من حرصها على المال.
قبل انتشار هذه الأزمة عالميا، كان حديث الإعلام وأصحاب المهنة على مختلف تخصصاتهم، وأهمهم الصحافيون والكتاب وصناع المحتوى المرئي والمسموع حول إشارة معالي وزير الاعلام المكلف ماجد القصبي إلى الأداء الإعلامي السعودي خاصة منسوبي وزارته.
يصعب القول إن الإعلام السعودي يلبي مستوى الطموحات، خاصة بعد تعاظم الطموحات لدى القيادة والشعب، لكن أيضا يصعب القول إن وزارة الإعلام وحدها أو منسوبيها وحدهم هم من يتحملون المسؤولية.
شخصيا اعتبرت حديث الوزير وكأنه يضع لنفسه ولفريقه مؤشر أداء رئيسيا وهو يقول “الأداء غير مرض تماما”، وهو هنا يعلن على الملأ الوضع القائم، وكأن لسان حاله عبر نشر هذا التصريح في الإعلام الرسمي يقول بضرورة النقاش وتشخيص الداء قبل الاجتهاد في العلاج.
ما هو تعريف وزارة الإعلام، أو ما هي وزارة الإعلام؟ وما هو الإعلام؟ وإذا اتفقنا على تحديد هذه المفاهيم من وجهة النظر المهنية العالمية، يمكننا البدء في التحدث بصراحة عن وضعنا في المملكة، ثم عن وضع الكوادر الرسمية، لنصل إلى الحديث الأهم وهو الحديث عن المحتوى، ومن ثم الحديث عن إيصاله.
يعرف الوزير أن كثيرا من كوادر الوزارة ليس على المستوى المأمول، وهذا ـ في رأيي ـ ليس ذنبهم، ولعل من المناسب هنا الإشارة إلى تطورات قناة الإخبارية ـ بالموارد المتاحة حاليا ـ بمجرد وضع قيادة متخصصة تم استقطابها من قناة عربية كبرى، وهي تطورات يمكن أن تزداد لتجعل الأداء مرضيا ومنافسا إذا تحسنت الموارد، وإذا رفعت بعض القيود الرسمية.
لا يمكن أن يؤثر الإعلام ما لم يكن جاذبا، والجذب يزداد صعوبة مع تداخل الوسائل وكثرتها، ولا يمكن أن يكون الإعلام وحيدا، هو من يواكب نهضة الشعوب، فالثقافة والفنون بجميع أشكالها هي من تصنع على المدى الطويل القوة والتأثير.
يحتاج الإعلام إلى أن يتقبل بعض زملاء الوزير أنفسهم النقد بدون أن يشتكوا لوزير الإعلام، ويحتاج إلى الانطلاق في اتجاهات كثيرة، دون قيود تفرضها الرقابة، وإلى دماء جديدة بصلاحيات أكبر، لا توجه خطابا مكررا للداخل، بقدر ما تصنع ما يمكن أن يلفت نظر المتلقين في العالم، والمتلقي في السعودية واحد منهم.
أضرب مثالا واضحا عن مسلسل سعودي صغير تم عرضه في “نيتفلكس” أوصل رسائل كثيرة إلى متلقين، بعضهم لا يعرف أين تقع بلادنا، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع محتوى المسلسل، إلا أن هذا يؤكد ما نحتاج إليه جميعا، وربما يحتاج الوزير المكلف في وزارته وقطاعه إلى تبنيه والانتباه لأهميته وتأثيره.
في رأيي أن الإعلام السعودي الرسمي بحاجة إلى تغيير الخريطة الوراثية “الدي إن إيه”، وهو للحق، يحقق أحيانا “طفرات جينية” مثلما يحدث الآن مع قناة “الإخبارية” في بعض الملفات التي لا تحتاج إلى كثير من الموافقات والمواقف الرسمية مثل جائحة الفيروس التي أدعو الله الكريم العظيم أن تكون قد انحسرت مع نشر هذه الكلمات في مجلتنا الشهرية التي تجمع أفكارنا وحروفنا وأرقامنا بكم.
المحتوى لا يجب أن يكون ثوريا وجذابا دائما، أحيانا يحتاج إلى أن يكون ملبيا لحاجة الناس إلى الإجابة على أسئلة ما، أو الاستزادة حول قضية ما، ولعل أزمة الفيروس أكدت ذلك، إذ برز نجم الراسخون في الطب والعلم، وأفلت نجوم كثيرة.
إحدى ملامح تطور الإعلام، القناعة بأنه يصنع المال ويقوي الاقتصادات، وليس ذلك الذي يتكئ على الدعم وسلم الرواتب، والسؤال: هل الإعلام “وقود” أم “محرك”؟.