لا أحد يحب أن ينخفض دخله، ولا يمكن لأحد أن يطلب ممن انخفض دخله، أو زادت مصروفاته قسرا عبر ضريبة أو رسوم ألا يتألم أو يحزن، ولكن يمكن لمن يستطيع ويملك الأدوات أن يقدم المساعدة المعنوية، أو تلك العملية التي تخطط لما يمكن تنفيذه لتقليص الآثار.
أحاول أن أكون انتقائيا فيما يتعلق بالاستماع للمواعظ، أولا لأن كثيرا منها نعرفه، وثانيا للتكرار في الأفكار والأسلوب الذي يصعب معه إثارة العقل والروح، التي أعتبرها الشرط الأول للاستجابة “التنفيذية”، وثالثا لتراجع إبداع الوعاظ في نقطتين، الأولى “التقاط الفكرة”، والثانية اللغة سواء كانت فصحى أو محكية، وهذا مبحث يحتاج للتفصيل لاحقا.
في الفترة الماضية استمعت إلى ما يمكن اعتباره موعظة اقتصادية روحية جيدة، وصلتني عبر الهاتف وقيل إنها لشخص يخاطب أعضاء مجموعته الاتصالية في “الواتس” عندما لمس منهم “هلعا” كبيرا بعد قرارات رفع الضريبة وإلغاء بدل غلاء المعيشة، وكانت لغته مزيجا بين الفصحى و”المحكية” وأسلوبه جاذبا وهو يبدأ قائلا: “وش هالشغل، وش هالأمر .. يا خزياه” حيث يعيب عليهم هذا الهلع “الدنيوي” من فقد جزء من الدخل وغلاء المعيشة وخشيتهم من الفقر.
موعظته ارتكزت على أن الفقر ذكر في القرآن الكريم مرة واحدة مقرونا بالشيطان “الشيطان يعدكم الفقر”، وأن الرزق ذُكر عشرات المرات في سياقات مختلفة كلها كما استنبط من كلامه تعزز الثقة بالله، ثم بالنفس، وتبعث طمأنينة لكل مؤمن مخلص متفائل واثق بربه، وواصل حديثه المختصر والجذاب ـ وهذا مهم في الوعظ ـ وحقق هدفه ببث الطمأنينة عبر الثقة بالله والتوكل عليه والأخذ بالأسباب.
بالطبع هو لم يلغِ “فكرة” الألم من الإجراءات ومما يحدث، لكنه نجح في إلغاء فكرة “الهلع”، وبالنسبة لي ساهمت هذه “الموعظة” في تهدئة روعي وتقليل الأفكار السلبية والحسابات المقلقة للأيام المقبلة.
لو أمعنا النظر ليس في الهلع فقط، بل في أسبابه، لوجدنا ما يحيل إلى ذهنية شكلتها قبلا أطر تحاول محاصرة إنسان اليوم الذي أضاع طريقه إلى العيش “السعيد” ربما لأن علامات الطريق وضعتها الرأسمالية الجديدة أو المتوحشة لتسلك به مسالك الاستهلاك المفرط.
لعل الشدائد تمر سريعا، والأحوال تعود أجمل، ورغم القناعة العقلية بمنطق هذا الواعظ المبدع وددت لو أن لدي رقمه فارسل له الرد بلهجته الجميلة بلسان حالنا القائل “ولو .. ضايقتن صدورنا”.
كيفية التعامل مع المتغيرات التي تطرأ على مسيرة حياة الإنسان تتركز في قناعته بقدراته، قدرته على التكيف، وقدرته على تغيير شيء من أنماط معيشته، وقدرته على الصبر والتخطيط متوسط وطويل المدى.
لن يدوم حال للإنسان في هذه الدنيا، تلك سنة الحياة، وسنة العيش، وتلك صفة الدنيا الغرور الدوارة، ولكن تفاعل المرء إيجابيا مع ما يطرأ أفضل كثيرا من تفاعله السلبي، فالسلبية لا توصله إلى أية نتيجة، وربما الإيجابية لا تفعل أيضا لكنها على الأقل تقارب توازنه النفسي وسلامته الجسدية فتقربه من التوازن الذي يحتاجه وهو يعبر المراحل الصعبة اقتصاديا، فيكون بذلك أقرب إلى التفاعل الإيجابي بردات فعل “عاقلة” منه إلى التفاعل السلبي الذي لن يحقق له شيئا وسيسلبه شيئا من راحته وطمأنينته الشخصية.
دائما أتذكر مقولة “إذا غلا علي شيء تركته”، وأحسبها، ديدن ينبغي على الكثيرين اتباعه عندما تتغير الظروف الاقتصادية الشخصية لهم، أو عندما تفرض بعض الظروف بعض القرارات التي تؤثر عليهم.
العالم يمر بضائقة لا تبقي ولا تذر، والحصيف من يستطيع الخروج بأقل الخسائر، أو يستطيع “التخارج” من بعض الالتزامات وهذا ينطبق على الحكومات انطباقه على الأفراد.
نعيش في المملكة ظروفا أفضل من معظم دول العالم، وهذا لا يعني أن ما يصيب العالم لا يصيبنا، لكنه يعني أننا نستطيع أن نكون أقل تأثرا، وهذا يقتضي بعض الإجراءات، وكثير من التكيف والمواءمة على مستوى الأفراد.
الوعظ الاقتصادي اليوم مهم ومؤثر إذا كان واقعيا، ويمكن تنفيذه، وأحسب أن كثيرا منا يمكنهم تنفيذ بعض المواعظ، والبعض منا يمكنهم أن يكونوا عمليا هم من يقدم الموعظة عن طريق سلوكهم الذي يمكن الاقتداء به.